لا نحتاج، بعد 57 سنة من تأسيس الاتحاد المغربي للشغل (20 مارس 1955)، الى تأكيد أن موت البيروقراطية، سواء داخل الاتحاد أو داخل أي إطار آخر نقابيا كان أو سياسيا، مرتبط بموت النظام القائم. بمعنى أوضح، إن استمرار هذا الأخير يضمن ويغذي استمرار البيروقراطية، بما ترمز اليه من فساد وتسلط وتواطؤ وإجرام أيضا، خاصة في حق الطبقة العاملة المغربية. ولتفسير الواضحات، رغم أنها من المفضحات، فالتصدي للبيروقراطية يمر عبر التصدي للنظام، كما أن التصدي للنظام يعني في نفس الوقت التصدي للبيروقراطية. وأي فصل على هذا المستوى يعد متعسفا، بل متجاوزا. إن جذور البيروقراطية تعود الى سنوات عديدة داخل الاتحاد المغربي للشغل. ويعود شرف تثبيت هذه الجذور الى البيروقراطي الأول المحجوب بن الصديق. ولحسن حظه (ربما) فقد "أفلت" بجلده. وهو ما قد لا يحصل مع البيروقراطي الثاني (الأول الآن) داخل الاتحاد المغربي للشغل ميلودي موخاريق. ومن عاش "غدر" و"خيانة" الامبريالية والصهيونية والرجعية "لرفاقها" (حلفائها) في هذه الظرفية/المرحلة لا بد أن ينتبه (يعيق) بما قد ينتظره من حساب عسير رغم كل التطمينات والوعود التي قد لا تنفع حتى أصحابها. وإذا توفق بن الصديق في التربع على عرش الاتحاد حتى مماته، فيرجع ذلك لعوامل عدة مرتبطة بخبايا الحياة السياسية المغربية. وقد آن الأوان للنبش في هذه الخبايا، بدء على الأقل من المحطة السيئة الذكر "إيكس-لي-بان". ولنا اليقين أن "الطايح" سيصير أكثر من "النايض". ومسؤولية هذا النبش التي ستطيح لا محالة بأسطورة أو أكذوبة "الاستقلال" تقع على عاتق مناضلي اليسار المناضل "غير المتواطئ". وسيكون الضحية الأول لهذا النبش "الأسطورة" بن الصديق وتلميذه موخاريق وباقي أعضاء النادي البيروقراطي. وعلى ذكر اليسار المناضل "غير المتواطئ"، فلا بد من انخراطه السياسي في معركة التصدي للبيروقراطية. فمن الخطأ الاعتقاد أن مواجهة البيروقراطية تهم فقط الرقعة النقابية أو النقابيين، أو بشكل مبتذل، مناضلين نقابيين في حد ذاتهم. إن التصدي للبيروقراطية (النقابية) معركة سياسية شاملة. ويمكن الآن هزم البيروقراطية وعرابيها السياسيين، بالنظر الى الإمكانيات الهائلة المتوفرة لدى المناضلين ولدى اليسار المناضل. وغياب هذه الإمكانيات في الماضي قد فسح المجال لاستمرار البيروقراطية وأذيالها الحالية داخل الاتحاد، وحتى داخل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية ونقابات صغيرة أخرى. وعدم الانتباه الى هذه المعطيات قد يعد من الأخطاء القاتلة للبيروقراطية "الحديثة". وكما كانت معركة النظام معركة البيروقراطية، ومعركة هذه الأخيرة معركة النظام، فاليوم أيضا، معركة البيروقراطية معركة النظام، ومعركة هذا الأخير معركة البيروقراطية. وليس غريبا أن تتزامن هجومات النظام على نضالات الجماهير الشعبية المضطهدة مع هجومات البيروقراطية على المناضلين النقابيين، وخاصة داخل الاتحاد المغربي للشغل (جهة الرباطسلاتمارة)، وما يشكله هذا الأخير من دعم، خاصة لحركة 20 فبراير. إن المواجهة المفتوحة الآن بين البيروقراطية والديمقراطية داخل الاتحاد المغربي للشغل محطة فارقة، ليس فقط داخل الاتحاد، ولا تهم فقط جهة أو جهات سياسية معينة. إنها محطة تغذي الحياة السياسية المغربية وتساهم في فضح الأوهام المراهنة على الديمقراطية الممنوحة (دستور 01 يوليوز 2012). إنها محطة فرز سياسي لها تبعاتها السياسية. وختاما، أقول على لسان الشهيد عمر بن جلون الذي عانى إجرام البيروقراطية: "أتمنى أخيرا ألا يكون كل ما سبق، مرة أخرى محسوب على ما يمكن أن يكون لدي (ولدى آخرين) من "انتهازية" و"تطرف" و"يسارية"... أو فقط " نذالة"".