لا يزال موضوع حقوق الإنسان يأخذ حيزا كبيرا في اهتمامات النخب والمفكرين والسياسيين والمثقفين، ويرجع هذا الاهتمام إلى الأهمية الثقافية والتاريخية التي يلعبها موضوع حقوق الإنسان في تكوين معالم المجتمع والأفراد والجماعات، ناهيك على أنه يعتبر أحد المؤشرات على التحول الديمقراطي؛ فكلما كانت المنظومة الحقوقية تتسم بالحرية والتعدد وتكرس قيم الاختلاف والمساواة والعدالة بين أفرادها سواء كانوا أقلية أو أغلبية، كلما دلت على وجود مناخ ديمقراطي، وكلما ساد الفساد والعنف والاستبداد والتهميش والإقصاء غابت الديمقراطية كآلية لتنظيم المجتمع وتقسيم السلطة والثروة. حالة حقوق الإنسان في المغرب لقد حقق المغرب تراكمات هامة في مجال حقوق الإنسان، عكس مجموعة من البلدان العربية سواء على مستوى القوانين وتطويرها أو تطبيقها على أرض الواقع، وما يدل على هذا؛ أن المغرب فتح مجموعة من الملفات الحساسة ( كالانتهاكات الجسيمة في حق مجموعة من المعتقلين السياسيين، حقوق المرأة، حقوق الأقليات...). والتي أتمرت نتائج جيدة كان من أبرزها توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة. إضافة إلى نهوض دينامية الحركة الوطنية الحقوقية المدعمة من طرف القوى الديمقراطية، كما تم إدخال إصلاحات تشريعية على المسطرة الجنائية وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات؛ كاتفاقية مناهضة التعديب، اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، اتفاقية حقوق الطفل، اتفاقية حماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. كما أقر المغرب بحق الضحايا في التعويض وإدخال إصلاحات على قوانين الحريات العامة (الصحافة، الجمعيات، التجمعات العمومية) . لكن رغم هذه المجهودات التي بدلها المغرب من أجل تحقيق مكاسب حقوقية، فقد بقيت الإصلاحات هشة وقابلة للتراجع، وما يدل على ذلك أن الإصلاحات لم تتم في إطار سياسة شاملة وواضحة لترسيخ وتعميق الديمقراطية. بالإضافة إلى استمرار تزوير الانتخابات وقمع الاحتجاجات الاجتماعية ومحاكمة قادة نقابين ونشطاء حقوقيين، رجوع سياسة التعديب (أحداث سيدي إيفني، تازة، بوعياش.......) وتوجيه القضاء في القضايا ذات الصبغة السياسية (محاكمة رشيد نيني مديرة جريدة المساء). ناهيك عن تدهور أحوال السجون وهيمنة وزارة الداخلية على حقل المشاركة السياسية. وتفشي الفساد في الإدارة وفي العديد من المؤسسات العمومية. ومن المعيقات الجوهرية التي تحول دون النهوض بقضايا حقوق الإنسان في المغرب مشكل القضاء الذي يعتبر العقبة الأساسية لتشكيل منظومة حقوقية حقيقية، ومن بين المعيقات التي يطرحها القضاء؛ غياب شروط المحاكمة العادلة وعدم استقلاله ونزاهته، بالإضافة إلى تورطه في قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما أن القضاء في المغرب يحتكم إلى عناصر ذات الصلة بالعلاقات السياسية عوض الاعتماد على النصوص القانونية الجاري بها العمل، كما أن المحاكمات في حق المتهمين لا تحترم المعايير الدولية للمحاكمات من خلال الحرمان من الحق في الاتصال بمحام واعتماد بعض الأدلة استنادا إلى مزاعم بالتعرض للتعذيب، ومنع المتهمين من الاستشهاد بشهود الدفاع. وتعتبر منظمة هيومن رايس ووتش "إنتفاء شروط المحاكمة العادلة، واعتبرت أن القضاء لا يقيم وزنا لحرية التعبير كحق يكلفه الدستور". كما أشارت بعض تقارير أخرى كالشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان "تأثير السياسية والفساد وعدم كفاءة السلطة القضائية وغياب لرعاية الصحية في السجون، وعدم احترام مبدأ المحاكمة العلنية، ناهيك عن ضعف التكوين القضائي والقانوني، وإختلالات في التكوين المستمر ومناهج جامعية لا تراعي احتياجات المنظومة القضائية". حقوق الإنسان في ظل الدستور الجديد لقد نص الدستور على النهوض بقضايا حقوق الإنسان وذلك عبر دسترة الحريات العامة والحقوق الأساسية (أن يجعل هذا المجال من اختصاص القانون). وضمان كرامة الإنسان ويقع على السلطات العمومية واجب احترامها وحمايتها ويرتبط بهذه الحقوق؛ الحق في الحياة والسلامة البدنية ومناهضة التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والاستبعاد والسخرة وإلغاء عقوبة الإعدام، حرية التنقل والتعبير، المساواة بين المواطنين، التضامن الاقتصادي والاجتماعي، كما نص الدستور على حقوق ووجبات المواطن والحق في المشاركة السياسية، وفي الحصول على خدمات إدارية وحق تقديم العرائض، ومن الواجبات إلزامية المساهمة في الأعباء الضريبية والواجبات الاجتماعية. إضافة إلى هذا نص الدستور على تقوية القضاء وذلك عن طريق الارتقاء به دستوريا إلى مستوى سلطة، كما أقر الدستور مبدأ الحكامة الأمنية بحيث تعد الدولة الطرف الوحيد في المجتمع الذي يستأثر بالحق الشرعي في استخدام القوة والمساءلة أمام المؤسسات الدستورية وبهذا ينبغي أن تحترم الضوابط الشرعية والتي من بينها: 1. المحافظة على السلم والقانون والنظام العام. 2. حماية الحقوق والحريات الأساسية. 3. منع الجريمة ومحاربتها. 4. تقديم المساعدة والخدمات المطلوبة. 5. استخدام سلطة الدولة لفائدة المجتمع، حيث يجب أن تتسم بالحيادية السياسية. ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون طرف في الصراع السياسي. حقوق الإنسان وسؤال المواطنة إن الأفق الحقيقي لتقوية المنظومة الحقوقية في المغرب هو النهوض بقضايا المواطنة؛ فمن خلال فتح نقاش وطني حول قضايا المواطنة على جميع المستويات تربوية أو ثقافية أو سياسية أو اجتماعية يمكن الدخول إلى المسألة الحقوقية واستيعاب الدور الذي يمكن أن تلعبه في تكريس قيم الحق والواجب والحرية والكرامة والعدالة والمساواة والتسامح التي كلها تصب في خانة حقوق الإنسان، ولا يتم ذلك ينبغي الاعتماد على مجموعة من الوسائل والتقنيات التي من خلالها يتم تمرير خطاب حقوق الإنسان. كما يمكن أن تلعب المؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني دورا رياديا وأساسيا في تمرير خطاب حقوق الإنسان والمواطنة عبر التوعية والتحسيس بأهمية الموضوع وراهنيته في الدخول إلى مجتمع الحداثة والديمقراطية. *باحث في التاريخ والفلسفة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك [email protected]