تعد العلاقات السياسية والدبلوماسية المغربية البحرينية نموذجية في رؤى وتوجهات البلدين تجاه مختلف القضايا الدولية والإقليمية إذ لم يخفت التنسيق السياسي والاستراتيجي بين البلدين بشأن القضايا العربية والإسلامية. ويرجع تميز العلاقات السياسية بين البلدين إلى استمرار التداول الثنائي الإيجابي الذي يوليه عاهلا البلدين الملك محمد السادس والملك حمد بن عيسى آل خليفة من إشراف مباشر على تواصل العملية التشاورية بينهما حول المستجدات الدولية والعربية والإسلامية، ومنها مواقفهما الداعمة للقضايا العربية وخصوصاً قضية فلسطين، والدور البارز الذي يضطلع به العاهل المغربي برئاسته للجنة القدس. هذا وقد تطور التنسيق بين البلدين على أعلى مستوى فيما بين وزارات خارجيتهما غداة إصدار قرار إحداث لجنة عليا مشتركة تواصل اجتماعاتها بشكل دوري، مما أسهم في مزيد من الانتعاشة في العلاقات الثنائية. ومعلوم أن البحرين تتبنى موقفا يؤيد سيادة المغرب الوطنية ووحدته الترابية على الصحراء المغربية وباقي المستعمرات في الشمال. ويعد من أوائل الدول العربية التي اعترفت باستقلال دولة البحرين في 15 أغسطس1971 وتبادل معها التمثيل الدبلوماسي في سنة 1988. ويواصل المغرب مناصرة الوحدة الترابية واستقلال مملكة البحرين، ولا سيما فيما يتعلق بالمزاعم الإيرانية، التي تعتبر البحرين محافظة تابعة لها. والحق أن جودة العلاقات السياسية بين البلدين، تقتضي بالضرورة ما يقابلها على مستوى العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية حتى تستقيم المعادلة، إلا أن واقع الحال لا يشي بذلك على الرغم من أن الملكة المغربية والبحرينية ترتبطان بأكثر من 40 اتفاقية وبروتوكول وبرنامج تنفيذي ومذكرة تفاهم ومحضر، يغطي مختلف مجالات التعاون الاقتصادية والتقنية والاجتماعية والثقافية، منها اتفاقية للتعاون القانوني والقضائي في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية واتفاق التعاون الاقتصادي والتقني واتفاقية بشأن تشجيع وحماية الاستثمارات واتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب من الضرائب بالنسبة للضرائب على الدخل ومذكرة تفاهم في المجالات الرياضية ومذكرة تفاهم في مجالات التنمية الاجتماعية... وإذا كان يُسجل تعاون قوي بين البلدين في القطاعات الاستراتيجية والأمنية كعلاقات التعاون العسكري الثنائي، إلا أن مردودية باق الاتفاقات لم ترق إلى مأمول الارتباط شعبي البلدين الشقيقين، وهو ما يستدعى طرح أسئلة منهجية منها: ماهي تحديات الارتقاء بجودة العلاقات التجارية والاقتصادية، وكيف يتم استثمار جودة العلاقات السياسية بين البلدين لتعزيز علاقات التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والتقنية التي تعد حصيلتها جد متواضعة، بحيث لم يتجاوز حجم المبادلات التجارية بين البلدين 378 مليون درهم إلى حدود دجنبر 2008، وهو رقم لا يعكس المستوى الرفيع للروابط المتينة والمتميزة التي تجمع بين البلدين. وهو ما استدعى بوزير خارجية البحرين إلى التأكيد على أنه رغم كون البلدين تمكنا من إرساء إطار قانوني غني ومتنوع للتعاون الثنائي في مختلف المجالات، فإننا نلمس أن التعاون بيننا في هذه المجالات لم يعرف بعد انطلاقته الجديرة به، مشيرا إلى أن حجم المبادلات التجارية لم يبلغ بعد المستوى المنشود على رغم النمو الملحوظ الذي عرفه خلال السنوات العشر الأخيرة، وإن سجل بعض الإنجازات المهمة على مستوى عدد من القطاعات من قبيل العدل والصناعة التقليدية والجماعات المحلية. إلا أنه وأمام هذا الواقع فإن البلدين يعملان على بحث وسائل جديدة لتعزيز التعاون بين البلدين وتطوير حجم التعاون الثنائي، من خلال وضع مشاريع الاتفاقيات والبروتوكولات والبرامج التنفيذية في المجالات ذات الاهتمام المشترك. والأكيد أن مؤشرات برزت بعد دعوة المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، أن البلدين تحدوهما رغبة قوية في تفعيل الاتفاقيات وبرتوكولات التعاون بين البلدين، ومنها ما يربط البحرين بالمغرب من اتفاقيات في مجال التعليم العالي كاتفاقية شراكة بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وأرشيف الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر بالبحرين، خلال أكتوبر 2008. كما يتابع عدد من الطلبة البحرينيين دراستهم بالمغرب، خاصة بشعب الدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية. أما على مستوى التعاون التقني، فقد مكنت زيارة وزير الإسكان البحريني للمغرب، خلال الفترة من 01 إلى 04 فبراير 2009، في إطار بحث سبل تطوير التعاون بين البلدين في مجالات الإسكان والتعمير والتنمية المجالية. ويشمل هذا التعاون كذلك مجالات التشريع والعدل والتشغيل. ومعلوم أيضا أن الطرفين قد اتفقا على تشجيع التعاون الاقتصادي والفني بينهما بإقامة المشاريع والشركات المختلطة للاستثمار بين رجال الأعمال والهيئات الاستثمارية في مختلف الميادين خاصة منها التجهيزية والصناعية والمعدنية والفلاحية والتجارية والسياحية والصيد البحري والثروة الحيوانية والخدمات. وبتشجيع الاتصالات المباشرة بين الهيئات الاقتصادية في كلا البلدين. وبالمساعدة وتسهيل زيارات رجال الأعمال إلى كلا البلدين. إلا أن مسار التعاون بين البلدين في السنتين الأخيرتين يبعث على التفاؤل، حيث يسعى البلدان إلى تنويع مجالات تعاونها في مختلف القطاعات، ومنها تنمية علاقاتهما الاقتصادية، عبر اتفاق التعاون الاقتصادي والتقني، واتفاقية بشأن تشجيع وحماية الاستثمارات، الموقعين بالرباط في 07 أبريل 2000، ومذكرة التفاهم في مجالات التنمية الاجتماعية التي وقعت في الرباط يوم 28 أبريل 2006. كما يشهد مجال الاستثمارات تطورا كبيرا بفضل إقبال الفاعلين الاقتصاديين بمملكة البحرين على الاستثمار بالمغرب في مجالي السكن الاجتماعي والسياحة. أما على المستوى التعاون الثقافي والعلمي والتقني، فإن البلدين يعملان على الرقي به عبر اتفاق تعاون ثنائي يشمل المجالات الثقافية والعلمية والإعلامية والشبابية والرياضية الموقع سنة بالرباط في 29 يوليوز 2000، إلا معالم تفعيل ذلك الاتفاق تبقى على غير المرغوب فيه، وهو ما يستدعي تفكير الطرفين في آليات جديدة لتحويل مثيل هذه الاتفاق إلى واقع معاش. *محلل سياسي [email protected]