يبدو حزب العدالة والتنمية اليوم في موقع يخوله ترجمة سياسته تجاه المسألة الأمازيغية على أرض الواقع، بما لا يدع مجالا للإدعاءات المضادة، التي حاولت إلى عهد قريب تحويل الحزب إلى عدو أول للقضية الأمازيغية، بلغت حد استجماع قوى الحركة الأمازيغية للمطالبة برأس الحزب، بمبرر "خرقه" لقانون الأحزاب، الذي ينص على رفض تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو عرقي... وظلت العلاقة الرابطة بين الحركة الأمازيغية والحزب ذي المرجعية الإسلامية بين الشد والجذب، مرت بمرحلة محاولات الحوار التي قاد جزءا منها جمعية البحث والتبادل الثقافي، لتتحول إلى صراع عقيم عقب ما صار يعرف ب"معركة الحرف" التي بدأت أواخر تسعينيات القرن الماضي، وكانت المرحلة الثالثة بعد البث في القانون التنظيمي للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وانتهاء معركة الحرف بإقرار "تيفناغ" لكتابة الأمازيغية، عرفت العلاقة بين الطرفين هدوءا طفيفا سرعان ما سيعود إلى الواجهة بسبب "زحف" الحزب ذي المرجعية الإسلامية تدريجيا نحو السلطة. يبدو أن المرحلة الراهنة التي تتسم بميزتين، تتمثل الأولى التصويت على دستور يتضمن اعترافا بالأمازيغية لغة رسمية للمغرب، ودعوته الصريحة إلى تطويرها مؤسساتيا لغويا وثقافيا، والميزة الثانية تتمثل في حمل صناديق الاقتراع حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وهو ما يعطي المشروعية للسؤال حول العلاقة الجديدة بين الحركة الأمازيغية والحزب الذي يقود الحكومة. لابد في البداية تسجيل مجموعة من المؤشرات التي دشنها حزب العدالة والتنمية بعد تعيين الحكومة - تضمين التصيرح الحكومي التزاما سياسيا ب"تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية عبر وضع قانون تنظيمي يحدد كيفيات إدراج الأمازيغية وإدماجها في التعليم"، و"التزام الحكومة في برنامجها بإرساء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وتفعيل دوره في حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية والمكون الثقافي الصحراوي الحساني ومختلف التعبيرات الثقافية واللسانية المغربية، مع ضمان التكامل والانسجام بين مجموع المؤسسات المعنية بالشأن اللغوي. " - مراسلة لحسن الداودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر لأحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، من أجل مد وزارته بترجمة أسماء الجامعات المغربية باللغة الأمازيغية. - تخصيص مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، التقى خلالها بعدد من مسؤولي المعهد لمناقشة وضع الأمازيغية في الإعلام العمومي، تركت الزيارة أثرا كبيرا بعد تلبية الخلفي لمطالب عديدة خلال اللقاء. - تشبث سعد الدين العثماني، وزير الخارجية والتعاون، بالاسم الذي أقره الدستور المغربي الجديد للاتحاد المغاربي، بدل اتحاد "المغرب العربي"، شكلت بداية لتنزيل مضامين الدستور. في مقابل هذه المؤشرات احتفظت الحركة الأمازيغية بموقعها "المرتاب" من وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، وأعلنت شبكة أمازيغية "أزطا" ما اعتبرته في بيانها "ضم صوتها للقوى الديمقراطية المغربية، التي هي بصدد التكتل والتعبئة دفاعا عن المكاسب الديمقراطية للمغاربة". لم تكن الحركة الأمازيغية تفرق بين حزب العدالة والتنمية، وحركة التوحيد والإصلاح التي وجدت نفسها فاعلا أساسيا في معارك الهوية، ومن بينها "معركة الحرف"، ما يجعلها تعتبر تاريخ التوتر لا يفصل بين التنظيمين، يدخل مرحلة جديدة بعد تشكل حكومة عبد الإله بن كيران، تتسم بميزتين أساسيتين: الأولى محاولة حزب العدالة والتنمية الوفاء بالتزاماته الانتخابية في تطوير الأمازيغية لغة وثقافية عبر تنزيل بنود الدستور، وتفعيله بجعلها حية مؤسساتيا، وإعادة النظر في موقعها في السياسة التعليمية التي أقرت جميع التقارير والجهات بضعفه. والثانية حفاظ الحركة الأمازيغية على موقعها في مواجهة حزب العدالة والتنمية، باعتباره عدوا إديولوجيا، ما دامت تعتبر ما حصلته الأمازيغية وما ستحصله مكاسبا دستورية تحققت بفضل نضالات الحركة الأمازيغية ولا فضل للحكومة فيها، ينحصر الدور الجديد في مراقبة الأداء الحكومي في الملف وتصيد الأخطاء. يبدو أن التعاطي مع المسالة الأمازيغية، التي لم يتم حسم مواقفها، بشكل واضح، داخل حزب العدالة والتنمية نظريا بشكل مؤسساتي وظلت مجرد مواقف متناثرة، بدأت تأخذ طابعا جديدا في أوراق وتصورات الحزب، بعد بلوغه سدة الحكم، وولوجها سدة الدسترة، وهو أوج ما يمكن أن تبلغه من الناحية القانونية والحقوقية بعد دينامية متسارعة خلال ما يقارب عقدين من "التوتر"، فوجود المبادرة في يد الحزب، تجعل الانتقاد سلاحا قويا في أيدي الحركة الأمازيغية، وهو ما يرشح العلاقة بين الطرفين للدخول في منعطف جديد، بعد منعطفين تاريخيين، الحوار أواسط التسعينيات والتوتر أواخرها وبداية العشرية الأولى من القرن الحالي. [email protected]