مسيرة شعبية مؤثرة٬ تلك التي شهدتها الحاضرة الكبرى للمغرب٬ الدار البيضاء٬ اليوم الأحد لنصرة مدينة القدس المهددة بمخاطر التهويد قصد تحويلها إلى عاصمة أبدية لاسرائيل. آلاف الحناجر صدحت عاليا في هذه المسيرة٬ التي انطلقت من شارع أبي شعيب الدكالي وجابت شارع محمد السادس بعمالة الفداء- درب السلطان٬ مطالبة بإيقاف عمليات التهويد وفك الحصار عن المدينة المقدسة ورفض كل عمل تروم به سلطات الاحتلال طمس الملامح التاريخية والدينية لأرض الإسراء والمعراج. مسيرة دعم الأقصى هاته٬ جاءت مواكبة لفعاليات المسيرة العالمية من أجل القدس٬ المنظمة في فلسطينالمحتلة ودول الطوق وفي أقطار عربية وإسلامية أخرى بمناسبة الذكرى ال36 ليوم الأرض٬ وكانت محطة أخرى أكد فيها الشعب المغربي بمختلف ألوان طيفه وفئاته أن كل ما يحاك ضد القدسوالفلسطينيين عامة٬ لا يقبل به المغاربة ولا أنصار القضايا العادلة أينما كانوا على وجه البسيطة. "سنواصل الاستنكار والشجب وسنعبر عن سخطنا الدائم طالما استمر الصهاينة في طغيانهم واحتلالهم للأقصى ولفلسطين الغالية. إذا كانوا يعتقدون أنهم أفلحوا في بسط السيطرة والنفوذ على أرض ليست لهم٬ فهم مخطئون. إن العالم وأحراره يعرفون حقيقة هذه الأرض ويتابعون ما يجري فيها من تنكيل وتعذيب وقتل وتشريد وهدم وتهويد٬ فلسطين جزء من هويتنا وكياننا ولن تغير عمليات التهويد والاستيطان من مكانتها في قلوب المسلمين جميعا"٬ تقول خديجة الراجي عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية٬ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء. بين حشود المشاركين٬ يتجلى مشهد رجل كهل يقارب الثمانين٬ يخطو خطوات ثقيلة٬ متضرعا إلى الله عز وجل لنصرة الأقصى. كان٬ بإخلاص وتذلل٬ يستدر مددا إلهيا ينصر المرابطين في أرض فلسطين. يردد بصوت شجي "اللهم احفظ أقصانا٬ إنهم طغوا فأرنا فيهم عجائب قدرتك...". كيف له أن يخرج متعبا وسط هذه الحشود الغفيرة من الناس¿. يقول الرجل مستنكرا٬ لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ "وهل الأقصى رخيص عند المسلمين؟ إنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال كما قال رسول الله عليه السلام٬ أسأل الله ألا يحرم المسلمون من الصلاة هناك..". مسيرة الشعب المغربي من أجل الأقصى كانت بأكثر من انطلاقة. فقد ظلت نقطة البداية تستقبل إلى حدود منتصف النهار٬ جماعات تلو الأخرى٬ تنزل من عشرات الحافلات المتوافدة على مدخل شارع شعيب الدكالي من مختلف أنحاء المملكة٬ حواضرها وقراها٬ البعيدة منها والنائية. جاب السائرون أزيد من أربع كيلومترات سيرا على الأقدام حاملين مجسم القدس الشريف وعلمي فلسطين والمغرب٬ ومرددين شعارات تندد بالاستيطان والتهويد٬ وتؤكد أن القدس الشريف خط أحمر٬ وأن تحريره وتحرير باقي الأراضي الفلسطينية وعد سيتحقق بعزيمة ونضال أصحاب الحق. صوت الأقصى تردد صداه عبر أجواء المسيرة٬ فقد ظلت نبرة الاستنكار حاضرة في معظم الشعارات التي رفعها المتظاهرون ضد الجرائم الوحشية المرتكبة في حق شعب أعزل على مرأى ومسمع العالم. من بين تلك الشعارات التي رددتها الحناجر : "لا تجويع٬ لا حصار٬ الانتصار للأحرار"٬ "حرب التحرير الشعبية٬ هي طريق الحرية"٬ "غزة غزة رمز العزة"٬ "مغاربة لن ننسى٬ أوقافنا بالأقصى.. قدسنا والأقصى.. حارتنا بالأقصى.. بابنا بالأقصى.. شهداء بالأقصى...لن ننسى إخواننا بالأقصى". ووسط هذا الزخم من الشعارات كان شاب في ربيعه الثاني٬ يمشي على جنبات المسيرة وصورة القدس على صدره. عن المغزى من مشاركته٬ يقول للوكالة "لفلسطين مكانة خاصة في الوجدان المغربي٬ وللمغاربة تاريخ حافل على أرضها الطاهرة. نحن المغاربة تربطنا صلات عميقة بإخوتنا في فلسطين٬ لدينا هناك تلة تاريخية تسمى بتلة المغاربة وهي عبارة عن الجزء المتبقي من حي المغاربة الذي كان يمتد على طول حائط البراق في السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك٬ هي بدورها مهددة بالتهويد". ثم يضيف بنبرة غاضبة "من العار أن نسكت على التمادي الإسرائيلي في سلب مقدساتنا الإسلامية٬ لهذا جئت مع رفاقي لدعم القضية الفلسطينية بشكل سلمي في ظل الظروف التي يعيشها العالم العربي والدولي٬ ولرفع صوت الحق عاليا والتأكيد على أن كل عمل تقوم به سلطات الاحتلال لاغ وباطل...". وبين حشود المتظاهرين مشى وزير العدل مصطفى الرميد صحبة ابنه الأصغر٬ ليؤكد في تصريح للوكالة أن الفلسطينيين والمغاربة إخوة٬ وأن المسيرة تعد شكلا تضامنيا مع محنة هذا الشعب المحروم منذ عقود من العيش في أمن وأمان على أراضيه. وأضاف أن "المسيرات التي نظمها المغرب لدعم القضية الفلسطينية كانت دائما جياشة وقوية٬ فكل ما يصيب الشعب الفلسطيني يصيبنا وكل ما يؤلمه يؤلمنا٬ لن نقبل باستمرار هذه المأساة الإنسانية ولن نسمح أبدا بتهويد القدس الشريف٬ فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين وإحدى المقدسات الهامة لدى المسلمين في أرجاء العالم". واعتبرت عضو الفريق الدستوري بالبرلمان المغربي٬ أم البنين لحلو٬ هذه المسيرة بمثابة واجب وطني ودولي في نفس الآن٬ وقالت إنها مسيرة ضد المأساة الإنسانية المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني دون توقف. "العالم كله ينتبه إلى هذه المأساة التي تعد من أقدم المآسي التي تعذر على المجتمع الدولي حلها". وأضافت أم البنين "باسم فلسطين وباسم الإنسانية الكونية٬ نحضر اليوم للتأكيد عل حق هذا الشعب في الحياة وفي العيش الكريم وفي الحرية والاستقلال. نصر اليوم على طلبنا في فك الحصار عن هذا الشعب الأعزل والكف عن التهويد الباطل للقدس والأراضي الفلسطينية". مسيرة المغرب من أجل القدس٬ رسالة أخرى من المغاربة للقيادة الإسرائيلية مفادها أن القهر والتعذيب الذي يتعرض له الفلسطينيون٬ وأن الهدم والاستيطان ومحاولات التهويد٬ كل ذلك وغيره لن يفلح في تغيير حقائق التاريخ ولن ينجح في طمس الهوية الفلسطينية واقتلاع الجذور الدينية الإسلامية للقدس الشريف.