انحبست أنفاس المغاربة مثل باقي مواطني العالم، وهم يشاهدون طائرات مدنية تخترق البرجين التوأمين بالعاصمة الاقتصادية العالمية "نيويورك" قبل ظهر يوم 11 شتنبر 2001. وعاد المغاربة ليهتزوا منتصف شهر ماي من السنة الموالية (2002)، حين أعلنت السلطات الأمنية المغربية عن اعتقال ثلاثة سعوديين وزوجاتهم وأربعة مغاربة، بتهمة انتمائهم إلى خلية نائمة تابعة لتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، وأكدت بلاغات وزارة الداخلية والعدل حينها أن هذه الخلية كانت تحضر لارتكاب أعمال إرهابية داخل البلاد وخارجه انطلاقا من سبتة ومليلية ضد سفن غربية تمر عبر مضيق جبل طارق، وأن متهميها الرئيسيين، في إشارة إلى المواطنين السعوديين الثلاثة، قاموا برحلات استطلاعية إلى مدن سبتة ومليلية بالشمال للمعاينة والاستعلام عن القوارب الصغيرة التي ستوظف في العمليات. وتوصلت الأبحاث الأمنية إلى وجود أفراد يعملون في الخفاء ويتخذون الأحياء المهمشة للمدن المغربية نقطا إستراتيجية لتطبيق مخططاتهم، ومنها تفجير حافلات ستيام بمراكش ومقهى يرتاده السياح الأجانب في ساحة جامع الفنا، وضرب البواخر البريطانية والأمريكية التي تعبر مضيق جبل طارق بواسطة قوارب مطاطية .وقد تبين أن أفراد الخلية النائمة، سبق أن شاركوا في الحرب بأفغانستان التي دارت بين حلف الشمال والطالبان، ومنذ سنة 2000 بداوا يترددون على المغرب وربطوا علاقات مع عدة أشخاص مغاربة. "" وأثناء المحاكمة انخفض ضغط الدم الذي أصيب به الجميع، وتوصل المتهمون إلى كسب انتباه وسائل الإعلام، التي شرعت في نشر نداءات عائلات المتهمين وبياناتها واستنكاراتها لتضخيم الملف، كما أن الدبلوماسية السعودية لعبت دورا خفيا لإنهاء هذه القضية بأقل "الخسائر"، وكان لها ذلك. واستمر شبح الإرهاب، ليعيش المغاربة سيناريوهات جديدة خلال سنة 2002، حين اكتُشف وجود خلايا محلية تقتل وتمثل بالجثث باسم "النهي عن المنكر والأمر بالمعروف". واستمر مسلسل تفكيك هذا النوع من الخلايا، إلى أن انحبست من جديد الأنفاس ليلة الجمعة 16 ماي 2003، فقد وقعت التفجيرات في الدارالبيضاء، وأن منفذيها انتحاريون مغاربة متحدرون من الأحياء الهامشية للعاصمة الاقتصادية. وقد نسب التخطيط لهذا العمل الإجرامي إلى مغاربة نسقوا مع تنظيمات إرهابية خارجية تمثلت أساسا للجماعة المغربية الإسلامية المقاتلة. ولم تتوقف عمليات تفكيك خلية هنا وهناك، حتى أن تفكيك إحداها، في إشارة إلى خلية "أنصار المهدي" تعقبتها تغييرات شملت مسؤولين عسكريين وأمنيين. والمسجل من خلال مجموعة من المعطيات المستقاة من نتائج أبحاث السلطات القضائية والأمنية، التي تبقى في كل الأحوال مسؤولة أمام القانون والمجتمع والتاريخ على نتائج أبحاثها في مجموعة من القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب، فالمسجل إذن هو أن الانتحاريين الذين نفذوا عمليات 16 ماي، أو الذين فجروا أنفسهم بحي الفرح وسيدي مومن وشارع مولاي يوسف بالقرب من القنصلية الأمريكية، أو الذين اعتقلوا في ما بعد لعلاقتهم بهؤلاء الانتحاريين، محدودو الدخل ودون المستوى في المستوى الدراسي. والأهم من هذا أن مجموع الخلايا التي فُككت بالمغرب لم تتمكن من الحصول على التمويل الكافي للتخطيط لعملياتها الإرهابية، ولم تكن تربطها علاقات مادية مباشرة مع تنظيمات إرهابية دولية. ويبقى الحصول على التمويل الكافي بالنسبة إلى الإرهابيين هم أولى من الانتقال إلى مرحلة استقطاب أتباع ومشروع انتحاريين. وعلاقة بهم تمويل العمليات الإرهابية فقد أجمعت آراء الخبراء والأمنيين حول أن العمليات الإرهابية تتطلب كثيرا من الأموال، ما يفسر أن الخلايا تلجأ إلى جميع الطرق للحصول عليها، وتذهب إلى الاستعانة بشبكات اللصوصية الكبرى، وشبكات تهريب المخدرات والتهجير غير الشرعي، وغيرها. واستنادا إلى الآراء نفسها، فإنه سواء تعلق الأمر بعمليات إرهابية كبيرة أو بانقلابات, وهذا الرأي ذهب اليه خبير من مركز التحليل والوقاية من الأخطار الدولية, "جوزيف هينروتين", أوردته القناة في ربورتاج بثته في نشرتها الإخبارية المسائية ليوم الأربعاء الماضي, كما أفادت بذلك وكالة المغرب العربي للأبناء. وأوضح الخبير نفسه أنه من البديهي أن "أفضل طريقة لجمع تلك الأموال بسرعة وبكمية كبيرة تتمثل في المرور عبر شبكات اللصوصية", مشيرا إلى أن هذه الأخيرة "قد تحتاج للحصول على الحماية لدى عدد من الأشخاص المنتمين للأوساط الإرهابية". وقد أدلى هذا الخبير برأيه إثر تفكيك السلطات الأمنية لشبكة إرهابية كبيرة، يرأسها المغربي "عبد القادر بلعيرج"، المقيم في بلجيكا، خاصة أن هذا الأخير خطط بتنسيق مع لصوص كبار أوروبيين للسطو على المقر المركزي لمؤسسة (برينكس) البنكية بلوكسومبورغ سنة 2000، وأنه نفذ ستة اغتيالات في بلجيكا بين 1986 و1989، كما صرح بذلك شكيب بنموسى، وزير الداخلية المغربي، مشيرا إلى أن القضاء البلجيكي لم يتوصل إلى كشف ملابسات جرائم القتل هذه حتى الآن. إعلان السلطات المغربية يوم الاثنين الماضي عن تفكيك شبكة إرهابية ضمت سياسيين وصيادلة وأساتذة ومهاجرين وتجار كبار، وأن هذه الشبكة استثمرت أمولا طائلة مسروقة من بنك بلجيكي، في العقار والمحلات السياحية وتتوفر على مورد هام من عائدات بيع المجوهرات، وحُجزت بمعيتها ترسانة من الأسلحة والذخيرة، كل هذا شكل صدمة واندهاش وحيرة وتساؤلات ورعبا لدى المغاربة. فالمعطيات الرسمية المتوافرة حاليا حول هذه الشبكة وأهدافها وظروف تأسيس خلاياها السياسية والعسكرية، والعمليات التي نفذتها والأخرى التي كانت تنوي تنفيذها، تؤكد أن السلطات المغربية اكتشفت انقلابا حدث في مفهوم الإرهاب ووسائله وطرق تنفيذه. ذلك أن عناصر الشبكة ليسوا انتحاريين لا يهمهم تنفيذ العملية دون معاينة نتائجها، أو أنهم يختبئون هنا أو هناك وبمجرد ما يُكتشف أمرهم يفجرون أنفسهم، بل إن أعضاء الشبكة الجديدة خططوا للعمل الاستراتيجي، كما تقول الرواية الرسمية المستندة إلى تحقيقات السلطات الأمنية المختصة، وأن بعض هؤلاء يشتغلون في العمل السياسي الواضح، وآخرون يمارسون تجارتهم بشكل عاد، ومجموعة أخرى تسير المشاريع السياحية أو العقارية، وأنهم ينسقون ويخططون لتنفيذ الاغتيالات والتفجيرات والهجوم بالأسلحة النارية. شبكة من هذا القبيل لن تنقصها القدرة على التنسيق الفعلي والمباشر مع جهات دولية عملها الإرهاب والتخطيط لزرع الفوضى في أي بلد باسم الدين تارة وباسم محاربة "الشيطان الأكبر" (أمريكا) أو "الأصغر" (إسرائيل). ويبقى السؤال المحير لصالح من تريد هذه "الشبكة المغربية الغريبة" قتل الأبرياء وزعزعة استقرار المغرب؟ بقلم: الحسين يزي / جريدة الصباحية