لا يخفي كثيرون تفاؤلهم إزاء تطور العلاقات بين المغرب وموريتانيا بشكل متسارع مستقبلا، بعد الإشارات الإيجابية التي عبر عنها قائدا البلدين، خصوصا أن الظروف الإقليمية والدولية الراهنة أصبحت تفرض التنسيق والتعاون لمواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية واستراتيجية مشتركة. ويرى إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية، في مقال له حول رهانات التعاون بين البلدين، أن ثمّة الكثير من المقومات التي تدعم إرساء تعاون متين بين البلدين، "فالأمر يتعلق ببلدين مغاربيين، تجمعهما اللغة والدين والتاريخ الحضاري المشترك، علاوة على الجوار الجغرافي، والموقع الاستراتيجي الذي يحظيان به، إضافة إلى العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تجمع الشعبين، ناهيك عن الثروات الطبيعية والاقتصادية والبشرية المتوافرة، والتي تمثل أساسا متينا لنسج علاقات نموذجية ومربحة بالنسبة للطرفين في إطار التعاون جنوب- جنوب". وهذا نص المقال: أعادت الأحداث الخطيرة التي شهدها معبر الكركرات الرابط بين الصحراء المغربية وموريتانيا، بعد إقدام عناصر تابعة لجبهة البوليساريو على عرقلة حركة نقل الأشخاص والبضائع عبره، مستقبل العلاقات المغربية - الموريتانية إلى واجهة النقاشات السياسية والأكاديمية داخل البلدين، خاصة بعد الاتصال الهاتفي الذي تم بين الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي تم التأكيد خلاله على الارتياح إزاء التطور المتسارع لعلاقات التعاون بين البلدين، والتعبير عن الرغبة في تطويرها، بصورة تعمّق وتوسّع هذه العلاقات في مختلف المجالات والميادين، فيما عبر الملك محمد السادس عن استعداده للقيام بزيارة لهذا البلد المغاربي، ودعا الرئيس الموريتاني إلى زيارة مماثلة للمملكة المغربية. ولا يخفي الكثير من المراقبين تفاؤلهم إزاء تطور العلاقات بين الجانبين بشكل متسارع مستقبلا، بعد الإشارات الإيجابية التي عبر عنها قائدا البلدين، خاصة أن الظروف الإقليمية والدولية الراهنة أصبحت تفرض التنسيق والتعاون لمواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية واستراتيجية مشتركة. وتشير الكثير من التقارير والدراسات العلمية إلى تزايد المخاطر التي تهدّد منطقة الساحل الإفريقي، والتي تلقي بتداعياتها وتأثيراتها المختلفة على البلدين، سواء ما تعلّق منها بنشاط شبكات التهريب والجماعات المسلحة وإشكالات الهجرة السرية..، أو تلك التي تنتعش على ضعف الروابط الاقتصادية والتجارية بين دول المنطقة، وعلى هشاشة الأوضاع في عدد من دول الساحل والصحراء. ثمّة الكثير من المقومات التي تدعم إرساء تعاون متين بين البلدين، فالأمر يتعلق ببلدين مغاربيين، تجمعهما اللغة والدين والتاريخ الحضاري المشترك، علاوة على الجوار الجغرافي، والموقع الاستراتيجي الذي يحظيان به، إضافة إلى العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تجمع الشعبين، ناهيك عن الثروات الطبيعية والاقتصادية والبشرية المتوافرة، والتي تمثل أساسا متينا لنسج علاقات نموذجية ومربحة بالنسبة للطرفين في إطار التعاون جنوب- جنوب. ويبدو أن هناك الكثير من الفرص التي يوفرها هذا التعاون، فالتجارب الدولية الحديثة تبرز، بما لا مجال للشك فيه، أن التنسيق بين البلدان المتجاورة هو مدخل أساسي لتحقيق التقدم والتطور إذا ما دعّمته علاقات اقتصادية متينة. كما أن التحولات الكبرى التي شهدها العالم في العقود الأخيرة أصبحت تفرض إقامة شراكات، حيث أضحت الكلمة الفصل في عالم اليوم للتكتلات الكبرى. ويشكل بناء علاقات استراتيجية بين الطرفين أساسا يمكنه المساهمة في تذليل العقبات القائمة أمام تفعيل الاتحاد المغاربي، وتجاوز حالة الجمود التي تطبع العلاقات بين بلدان المنطقة بشكل عام، وما يرافقها من هدر لكثير من الفرص على مختلف الواجهات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. ومن شأن تحقق هذا الرهان، وما يفرزه من مكتسبات، أن يحفز أيضا الكثير من الدول المغاربية والعربية على إعادة التجربة، بإرساء علاقات بينية مبنية على تشبيك المصالح، مما سيوفر شروطا إيجابية لتجاوز حالة التفرقة القائمة في المنطقة، فالتعاون والتنسيق في هذا السياق لم يعد ترفا، بقدر ما أضحى ضرورة ملحة تمليها المتغيرات الدولية الراهنة بكل تحدياتها وإكراهاتها. وعموما، يكتسي إرساء التعاون والشراكة بين البلدين أهمية كبرى، بالنظر إلى ما سيسفر عنه ذلك من مكاسب للجانبين، تدعم تحقيق التنمية، وإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، بصور تضيق الخناق على شبكات التهريب والجماعات المسلحة. إن تطوير العلاقات المغربية – الموريتانية لا يتوقف على دور الفاعل الرسمي فقط، فالأمر يظلّ أيضا بحاجة إلى انخراط عدد من الفعاليات المجتمعية، ويمكن للمجتمع المدني أن يساهم بشكل كبير في توفير المناخ الإيجابي لكسب هذا الرهان، من خلال تشبيك العلاقات بين قنواته داخل البلدين، وتعزيز التواصل بين الشعبين. كما لا تخفى الأهمية التي يمكن أن يستأثر بها الإعلام على مستوى الانخراط البناء في تعزيز هذا التقارب، والتحسيس بأهمية التعاون والتنسيق بين البلدين في مختلف المجالات، ونفس الأمر ينطبق على الأحزاب السياسية التي يمكن أن تستحضر هذا الرهان ضمن مرافعاتها وأولوياتها. ويمكن أيضا للجامعات ومراكز البحث العلمي والجماعات الترابية في البلدين، من خلال إرسائها لشراكات اتفاقيات تعاون، أن تساهم بنصيب مهم في دعم هذا الشأن. ويرى الكثير من الخبراء الاقتصاديين أن إلغاء التأشيرة بين البلدين، وإعطاء دينامية استثمارية وتنموية للمناطق الحدودية، وإرساء مناطق للتبادل الحر بها، علاوة على مدّ الطرق والسكك الحديدية بين الحدود، سيوفّر سبل تعزيز هذه العلاقات، ويسهم في بلورة رؤية مشتركة وواضحة للعلاقات بين البلدين. إن مضيّ المغرب وموريتانيا قدما نحو تعزيز علاقاتهما على مختلف الواجهات سيسمح بتشجيع الاستثمارات، وبإرساء شراكة متينة وواعدة بين الجانبين. وعلى المستويين الدولي والإقليمي، يمكن لذلك أن يوفر لهما توحيد الرؤى بصدد عدد من الملفات والقضايا المشتركة إقليميا ودوليا، وفرصا للاستئثار بأدوار وازنة داخل العمق الإفريقي الزاخر بعدد من الإمكانيات الاقتصادية والاستراتيجية، ويمكن للطرفين العمل في هذا السياق. كما سيتيح الأمر كسب رهانات الاستقرار والأمن في المنطقة، ويدعم أيضا إرساء قدر من التوازن فيما يتعلق بمخاطبة القوى الإقليمية والدولية على المستويات الاقتصادية والاستراتيجية كما هو الأمر بالنسبة لدول الاتحاد الأوربي بصدد اتفاقيات الصيد البحري وقضايا الهجرة. *أستاذ العلاقات الدولية ورئيس منظمة العمل المغاربي