أحيانا، أشاطر بعض المواطنين، الذين تعكس زفراتهم، وفلتات ألسنتهم الواقع الحقيقي الذي يعيش عليه بلد كالمغرب، عملا بالمثال العربي القائل "كل إناء بما فيه ينضح"، سيما أن كل فرد من أفراد هذا الوطن، صالحا كان أم طالحا، فهو بالضرورة يعتبر مرآة لمجتمع برمته، ولكي لا أتهم من خلال هذه اللازمة بأنني "كانتفلسف عليكم"، أعترف أنني فاشل فيما يخص علم الاجتماع، لكن هذا لا ينفي أنني عنصر من هذا المجتمع، أرى الواقع بنفس الألوان التي تتراءى للغيورين على هذا الشعب، خصوصا الطبقة المنبوذة منه، فكم من مسؤول كبير، رغم تحمله للمسؤولية، أبان عن فشله في القطاعات الموكولة له تدبيرها، سواء في عهد الملك الراحل، أو في ما يسمى ب "العهد الجديد"، ومع ذلك تجدهم متشبثين بكراسيهم الفاخرة، التي تعادل تكلفة "النيطواياج ديال كرسي واحد فيهم" أجرة خمس أو ست مزاليط من عمال "السميك"، وبالرغم من أن هذا النوع من المسؤولين يشكلون عبئا على بعض الوزارات والقطاعات، إلا أنهم لازالوا يعزفون على أوتارنا، معزوفة "بت نبت"، حتى أضحوا أشبه ب "المسامر ديال عشرة" التي يصعب اقتلاعها، هذا الواقع مع كامل الأسف، لم تستطع "السياسة" بمكرها و"تخلويضها" حجبه عن عامة الناس، ولعل النتائج الهزيلة للانتخابات الأخيرة التي جرت يوم السابع من شتنبر 2007 لأكبر مثال على ذلك، والتي كان من نتائجها بالطبع، تشكيل حكومة "عرجاء" لا تمثل في مضمونها اختيارات الشعب، وإنما تعكس رغبة "موالين لبلاد"، في تشكيل نخبة، تجيد العزف على نغمات "كور وعطي لعور". "" ولعل من يجد فسحة في زحمة الأوقات، للتسمر أمام شاشة التلفاز، التي لا تعكس واقعنا في أغلب الأحوال، لا يجد في نشراتها الرسمية إلا ملك البلاد وهو يدشن، ويفتتح ويقطع الشرائط معلنا عن انطلاق حزمة من المشاريع، وإذا ما حاولنا جرد عدد المشاريع التي أعطى انطلاقتها، حتما سنتيه في بحر من الأرقام، لكن هل تغير المغرب في شيء؟ ففي الوقت الذي يسعى فيه الملك مثلا إلى إبادة "كاريانات المغرب"، وكذا وقوفه صارما ضد أي بناء عشوائي في عهده، نستفيق كل يوم على مدن أخرى من الصفيح، التي تنبت في غفلة من "موالين الوقت" أو بمباركتهم، خصوصا أن الانتخابات الجماعية على الأبواب، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تضم مدينة الدارالبيضاء أكبر التجمعات الصفيحية بالمغرب، و"كاريان واحد من كارياناته" كدوار التقلية، يحتاج عمالة لوحده، على اعتبار نسبة النمو الديمغرافي التي تشهدها هذه المنطقة، دون الحديث عن جماعة الهراويين التي لا تزال فيها "البراريك" إلى يومنا هذا، تتناسل كفقاعات الصابون.. وحسب مصادرنا هناك، إن "بعض المقدمين دايرين الوعاوع تما"، إذ يكفي مبلغ 5000 درهم ليبني المزاليط هناك "الضالة" ولما لا براكة بأكملها دون الحديث عن الثمن الذي يؤديه بعض السكان عن ثمن "الياجورة الواحدة"، حتى أن مواطنا بدوار المديوني التابع لجماعة الهراويين، بالدارالبيضاء "بغا يضرب الضالة"، حيث طلب من أحد المقدمين هناك بالسماح له ببناء سقف لبراكته التي تبكي عوضا عنه أيام الشتاء، من خلال "القطرة" التي تتسلل عبر الثقوب، فأجابه المقدم قائلا "ما كاين حتى مشكل دوز عندي غدا"، ولما سأله صاحب البراكة عن رأي القايد في الموضوع، أجابه المقدم، "أنا هو القايد"، وبالفعل "شكون القياد بحالو"، ما دامت بعض القرارات تؤخد بارتجالية من أسفل السافلين، و"بني وبينكم واش البلاد مع هاذ النوع غادة تتغير؟"، حتى أنه بمدينة تطوان، استطاع مقدم، خلال شهر واحد، من تطعيم رصيده المالي الذي يقارب 120 مليون سنتيم ب 17 مليون أخرى، (ماتمشيوش بعيد، ما ربحهاش في التيرسي، ربحا من جوايه أخرى). ثم إن هذا النوع من المقدمين، لا يشكلون في واقع الأمر، إلا الأثر الذي تتركه أحذية بعض المسؤولين الذين يعرقلون كل المشاريع الجادة التي تهم النهوض بالأوضاع الاجتماعية في مغرب لازال فيه مع كامل الأسف، الفاعل واحدا أعزل، وحسب رأي أحد الظرفاء، فالطبيعة لا تقبل الفراغ، كما أنها علمتنا أن اليد الواحدة لا تصفق، إذ يلزمنا للترنم على معزوفة "العام زين" أيادي نظيفة وطاهرة، بطهارة القسم الذي أدته على خدمتها، حتى يتأتى لها تشكيل مرآة حقيقية تعكس وجوهنا وطموحاتنا.
لكن مع وجود بعض المسؤولين الذين لا ينتعشون إلا في بركة المياه العكرة، والذين لا تُسْمِنُُ بطونهم إلا في ظل الأزمات، فكونوا على يقين تام أن "البلاد حتما غادة تبقى لاور لاور"، وبالمناسبة، فقد حضرتني حكاية رجل هجر الوطن قرابة 15 سنة، وكان أن حمل معه إلى الديار الفرنسية صورة مسؤول كبير ما تزال هوايته المفضلة، هي الانتقال من كرسي إلى آخر، حيث تبَّث صورته في الوجه الداخلي لحقيبته، لكن كلما همَّ الرجل بالعودة إلى المغرب، يشرع في جمع أمتعته داخل حقيبته تلك، لكن ما إن يرى صورة ذاك المسؤول داخل حقيبة السفر، حتى يهاتف بعض أصدقائه في المغرب، قائلا "واش فلان باقي في بلاصتو"، وعندما يكون الجواب نعم، يخاطب الرجل صاحب الصورة، قائلا "ماحدك باقي كاتنقل من وزارة إلى أخرى، والله لا شفتي كمارتي في المغرب"، "واشوفوا القضية فين وصلت".