وأنتِ بين أضراس "كوفيد"، تفكرين طويلا بسبب رتابة الوقت وضجره وثقله، في كل الأذى الذي لحق بك بسبب هشاشة الروح التي تنزوي في جسدك كغيمة في سماء. لقد ولدتِ فقط بدمعة في الجفن، وبيدين فارغتين، ودم مصفى لا تعكره الأوبئة. ها أنت ترين الآن كم هي تافهة كل الأشياء والأحلام والمواعد والآلام، تفاهة الآلام تصبح الآن أكثر انسجاما مع قناعاتك، لا شيء يستحق. إنها أم الحقائق: لا شيء يستحق. كل شيء قابل للاندثار في كل لحظة، تلك الطموحات الكبيرة في الانخراط حبا في وطن وثاب يقفز نحو الأمام بخجل. رغائبك العليا في أن تحَولي العالم إلى مدينة فاضلة، محباتك التي بلا حدود، تُوزعينها عناقات وكلمات فرح وتشجيع على الأمل، قصائدك التي تدَّعين في كل سقطة أنها تنقذك من الزوال، ها الكوفيد اللعين أقوى من كل زوال بل هو الزوال. قناعاتك بأن العمر ما يزال طويلا كنهر المسيسيبي، وبأنك ستنتصرين فيه على كل من عبث برسائل روحك... روحك التي من زجاج. لقد رأيتِهِم يتساقطون تِباعا، أحبة ورفاقا وأصحاب فضل وذوي كرامات ماتوا الواحد تلو الآخر. سحَبهم الكوفيد من أكتافهم وأسقطهم في الرحى.. هل آن أوانك؟ أعلم كم كنت حاسمة وأنت تقررين اللهو بالعمر، وكم طوحَتْ بكِ تلك الزوبعة في الجسد إلى صحاري الجنون، وكم لا يخيفك أن تبقي وحيدة ولكن حُرة من كل زيف، وكم أنتِ في كل الغرفِ واحدة لا تشبهُ إلا الرياح. أعرف كم التقطتِ من سيلفي مع الحياة، وكم من جذر لك في هواء الحب. غير أنكِ بقيتِ مرارا معلقة بين غيمتينِ يا هذه، حتى جاء هذا الوباء اللعين وعلق لك مرآة في سقف غرفة المشفى، فرأيتِ وجهكِ الشاحب ورأيتِ أعمارك المتتالية كأنكِ كنتِ قطة بسبعِ أرواح. يا لك من خائفة، أحدس الآن أن كل ما تبقى منك هو خوف، مجرد خوف من ألا تستيقظي في الشمس القادمة على صخب الحياة، هذه الحياة التي ما أبعدها الآن.. وقد كنتِ تزهدين فيها مرارا من فرط ما طعن الغُزاة ظهرك. ماذا سيحدث غدا؟ لا شيء. سيتوقف العداد وستمضي كل الساعات إلى زمن مفقود وسيتحول الكون إلى صفير لا شيء.