ثمة حاجة للتفكير من جديد في موقف الحركة الإسلامية بالمغرب من الموضوع الأمازيغي بمختلف أبعاده اللغوية والثقافية والسياسية والهوياتية، وهي حاجة ترتكز على حصول تطور نوعي نجم عن خمس عناصر. أولاها، حصيلة خمس سنوات من انطلاق مشروع تدريس الأمازيغية وما كشفته من وجود تحديات ميدانية حدت بكثير من من أوهام خطاب عدد من الفعاليات الأمازيغية، وثانيها تطور أداء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة وطنية ذات حركية لافتة في مجال البحث والدراسة والدعم للسياسة التعليمية للأمازيغية، وثالثها تعمق الشرخ بين الطرح السياسي والطرح السياسي لدى قطاع عريض من التيار الأمازيغي ثم ارتهان هذه الموضوع لتعقيدات أزمةالعلاقات المغاربية بعد الانقاسم الذي عرفه مؤتمر الكونغريس الأمازيغي العالمي ، ورابعها انحسار التقدم الميداني لأطروحة الربط بين الاختيارات الإيديولوجية ذات النزعة العلمانية وبين الدعوة لإعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية، أما خامسها فهو التراجع اللافت في التوتر الذي شهده المغرب قبل حوالي ست سنوات بين الحركة الإسلامية والتيار الأمازيغي، وهي عناصر خمس تفرض الحاجة لتدشين تفكير جديد في هذه القضية. يمكن القول أن الحركة الإسلامية مدعوة لتجديد تعاطيها، وذلك على صعيد أربع مستويات: 1 - تعميق الوعي بموقع الرافد الأمازيغي بموازاة الرافد العربي في بناء الهوية الإسلامية للمغرب وهو وعي شكل حاجزا أمام نشوء تطرف إثني يحول الحركة الإسلامية إلى مجرد مشروع قومي طائفي، كما حال دون التمكن من استيعاب دور العامل الأمازيغي في بناء التاريخ المغربي الحديث، وهو وعي ترسخ مع تطور البحث في طبيعة التراث الأمازيغي المغربي ، وبروز عمقه الإسلامي مقارنة مع التراث العربي نفسه كما صرح بذلك الدكتور سعد الدين العثماني في كلمته في المهرجان التأبيني للدكتور الخطيب، وهو الوعي الذي كان جنينيا في مرحلة التسعينيات وأتاح فرصة للتعايش الإيجابي والحوار، إلا أنه تطور مع ظهور الجمعيات الأمازيغية ذات الخلفية الإسلامية ثم بعدها مع الإنجاز الكبير للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مجال إخراج التراث الأمازيغي. 2 - تقوية جهود فك الارتباط بين تنمية اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وبين المواقف الصادرة عن نشطاء أمازيغيين بغض النظر عن مدى حجمهم في الساحة الأمازيغية المغربية، وعدم السقوط في فخ تحميل الأمازيغية المغربية تبعات هذه المواقف، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو المس بالسيادة الوطنية عبر الاستقواء بالخارج، أو استهداف الهوية الإسلامية للمغرب واعتبارها مجرد طارئ عابر، وهو ما يفسر حالة الانحسار الجماهيري لحملة مثل هذه التوجهات ووضعية العزلة التي تسم عملهم مع استيعاب عمق التعددية والاختلافات الانقسامية داخل التيار الأمازيغي. -3 بروز تحدي ضعف القدرة على تحويل شعارات تدريس الأمازيغية الموحدة إلى واقع ملموس بعد سقوط أوهام الجاهزية العملية للغة الأمازيغية الموحدة، وتراجع التركيز على الإشكالات السياسية، والتي ارتبطت بمرحلة الصراع حول الحرف الأنسب لكتابة وتدريس الأمازيغية العنصر الأساسي في تفجير التناقض بين الحركتين، في موسم 2003/2002 والذي انتهى باعتماد حرف تيفيناغ عوضا عن الحرفين العربي واللاتيني. فرغم أن ذلك خلّف واقعا نفسيا وفكريا من المفاصلة والتعارض بين الحركتين، فإن ذلك توارى لمصلحة التفكير في قضايا التعثر الميداني الذي عرفته تجربة التدريس بسبب قلة الأطر والاستثمار الكبير الذي تم من أجل التغلب على التعقيدات الناجمة عن اعتماد حرف تيفيناغ فضلا عن إشكالات عدم القدرة على بلورة مشروع فعال لتوحيد اللغة الأمازيغية، وهو ما جعل من هدف تحقيق تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في عام 2008 هدفا مستحيلا، حيث كانت الحصيلة بحسب تقرير المجلس الأعلى للتعليم الصادر بداية هذا العام في حدود %10 فقط، مما أدى إلى تراجع إشكالية تدريس الأمازيغية كإشكالية موجهة للعلاقة بين الحركتين. - 4 تقدم الطرف الإسلامي المتواجد في البرلمان والممثل في حزب العدالة والتنمية في الاشتغال بفعالية أكثر في متابعة هذا الموضوع وتكثيف الرقابة الإيجابية، وصولا إلى تخصيص الموضوع الأمازيغي بإجراءات محددة في البرنامج الانتخابي نذكر منها الإعلان الصريح عن تبني مطلب الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية، والدعوة إلى تطوير استراتيجية تدريس اللغة الأمازيغية بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وذلك بهدف الوصول إلى 2500 مؤسسة تعليمية، واعتماد مادة إضافية تسمى الثقافة الجهوية في البرامج الجهوية التي تشكل 30 من البرامج والمناهج تعكس التنوع الحضاري للمغرب ماضيا وحاضرا ومستقبلا في ظل الثوابت الدينية والتاريخية للوطن، مع مضاعفة مردودية برامج تكوين مدرسي الأمازيغية، وإقرار نظام للتكوين المستمر، وإقرار مديرية لتدريس الأمازيغية داخل الوزارة الوصية، وإرساء مسالك خاصة بالأمازيغية بالجامعة المغربية، وهو توجه أضعف قدرة التوجه المعادي للإسلاميين داخل الحركة الأمازيغية على استغلال الورقة التعليمية في الاصطدام بالحركة الإسلامية. الخلاصة هي أن استيعاب الموضوع الأماريغي وفك الارتباط بين بعده الثقافي والوطني والأبعاد الإيديولوجية ذات العلاقة بمشاريع أخرى كالعلمانية أو غيرها مَثل الاستراتيجية الأفضل لاحتواء أي توظيف للأمازيغية ضد الحركة الإسلامية، وهو ما يتطلب تعميقه بتجاوز مرحلة المتابع إلى مرحلة المشارك وتقديم أجوبة عملية على المشكلات الواقعية، وتطوير الخطاب الذي بلورته الحركة منذ أواسط التسعينيات في مواجهة الطرح العلماني أو الطائفي وبموازاته الانخراط في جهود تنمية اللغة والثقافة الأمازيغيين، وهو ما يرتبط كذلك بالسعي لتنمية شروط الحوار والتعاون الإيجابي مع التوجهات المعتدلة وغير الطائفية أو المعادية داخل التيار الأمازيغي.