إن مشروع التعددية السياسية بالمغرب رهين بمدى حرص مختلف الفاعلين على عملية الحفاظ وصيانة المشهد الحزبي من محاولات التشرذم والهدم والتأزيم ، وبمدى قدرة المقاربة القانونية على تأهيل مؤسسة الحزب وتقوية وظائفه التقليدية، فالأحزاب بالشكل الذي تشتغل به حاليا ، يجعلها تتحول وتتطور تطورا سلبيا تحيد به عن الواجب الأصلي المحدد دستوريا( الفصل السابع من دستور 2011 )، بل وتنزلق بعضها عن كونها مدارس حزبية عريقة الى دكاكين انتخابية لا تفتح أبوابها إلا موسميا إما للظرفية او تحت الطلب .وعليه فقد شكلت خطوة إصدار القانون رقم 36.04 المتعلق بالأحزاب السياسية بهدف تأهيل وتقنين المشهد الحزبي بمختلف خلفيات تأسيسه ، فرصة للوقوف عند الآفات المتعددة المرتبطة بالممارسة الحزبية بالمغرب، وطبيعة التدابير التي جاء بها القانون من أجل تجاوزها في أفق عقلنة الفعل الحزبي على ضوء قواعد الحكامة الحزبية في المستويات التالية: • مستوى بناء الديمقراطية الداخلية للأحزاب : والتي لطالما شكلت مطلبا لمناضلي الأحزاب، ودلك من خلال إدراج مبدأ المشاركة القوية لجميع الأعضاء في إدارة مختلف الأجهزة من خلال تحديد الضوابط والمعايير المقررة أصلا والمنظمة بمقتضى المادة 21 المنصوص عليها في القانون، بحيث حسب هده المادة قد تم التخلي عن أسلوب التعيين، وسن أسلوب الاقتراع أي بمعنى أصبحت مسؤولية التسيير واختيار المسؤولين خاضعة لتقنية الانتخاب، لكن هده المادة تتناقض ومضمون المادة 22 من القانون التي تطرح مسألة الكوطا من خلال تخصيص نسبة للشباب والنساء الواجب إشراكهم في الأجهزة المسيرة، وهذا يثير إشكالية تتعلق بالفصل الخامس والفصل الثامن والفصل 12 من دستور 96 والفصل 19من دستور 2011 التي تقول بسواسية جميع المغاربة أمام القانون، وفي الحقوق السياسية، بالإضافة إلى المادة 24 من القانون رقم 36.04 المتعلق بتنظيم الأحزاب، والتي دعمت مبدأ التمثيل الشعبي للانتخابات القائم على الديمقراطية، حيث نصت:" يجب أن تكون طريقة اختيار مرشحي الحزب لمختلف الاستشارات الانتخابية مبنية على مبادئ ديمقراطية". • على مستوى إرساء قواعد التدبير الشفاف والفعال لمالية الأحزاب ، حيث نظمت هده العملية المواد على التوالي من المادة 28 إلى المادة 40 من قانون الأحزاب، حيث حددت موارد الحزب في واجبات الانخراط التي تحصل عليها الأحزاب من خلال أنشطتها الاجتماعية والثقافية،إلى جانب اعتمادات الدولة ، وفي جانب رصد فعالية التدبير المالي للحزب ألزم القانون بضرورة وجود مسك للحسابات المالية للحزب، يضم جردا كاملا لأملاك الحزب المنقولة منها والعقارية ، ودلك بهدف عقلنة المصاريف وترشيد النفقات بشكل يمنع التلاعبات والاختلاسات، بالإضافة إلى إخضاع مالية الحزب لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات (المادة 37)، فالسلوك السياسي الذي قام به حزب العدالة والتنمية من خلال إرجاع مبلغ ملياري سنتيم من أصل 54 مليون درهم كانت مخصصة كدعم للحزب في انتخابات 25 نونبر هي رسالة في اتجاه إرساء قواعد الشفافية والنزاهة على مستوى التدبير المالي للحزب وتعميق قيمة المواطنة في صفوف البنية التنظيمية للأحزاب من أجل إعادة بناء الثقة بين هذه الأخيرة والدولة على أسس المردودية والفعالية والمسؤولية وتقوية نموذج الحزب الدمقراطي وليس السلطوي أو المقاولة الحزبية وليس الانتخابية . • على مستوى صيانة التعددية الحزبية والحد من البلقنة : فالحزب السياسي يصبح مؤسسا إذا احترم مقتضيات المواد من17 الى19 من نفس القانون، بحيث يجب على كل حزب أن يتوفر على قانون أساسي وآخر داخلي تنظيمي (المادة20)، بالإضافة إلى المادة الخامسة المتعلقة بتنظيم مسالة الترحال التي أصبحت مقيدة بنص القانون":...غير انه لا يمكن لشخص يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم،أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه". بالإضافة إلى تنظيمه لمسالة التحالفات في باب مستقل من المادة 41 الى 49 من القانون، بحيث ان تحقيق التعددية الحزبية رهينة ولا شك بحسن استخدام هده المواد. لكن الى أي حد استطاعت المقاربة القانونية أن تساهم في تأهيل وحكامة المشهد الحزبي المغربي؟ خصوصا وأن السلوك الحزبي لا زالت تشده ممارسات تحيل على نماذج ثاوية في المخيال الاجتماعي والرمزي في الثقافة السياسية للمجتمع المغربي وفي الممارسة الحزبية بالمغرب والتي تتمظهر من خلال العديد من التقابلات والثنائيات المتناقضة ( الشيخ والمريد ) و(الزاوية والحزب) والتي توحي باستمرار جدلية الحداثة والتقليد داخل الحقل الحزبي من خلال ثلاثة مؤشرات أساسية : • نمط العلاقات التنظيمية السائد داخل مؤسسة الحزب: والمرتبط أساسا بمنطق المحافظة على شبكة العلاقات والمصالح والولاءات الشخصية والقرابية داخل البنيات التنظيمية للحزب، من خلال الاستعمال المفرط والمستمر لنموذج الشيخ والمريد بما يتيحه من سلوكات التأبيد لمنصب الأمين العام /الشيخ تحت ذريعة الكاريزماتية أو الزعامة أو البركة السياسية ومستقبل الحزب أو المشروع وخصوصا في بعض اللحظات الوجدانية أو النفسية أو "الجذبة" أو بعض الشطحات هنا وهناك والتي قد يصل فيها الشيخ/ الأمين العام إلى درجة الحلول أو المكاشفة بالتعبير الصوفي يظن فيها أن هو من يملك أو يرث المشروع أو الحزب ويعرف ( مقام العرفان) مصلحة الحزب وبالتالي وجب بالضرورة وفي هذه الحالة تكييف وإخضاع مؤسسة الحزب وهياكله لتوجيهات وتوجهات سلطوية فوق إرادة الحزب ، خصوصا فيما يتعلق بمسطرة انتخاب الأمين العام التي قد تحيل على منطق تحكمي وتوجيهي لا يحترم إرادة العضو الناخب الحرة والمباشرة في اختياره للامين العام الذي يريد ، بشكل يضعف سلطة القناة الديمقراطية أو تتجاوز رصيدها كآلية لإفراز وتجديد ودوران النخب داخل مؤسسة الحزب. • وظيفة الحزب : إن حالتي النكوص التنظيمي والالتباس الأيديولوجي التي أصبحت تعيشها غالبية الأحزاب السياسية المغربية تعود بالأساس إلى تراجع هده الأخيرة عن القيام بوظائفها التقليدية المرتبطة بالتأطير والتمثيلية والتنشئة السياسية، بشكل ساهم في ارتفاع نسب العزوف الانتخابي والسياسي، و بعد أو إبعاد المواطن عن المشاركة في كل ما هو سياسي أو انتخابي يرتبط بنوعية وطبيعة السلوك السياسي للمناضلين أو الذين لهم مسؤوليات عمومية في علاقتهم بهموم المواطنين اليومية والإنصات إلى معاناتهم والمساهمة في التخفيف عنهم، وكدا في علاقتهم بأخلاقيات العمل السياسي التي تفترض المصداقية والتزام المسؤولية في الخطاب والممارسة والقدرة الإنجازية على مستوى التخطيط والتنفيذ وتدبير المخاطر والتهديدات في تسيير الشأن العام. • البراغماتية السياسية للحزب : والتي ترتبط أساسا بالسلوك السياسي للحزب اتجاه الأحداث الجارية والتحولات السياسية( حركة الربيع العربي نموذجا)، والتي قد يتفاعل معها الحزب لكن بالشكل الذي يخدم خطه السياسي والأيديولوجي أولا و أخيرا مهما بلغت درجة راديكاليته على مستوى الشعارات المرفوعة والتي لن تصل درجة الدعم أو الإسناد الكلي لهذه الحركة أو تلك مهما كانت خلفياتها وطروحاتها، المهم أن يستفيذ الحزب براغماتيا (موقع المعارضة) من أجل توسيع دائرة المطالب والمكاسب ( موقع التدبير وليس السلطة) خلال لحظة التفاوض السياسي التي تحكم سلوك الحزب عند كل استحقاق انتخابي. *باحث في القانون العام سلك الدكتوراه وحدة الإدارة والتنمية بكلية الحقوق بطنجة عضو الكتابة المحلية بحزب العدالة والتنمية بني ملال