عاهل إسبانيا يؤكد أهمية المغرب    "الصحافيون العرب" يدعمون المغرب    رئيس الحكومة يترأس احتفالية رسمية كبرى برأس السنة الأمازيغية الجديدة    ضابط يتعرض لاعتداء في إنزكان    الرئيسان المصري والأمريكي يبحثان تطورات مفاوضات الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    رسميًا: الكاف يؤجل بطولة أمم إفريقيا للمحليين إلى 2025    احتفالات رأس السنة الأمازيغية بالرباط.. توقيع عدد من الاتفاقيات لتكريس الطابع الرسمي للأمازيغية    سنة أمازيغية ناضلت الحركة الأمازيغية من أجل ترسيمها مند عقود    بلينكن يكشف تفاصيل خطة إدارة غزة بعد الحرب    تراجع عمليات الدخول غير القانوني إلى الاتحاد الأوروبي إلى أدنى مستوياتها    مدرسة ابن حمديس بآزمور تحتفي بالسنة الأمازيغية    زيارة لتعزيز قطاع الصناعة التقليدية بجهة سوس ماسة : خطوة نحو التنمية    الزنيتي ينضم إلى الوصل الإماراتي    رسميا.. "الكاف" تقرر تأجيل "الشان"    تظاهرة "تيفلوين".. هكذا احتفلت مدينة تزنيت بالسنة الأمازيغية الجديدة    الإنسانية أولا ، أو حينما يتجاوز الحق القانون .    التردد الحراري.. تقنية حديثة لعلاج أورام الغدة الدرقية تُعوض الاستئصال    فضيحة أخرى للنظام الجزائري: استقبال وفد انفصالي من أكراد سوريا    شركة "ميرسك" للشحن تُغير نشاطها من ميناء الجزيرة الخضراء إلى طنجة    اتهامات بوجود "تلاعبات" في مواعيد "الفيزا".. حقوقيون يطالبون بالتدخل العاجل    أزمة صحية مفاجئة تُنهي حياة ضابط شرطة انتقل حديثا إلى طنجة    تسرب الغاز ينهي حياة زوجين بحي المرس بطنجة    عروض الشهب الاصطناعية تُضيء سماء أكادير احتفالاً برأس السنة الأمازيغية 2975 (الفيديو)    تفشي داء بوحمرون يحيي أجواء كورونا في محاكم طنجة    إسبانيا تفرض ضرائب قاسية على عقارات المغاربة    لقجع : الزيادة في ثمن غاز البوتان غير مطروحة على طاولة الحكومة    ليلى بنعلي تؤكد على التزام المغرب بدعم التعاون الاقليمي والدولي في مجال المعادن    إيلون ماسك يجري مناقشات لشراء تيك توك    توقعات احوال الطقس لليوم الثلاثاء    "التوحيد والإصلاح" تنتقد تثمين العمل المنزلي وحدّ "التعدد" في تعديل المدونة    تنزيل قانون العقوبات البديلة يدخل مراحله النهائية    الدورة ال49 لجائزة الحسن الثاني وال28 لكأس الأميرة لالة مريم للغولف من 3 إلى 8 فبراير المقبل بالرباط    موظفو الجماعات الترابية يطالبون بنظام أساسي "عادل"    الحبس النافذ لصاحب صفحة فيسبوكية بفاس    الدار البيضاء .. أمسية موسيقية احتفاء برأس السنة الأمازيغية الجديدة    الناصيري يكشف سبب حجب "نايضة"    استوديوهات هوليوود تتبرع بملايين الدولارات لدعم جهود الإغاثة من الحرائق    ترامب: التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى أصبح قريبا    أنفوغرافيك | حقائق لا تريد إسرائيل أن نسمعها    ريال مدريد يُواجه اتهاماً خطيراً في واقعة إهانة البرازيلي فينيسيوس    الإصلاح الضريبي يرفع الموارد الجبائية إلى 299 مليار درهم في 2024    النفط قرب أعلى مستوياته في 4 أشهر مع تقييم تأثير العقوبات على روسيا    المديرية العامة للضرائب تحدد سعر صرف العملات الأجنبية    من هو نواف سلام رئيس محكمة العدل الدولية المكلف بتشكيل الحكومة في لبنان؟    غوارديولا: قائد مانشستر سيتي يقترب من الرحيل    الصين: التجارة الخارجية تسجل رقما قياسيا في 2024    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يخوض تجمعا إعداديا بسلا    ملاكمة.. اعتزال بطل العالم السابق في الوزن الثقيل تايسون فيوري    تدريس اللغة الأمازيغية.. تكوين أزيد من 3000 أستاذ للتعليم الابتدائي بالتخصص المزدوج    قافلة الأكاديمية الدولية للتراث الثقافي اللامادي تحل بالحسيمة    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    مسؤول يكشف أسباب استهداف وزارة الصحة للبالغين في حملة التلقيح ضد بوحمرون    وزارة ‬الصحة ‬تتدخل ‬بعد ‬تواصل ‬انتشار ‬‮«‬بوحمرون‮»‬.. ‬    فيتامين K2 يساهم في تقليل تقلصات الساق الليلية لدى كبار السن    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يستبدلون الذي هو خير بالذي هو أدنى؟
نشر في هسبريس يوم 28 - 03 - 2012

من يتأمل النقاش الدائر حاليا حول الوضع اللغوي في المغرب يدرك مدى البعد عن مقتضيات المنهج العلمي الصحيح لمناقشة الوضع الاعتباري للغة كرافد مهم جدا من روافد الحضارة، أية لغة وأية حضارة كيفما كانت، وإن شرط هذا النقاش هو أولا وأخيرا الالتزام بمقتضيات الدقة العلمية ما أمكن، بعيدا عن منهج الاقتيات والاسترزاق ودغدغة العواطف والضرب على أوتار القبلية والعصبية. مبرر هذا الكلام الآن أمران اثنان هما. الخلط بين الدعوة إلى اعتماد اللغة العربية وحمايتها وإحلالها المكانة التي تستحقها والدعوات المتواصلة من هنا وهناك لاعتماد العامية. والأمر الثاني هذه النقاشات الاستعدائية في حق اللغة العربية واعتبارها عند بعض الغلاة لغة مستعمِرة تصادر الأمازيغية.
لا بد أولا من تسطير جملة ملاحظات ونحن نخوض نقاشا علميا دقيقا يجمع بين العلمي والسياسي والأخلاقي والتربوي، لعل اهمها وأدقها هو أن الحديث عن اللغة العربية لا يجب أن يفهم منه على الإطلاق تهميش روافد لغوية أخرى وازنة تشكل لغة التواصل اليومي عند فئة عريضة من المجتمع المغربي، شرقا وغربا شمالا وجنوبا، ومتى استحضرنا هذا استحضرنا معه كذلك عدم اعتبار اللغة العربية حكرا على العرب وحدهم، بل هي لغة للجميع، عرب وأمازيع، لا لشيء إلا لأنها لغة الدين ولغة القرآن، ولا يمكن فهم الدين على حقيقته إلى بفهم المدخل إليه وما ذلك إلا اللغة العربية، لأن الله تعالى قال "وهذا لسان عربي مبين". ولقد علمنا رجال عظام أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. لست أدري ما سر هذا الاستعداء على اللغة العربية؟ وما مقابل تنازل كثيرين عن حقهم في الدفاع عنها، وهي لغة القرآن والإسلام عامة لفائدة لغة أخرى، والمسلمون منهم العرب ومنهم الأمازيغ، بل التنازل حقيقة لفائدة لغات أخرى ما زالت تحتاج ربما إلى آلاف السنين لتستوي قائمة بنفسها. إن منطق العقل، واحتساب هامش الربح والخسارة يقتضي، كما فعل غيرنا كثير، أن نحصن الموجود وندعمه ونقويه ليأخذ مكانته الطبيعية في خدمة التنمية وقضايا الأمة، بعيدا عن كل نزعة تعصب، وبعيدا عن منطق السعي نحو الشهرة، فالشهرة ليست سوى بخار سرعان ما ينتهي ويندثر. إن عين العقل تقضي أن نحصن الموجود في أفق أن نُحيي ما هو موات أو أن نرممه ليستأنف مسيرة الحياة من جديد. ألم تَبعث الدولةُ العبرية لغتَها من موات فجعلتها مادة للتدريس من المعبد إلى أدق العلوم في الجامعات ومراكز البحث؟. فالأمر في بدايته ونهايته بالنسبة إليهم يرتد إلى خدمة مشروع كامل ينسجم مع مقولة شعب الله المختار. لكن نحن بعيدون عن كل هذا، نعيش في وطن واحد وبهموم مشتركة واحدة، لا وصاية لأحد على آخر، إنما هي اختيارات ورغبات، فلمصلحة من خلقُ هذا العداء بين اللغة العربية وغيرها؟ ولمصلحة من هذه الدعوات المتتالية لاستبدال الذي هو خير (اللغة العربية) بالذي هو أدنى (العامية وغيرها).
أهمس في أذن هؤلاء "المبشرين بعصر العامية" فأقول إن الأرض على شساعتها "لا تضيق بمتحابين ولا تسع متباغضين"، فإن نحن استطعنا أن نحقق الحب بيننا وأن نتمثل معانيه السامية، فحتما لا يضيرنا الحديث عن اللغة العربية أو الأمازيغية بتلاوينها، على اعتبار أنهما معاً منا وإلينا ومن حضارتنا. وإن عجزنا عن ذلك فإني أخشى أن نصل يوما يرفض فيه بعض الغلاة من الداعين لمحاربة اللغة العربية الدينَ أصلا لأنه وصلنا بلسان عربي وليس بغيره من الألسن.
أما الدعوة إلى العامية، بل إحلالها الآن محل اللغة العربية فهذه ظاهرة ما كان لها مثيل من قبل، وأحسب أن الذين من ورائها مدركون حقا، وبمكر شديد، أن القضاء على اللغة العربية، كلغة جامعة وموحِّدة، من خلال إحلال العامية في جميع مرافق الحياة محلها، هو قضاء على أهم ركيزة ترتكز عليها حضارة الإسلام (العرب والأمازيغ) التي ترتد إلى قرون من الزمن خلت. ولنا في غيرنا مثال، فهل سعت فرنسا يوما إلى استبدال لغتها الوطنية الموحدة للشعب الفرنسي بعاميتها؟ وهل قامت بذلك ألمانيا أو بريطانيا؟ مع العلم أن لكل لغة مستويين اثنين: مستوى عال يشمل التعليم والإعلام والإدارة وغيرها، ومستوى تواصلي يهتم بتواصل الناس في ما بينهم والتعبير عن حاجاتهم ورغباتهم اليومية.
لا يمكن لأي متتبع أن يفصل بين التطبيقات العملية لإحلال العامية محل العربية الفصحى في المغرب، وفي غيره من البلدان العربية، وبين ما تدعو إليه مراكز بحث غربية. فعندما أجد مراكز بحث وجامعات بأوروبا مثلا تنظم ندوات وأياما دراسية لتعليم القادمين إلى المغرب "الدارجة المغربية" وأجد ذلك مصحوبا بتطبيقات عملية في إعلامنا، المسموع والمرئي، ولقاءاتنا وندواتنا، بل وحتى في تعليمنا، فمن المشروع جدا أن نتساءل هل من رابط يربط هؤلاء بأولائك؟ أم أن الأمر مجرد صدفة؟ وكم أتمنى أن يكون ذلك كذلك.
لنتأمل الإعلان التالي: "تنظم جامعة لاغونا في تينيريفي (جزر الكناري) ما بين 21 و27 مارس 2012 ىسلسلة دروس مكثفة خاصة بتعلم الدارجة المغربية. وأوضحت الأستاذة سيرانو- نيزا التي تشرف على هذه الدورة التكوينية في بلاغ أن هذه الدروس (ومجموعها 20 ساعة) موجهة "لكل من يريد تعلم أساسيات اللغة العربية المنطوقة في المغرب " خصوصا بالنسبة للوسطاء الاجتماعيين٬ والعاملين بالقطاع الصحي والمدرسين والصحافيين٬ فضلا عن أولئك الذين يرغبون في زيارة المملكة." لست أدري هنا هل هؤلاء الذين سيفدون على المغرب يعلمون أن لغتيه الرسميتين هما العربية والأمازيغية؟ أم أن لغته الرسمية هي الدارجة المغربية ؟ ألا يعتبر هذا تدخلا في سيادة الوطن ومسا بحقوقه؟ ألا يعتبر هذا سعيا محموما لرسم خارطة لغوية جديدة للمغرب تعتمد على الدارجة بدل الفصحى؟
أعتقد أن القضية اللغوية بالمغرب الآن يجب أن تناقش بعيدا عن الحسابات الضيقة، فاللغة العربية تحمل من الخصائص والمقومات لتكون لغة عالمية تتسع لجميع مظاهر التواصل ما لا تحمله لغة أخرى لخصوصيات تتعلق بها ولا تتعداها إلى غيرها. أما على مستوى شكل هذا النقاش اللغوي العلمي فإني أدعو ذوي النزعات العدائية الاستعدائية إلى التحرر من عقدة الذات ومن ثنائية: عربي\أمازيغي، فالتفكير المتمحور حول الذات فقط هو تفكير عقيم تتفرع عنه سلطة الاستبداد والاستغلال والاستجداء بالآخر، وما أدراك ما حجم تدخل الآخر فينا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.