إلى والدتي العزيزة، إسمك "زهرة" فماذا أهديك في 8 مارس ؟ عثر فيلسوف قديم على امرأة مشنوقة في غصن شجرة، فقال"يا ليت كل الأشجار تحمل مثل هذه الثمار "، يشبه هذا الفيلسوف بعض الذين يحملون ورودا للنساء في عيدهن العالمي، وبعد ذلك ينسون هذه الفئة من المجتمع إلى العام المقبل لإهدائها "مشموم ديال الورد"، أو علبة شوكولاته، أو قارورة عطر. وهي الالتفاتة أو "لوجيست" الذي ستقوم به اليوم بعض الإدارات العمومية أو شركات القطاع الخاص، التي يهضم أغلبها يهضم حقوق المرأة طيلة العام، ويحتفل بها في 8 مارس، وتشبه هذه المؤسسات كثيرا ذلك الرجل (أو بالأحرى ذلك الذكر ، لأن الرجولة صفة وأخلاق عالية، وليست أعضاء تناسلية)، الذي يلتمس من زوجته أن تمنحه كل ليلة قُبلة، على الخد الذي أشبعه صفعا طيلة النهار، والذي يشبهه أيضا بعض رجال السياسة الذين خذل بعضهم النساء في أول اختبار بعد "عراك" شعبي شاركت فيه المرأة بكل روح نضالية وقتالية إلى جانب شقيقها الرجل، فقد شاركت في المظاهرات وحضرت المهرجانات وشغلت المادة الرمادية في دماغها لوضع مذكرات لتعديل الدستور، لتفاجأ بعد إزاحة الستار بتشكيلة حكومية لا تضم سوى وزيرة وحيدة. وهكذا، تستقبل نساء المغرب 8 مارس من هذا العام، بطعم الحيف الذي لحقهن، بل ذهبت بعضهن إلى إعلان سنة 2012 نكسة في تاريخ دور المرأة المغربية في السياسة. وبدأت حركات احتجاجية من داخل البرلمان وخارجه، تتوعد رئيس الحكومة، عبد الإله ابن كيران، الذي خذله حلفاؤه الرجال (الشلاغمية) الذين لم يرشحوا أي سيدة أو آنسة لتحمل حقيبة في الحكومة الجديدة، ربما اعتقادا منهم أن للنساء حقائبهن اليدوية التي يضعن فيها أسرارهن، ولا حاجة لهن بحقيبة إضافية، لكن يبدو من تصريحات رئيس الحكومة، أنه كان يرغب في قراره نفسه أن تضم حكومته أزيد من وزيرة، فالرجل (أقصد بنكيران) يقدر المرأة كثيرا، ربما من باب المزاح، لأنه يعرف جيدا معاني المثل المغربي "ديرها فالرجال ونساها، وديرها فالنسا وماتنساها"، أو بالأحرى يقدر جيدا دور المرأة في حياة المجتمع، ولعل هذا ما جعله يفاجئ حفلا لتكريم بعض النساء بمسرح محمد الخامس مساء الثلاثاء 6 مارس الجاري، ليشاركهن رفقة زوجته نبيلة، فرحتهن في لحظة تكريم بمسارات نسائية في دورته الثانية، ووجد الفرصة مواتية لاطلاق قفشاته المعتادة، كقوله بعدما طلبوا منه تسليم درع التكريم لفاطمة البارودي "ياك أنا جيت غير نتفرج". بنكيران، سبق له أن وعد النساء بتصحيح الوضع في المستقبل القريب، وخاطبهن في مجلس النواب بقوله "إنكن تعرفن بأنني صادق". ينبغي الاعتراف على أن النساء بمختلف حساسياتهن السياسية، شعرن بغير قليل من الارتياح بعد هذا الخطاب، بالقدر الذي شعرن بالسخط عقب الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة، ودار في صالوناتهن أنه لا يمكن للمرأة أن تسكت على الوضع بعد نضال طويل ومرافعات من أجل المناصفة، وكانت خيبة أملهن في أحزابهن واضحة، ما عدا نساء العدالة والتنمية اللواتي قبلن بالديمقراطية الداخلية في اختيار وزراء ووزيرات الحزب، أما الأخريات في أحزاب التحالف، يقول صديقي سعيد مازحا " سيكون كيدهن"عظيما"، ويرد على نفسه "الله يحفظ وصافي. ويبدو من خلال تصريحاتهن، أن عملية شحذ همم بنات جنسهن وتنظيم الصفوف، انطلقت من جديد ، نتمنى أن تكون في طريق النضال الطويل على درب ترسيخ وجود المرأة في مراكز صنع القرار، لتفادي التعرض لنكسات أخرى. النساء سيرفعن شعار "النساء قادمون"، مع الاعتذار للسيناريست المصري عاطف بشاى، الذي كتب ثلاثية عمل تلفزيوني بنفس العنوان الذي رغم أن عبارته خاطئة لغويا، لأن الصحيح هو جمع المؤنث السالم " النساء قادمات"، ولكنه قصد أن يضعها بجمع مذكر لغرض في نفسه لا يخفى على فطنة القارئ. فعلا "النساء قادمون" ففي المظاهرات التي شهدها العالم العربي والغربي أيضا، خرجت ملايين النساء يرددن العبارة الشهيرة "ارحل"، في تونس، واليمن، ومصر وليبيا. ولقد تابعنا بأعيننا التي سيأكلها الدود والتراب، نساء يتعرضن للضرب على كل أجزاء أجسامهن، ونساء تطحنهن سيارات البوليس، وكم من امرأة خرجت من تلك المظاهرات مشوهة، محطمة الأضلع، لكنها مرفوعة الرأس، وكم من امرأة ظلمت السلطة ابنها أو زوجها وتشردت أسرتها لكنها ظلت شجاعة تدعو الله أن يأخذ لها حقها من الظالمين؟ ووسط هؤلاء النساء، تقف المرأة المغربية شامخة لتزرع هي الأخرى ورودا في الربيع الديمقراطي، كما زرعتها سابقا جداتنا وأمهاتنا خلال فترة الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب، وأيضا في سنوات الرصاص، ليصنعن فرحة هذا الوطن. خرجت المرأة المغربية في حراك 20 فبراير، وقبلها خرجت المرأة الكيشية في 2007، وشاركت المرأة من قرى وجبال الأطلس في مسيرات على الأقدام نحو الرباط، وخرجت المرأة السلالية تطالب بحقها في أرض أجدادها، لتردد نشيدا خالدا "عليك مني السلام، يا ارض أجدادي ففيك طاب المقام وطاب إنشادي". خرجت المناضلات إلى الشارع وكلهن عزم على الدفاع عن حقوقهن، خرجت نساء محجبات وغير ذلك، لملاحقة مجرم خطير إسمه الفساد، ومحاصرة الاستبداد، وهن اللواتي أطلقن الزغاريد ورقصن في عرس الديمقراطية، وهن اللواتي يضعن الأصبع على الزناد للعودة إلى الشارع للمطالبة بالمحافظة على حقوقهن، هذه الحقوق التي أصبحت ثقافة اجتماعية لا تخفى على واحدة منهن كبيرة وصغيرة، متمدرسة أو أمية، ذلك لأن الثقافة الحقوقية بدأت تسري في دمائهن، وتتغلغل في مخ عظامهن، ولا يمكن أن تمحى. إنها المرأة التي يعرق جبينها، وتعاني الغربة وتشتغل في حقول التوت الإسبانية، وهي تلك النادلة في المقاهي والمطاعم، والموظفة أو المنظفة في الإدارات وفي مقرات الأحزاب والنقابات، وهي تلك البرلمانية التي تمثل الآلاف ممن وثقوا بها ولا حاجة لمن يلازمها كظلها. إنها "يطو" الجميلة، والبعيدة، إنها "السعدية" التي تحمل على ظهرها الحطب، وإنها "فطومة" التي تبيع الديطاي والمناديل الورقية، وإنها "زهرة" التي ترفع أكف الضراعة عقب كل صلاة إلى العلي القدير لكي ينتقم ممن ظلم ابنها، وإنها "فتيحة" الموظفة في إدارة مغربية، و"نادية" الأستاذة في جبال الأطلس. لكل هؤلاء النساء أقول "كل عام وأنتن مناضلات" . ولأبناء جنسي من الرجال أقول تذكروا، وشدوا أحزمتكم النساء "قادمون" [email protected]