نقاشٌ واسعٌ تشهده السّاحة الفرنسية عقب إعلان السّلطات بدء تفعيل خطّة محاربة "الانفصالية الإسلامية" ومحاربة "التّمويلات المشبوهة" الموجّهة إلى المساجد والأئمّة، إذ أعطت وزارة الدّاخلية الضّوء الأخضر للسّلطات لتنزيل "خطّة ماكرون" حول "العلمانية وتدبير الإسلام في بلاد الأنوار". وفي خضمّ هذا النّقاش المحموم حول وضع المسلمين في فرنسا وتصاعد خطابات التّمييز والعنف ضدّ الجماعات الدّينية، مازال مشكل تمويل المساجد يطرح تحدّيات كبيرة للسّلطات الرّسمية، بحيث يصرّ الجانب الفرنسي على مراقبة كلّ المرافق الدّينية لتحديد توجّهاتها وخطاباتها وحدود أنشطتها. في مونبلييه الفرنسية، رفضت السّلطات المحلية بيع أكبر مسجد في المدينة للمغرب؛ ويتعلّق الأمر بمسجد Averroès de la Paillade، وتخطّط الجمعية التي تديره لعرضه للبيع، غير أنّ السّلطات المحلية تدخّلت في آخر لحظة لمنع وقوعه تحت تأثير قوة أجنبية. وبينما ستناقش الحكومة الفرنسية، غدا الأربعاء، مشروع قانون "تعزيز المبادئ الجمهورية"، الذي يهدف إلى محاربة ما وصفتها السلطة التنفيذية ب"الانفصالية"، يثير موضوع مسجد مونبيلييه الكثير من الجدل حول ما تسميّه الأوساط الفرنسية "احتمال استيلاء المغرب على مسجد فرنسي". ومن خلال وثيقة إدراية من بلدية مونبلييه اطلعت عليها إذاعة "أوروبا1"، تريد الجمعية التي تدير أكبر مسجد في المدينة الفرنسية بيع المرفق لصالح مؤسّسة مغربية، بينما يرفض العمدة الاشتراكي ميخائيل ديلافوس رفضا قاطعا هذا الأمر، قائلا: "إذا تركنا دولاً أجنبية تمول دور العبادة فإن الأديان توضع تحت تأثير هذه الدول". وكان عدد من المسلمين في مونبلييه اقتنوا هذا المبنى الذي تحوّل إلى مسجد مقابل 1.2 مليون أورو. لكن الجمعية المحلية التي تديره اليوم لم تعد تملك الوسائل لمواصلة عملها وتمويل توسّعها، ولهذا طلبت من اتحاد مساجد فرنسا (UMF)، وهو اتحاد ديني قريب من المملكة، أن يتدخّل. ويوجد في فرنسا 2500 مسجد، حوالي 30٪ منها يتم تمويلها من قبل دول أجنبية. والمساهمون الرئيسيون هم المغرب والجزائروتركيا. وعلى سبيل المثال، تلقى مسجد ستراسبورغ (Bas-Rhin) تمويلًا من المغرب، وكذلك من المملكة العربية السعودية. وتستخدم هذه الأموال بشكل أساسي لدفع أجور الأئمة الذين أتوا مباشرة من البلدان المساهمة. وفي فرنسا، تم استقبال 30 إماما من المغرب، و120 من الجزائر، و151 من تركيا. ومازالت تبرعات المؤمنين في فرنسا تشكل ثلاثة أرباع تمويل المساجد. وبعد شهور من التّردد، بدأت السّلطات الفرنسية تنزيل مشروع تدبير "أزمة الإسلام" في الجمهورية، بإطلاق إجراءات غير مسبوقة لمحاصرة "الانفصالية الإسلامية" والجماعات الرّاديكالية، بحيث تقرّر إغلاق عشرات المساجد في مناطق مختلفة من التراب الفرنسي.