فوت اليسار وحتى غير اليسار، ومنذ محطة إيكس-لي-بان (Aix-les-Bains) السيئة الذكر، مناسبات سياسية عديدة لقلب موازين القوى، أو على الأقل التأثير فيها بما يخدم قضية الشعب المغربي ويفتح أمام هذا الأخير مسارات مؤهلة لإنجاز التغيير الجدري المنشود. وبالتأكيد من مصلحة اليسار الاشتغال بإعمال التحليل الملموس للواقع الملموس على هذه الوضعيات لإبراز الفرص الضائعة واستخلاص الدروس منها. وبدون شك، سنكون أمام معطيات مبهرة، إن لم نقل حقائق صادمة. "" إن التواطؤ الحالي، أو التواطؤ المتوارث، من شأن استمراره تكريس ضعف اليسار وسيادة رموز الماضي المتربعة على جراحنا. ومن بين هذه الرموز اسم لا تخطئه العين/العقل، إنه إمبراطور الاتحاد المغربي للشغل، المحجوب بن الصديق. فهل ننتظر "شباط" آخر ليخلصنا بطلاسمه من "شر أنفسنا" على طريقة هزمه بالضربة القاضية لأفيلال وبنجلون؟ فعلا، هناك رموز أخرى طال أمد تربعها على جراحنا، وآن الأوان لنمتلك الجرأة لمواجهتها، إلا أن الظرفية الراهنة وبمعطياتها الفاضحة (جرائم الفساد والعبث السياسي...) وانتظاراتها الحاسمة (الإضرابات والاحتجاجات، الزيادات المتواصلة في الأسعار، فشل "الحوار"، الانتخابات الجماعية القادمة...) وشعاراتها الكبيرة (الديمقراطية وحقوق الإنسان وعدم الإفلات من العقاب...) تسمح بخوض هذه المعركة، والرهان على كسب نتائجها. إن الفضائح التي تطوق عنق إمبراطور الاتحاد، في علاقة ذلك بما تنشره الصحافة، والذي تؤطر جزء كبيرا منه، وبدون شك، عدة أيادي خفية، بما في ذلك أيادي النظام المغربي المتورطة في الكثير من الملفات القذرة ومن بينها ملف "فراع التعاضدية العامة"، تسمح بصنع نهاية الرجل قبل أن يتوجه الموت بطلا رغما عنا. وفي جميع الحالات، فلا معنى بعد الآن للتعايش معه تحت سقف واحد، خاصة وانزعاج حاشيته البيروقراطية وتضايقها من تبعات فضائحه ونزوعها نحو تبرئة ذمتها... إننا أمام خيارات محدودة، ومن بينها الخيار الأمثل، وهو خوض المعركة حتى نهايتها، فلن نخسر أكثر مما قد نربح، وأضعف ما قد نربحه هو فتح أبواب معركة إسقاط رموز الفساد السياسي والاقتصادي على المستقبل. وغير هذا الخيار، سنعمق، شئنا أم أبينا منزلق التواطؤ، وستترتب عنه خسارات لا حدود لها، خسارة مصداقيتنا، وخسارة قواعدنا في الحقل النقابي وحتى السياسي، وبالتالي خسارة المعارك القادمة، وتوسيع الفراغات أو المساحات الفارغة، بل وفسح المجال لأعداء الشعب المغربي لإحكام قبضتهم على مصيره السياسي والاقتصادي... وأن لا نكون في الموعد، ولو مرة واحدة، يعني أن حسنا السياسي في أخطر مراحله، أما وضعنا الذاتي الذي يبدو أنه غير قادر على إنجاز هذه المهمة، فلن يتصلب إلا من خلال حرارة المعارك وشراستها وعن طريق نسج تحالفات مناضلة مقتنعة بخيار المواجهة المنظمة. وأعتقد أننا نملك من عناصر القوة الآن أكثر مما قد لا نتصور، فاليوم حيث قوة الإعلام وفرص التواصل المتاحة بالداخل والخارج ليس كالأمس العنيد الذي أرهقنا فيه الصمت والحصار...