في تطور لافت ومثير للدهشة وكأن من يقف وراء هذا التطور يسابق الزمن ليعلن عداءه المكشوف ضد المغرب وليترجمه على أرض الواقع بزج مرتزقته بالإنابة في تصعيد عسكري غير مسبوق. إنه النظام الجزائري الذي توقعنا ردة فعله اليائسة في مقال سابق نشر في جريدة هسبريس تحت عنوان "رقصة الديك المذبوح". ولم نكن آنذاك نرجم الغيب بل كان سندنا هو قراءة ذلك الواقع وتلك التطورات التي كانت تذهب في اتجاه يصب في مصلحة قضيتنا الوطنية، ويزيد النظام الجزائري خنقا وحنقا. وما نعاينه اليوم من تحرشات وتهديدات عسكرية لا تخرج أسبابها عن التطورات السياسية والدبلوماسية التي عرفتها قضيتنا الوطنية. لقد صعق النظام الجزائري وأذنابه بالنجاحات التي حققتها الدبلوماسية المغربية سواء على مستوى الأممالمتحدة أو على مستوى المواقف التي أبانت عنها الدول الشقيقة والصديقة، واللافت منها الموقف الشهم لدولة الإمارات العربية المتحدة وهو الموقف الذي أسكت أصواتا نشاز ونقل النقاش من دائرة التشكيك إلى دائرة الوضوح والثبات على المبدأ في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. 1 على مستوى الأممالمتحدة يلاحظ أن البيانات والقرارات التي اتخذت كانت كارثية بالنسبة للنظام الجزائري. وقد تعمد هذا الأخير افتعال أحداث معبر الكركرات بإرسال عصابة من ميليشيات البوليساريو تزامنا مع أشغال مجلس الأمن الدولي بنية التأثير على قراره المرتقب. لكن السحر انقلب على الساحر. وباتت مسرحية الجزائر مكشوفة بفضل التقارير التي نقلتها بعثة المينورسو إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطوان غوتريس الذي استنكر من جهته تلك الاستفزازات المشينة ودعا إلى وضع حد لها. وفي مقابل ذلك، أثنى المسؤول الأممي على سياسة ضبط النفس التي انتهجها المغرب حيال تلك الاستفزازات وهو يدرك جيدا مقاصد من يقف وراءها والغايات المراد الوصول إليها. وما كان يراهن عليه النظام الجزائري من قرار يصدره مجلس الأمن الدولي لم يكن في واقع الأمر سوى ذلك القرار الذي أكنس وعصف بالطرح البئيس والمتهالك والأسطوانة المشروخة لتقرير المصير وتصفية الاستعمار. وبقي قرار مجلس الأمن قرارا حكيما وواقعيا ويعكس نظرة حداثية تتماشى مع تطورات العصر لا مع طروحات ذلك الزمان الذي ولى وأدبر، زمان الحرب الباردة وعهد الدول الإفريقية التي كانت تعاني فعلا من الاستعمار حيث كان مفهوم تصفية الاستعمار آنذاك له بريقه. وقد جاء موقف مجلس الأمن هذه المرة أكثر وضوحا من ذي قبل ليؤكد ويزيد على أن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل السياسي الملائم ولها ما لها من مصداقية لحل هذا النزاع المفتعل، داعيا الأطراف جميعها إلى التفاوض على هذا الأساس. 2 في حمأة هذا الصراع الدبلوماسي على مستوى الأممالمتحدة وفي أوج الأزمة المصطنعة في معبر الكركرات، تلقى النظام الجزائري تلك الصفعة الأممية، ولم تكن الصفعة الوحيدة التي لطمت بالكامل وجهه بل أعقبتها صفعات وضربات تحت الحزام واحدة تلو الأخرى من خلال السيل الجارف بتوالي عدة أقطار إفريقية بفتح قنصلياتها في كبريات مدننا في أقاليمنا الجنوبية في كل من العيون والداخلة ليصل عدد تلك القنصليات إلى خمسة عشرة ممثلية إفريقية "والعاطي مازال يعطي". وقد تم فتح هذه القنصليات وفق معايير وممارسات دبلوماسية تخضع للقانون الدولي وأساسا اتفاقية فيينا المنظمة للعلاقات القنصلية لسنة 1963 التي تنص على أن إقامة العلاقات القنصلية تكون بين الدول "بالاتفاق المتبادل"، وهو أمر يدخل في سيادة الدول. وبحسب هذه الاتفاقية الدولية، فإن عمل القنصليات ينصب كذلك على تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية في كل المناطق والجهات التي تعود إلى الدولة المضيفة. وقد حاول النظام الجزائري عبثا، بعد تلك الضربات الموجعة، أن يستدعي سفراء تلك الدول للضغط عليها والحيلولة دون فتح تلك البعثات لكنه مني بالفشل الذي ما بعده فشل. وتبين على أرض الواقع أن الدلالة السياسية والرمزية الدبلوماسية لتلك القنصليات هو الاعتراف الصريح والواضح من قبل تلك الدول الإفريقية بمغربية أقاليمنا الصحراوية، وليتأكد بالملموس مدى العزلة التي بات يعيشها هذا النظام. 3 ثالثة الأتافي التي حلت بالنظام الجزائري وهي المبادرة الحميدة التي اتخذتها دولة الإمارات العربية الشقيقة التي انبرت بموقف لا يتخذه إلا الرجال الأشاوس، والقيادة الرشيدة التي أظهرت بالأمس واليوم وغدا مدى تضامنها اللامشروط مع المغرب قلبا وقالبا. وبالفعل، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة أول دولة عربية همت بفتح قنصلية لها في مدينة العيون. قراءة هذا القرار يجد كينونته في ربط الماضي بالحاضر الزاخر بعلاقات استراتيجية بين الدولتين الشقيقتين التي أرسى قواعدها كل من جلالة الملك الحسن الثاني وشقيقه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله على هذين الرجلين. فسجل البلدان حافل بالمواقف التاريخية المتبادلة من مشاركة الشيخ محمد بن زايد وهو شاب يافع في المسيرة الخضراء، ومساهمة المغرب في بناء دولة الإمارات على مستوى مختلف الأجهزة والمؤسسات. في هذا البعد الاستراتيجي ينبغي فهم إقدام دولة الإمارات العربية المتحدة على فتح بعثتها في عاصمة أقاليمنا الصحراوية مدينة العيون. هذه الخطوة الجبارة نزلت كالصاعقة المدوية على كل من كان يتوهم أن يزرع الشقاق ويخترق الصفوف المتراصة بين دولتين وشعبين، وفي مقدمة المتربصين النظام الجزائري الذي تبين له أنه كان يطارد خيط دخان في السماء. في كل هذه السياقات التي حقق فيها المغرب مكاسب في أكبر محفل دولي ومكاسب على أرض الواقع، كان من المنتظر أن يخلف كل ذلك إحباطا لدى القيادة الجزائرية، ولعله الإحباط الذي قد يدفعها إلى ارتكاب حماقات بالإيعاز إلى ميليشيات البوليساريو بتصعيد عسكري ضد المغرب، وهي الميليشيات التي تتلقى تداريبها في الأكاديمية والثكنات العسكرية الجزائرية. اليوم هذا التصعيد الذي نعاينه بعد طرد عصابة من معبر الكركرات قد ينتقل إلى فتح بؤر للتوتر عبر بلاغات وبيانات الانفصاليين التي دعت إلى ما يسمى "بالتعبئة الشاملة" إيذانا بفتح حرب ضد المغرب في خرق سافر للاتفاق العسكري القاضي بوقف إطلاق النار، على غرار نفس الخروقات في الكركرات التي أريد بها كمقدمة لتغيير الوضع في المنطقة العازلة، وهي المنطقة التي أحدثها المنتظم الدولي إلى حين التوصل إلى حل سياسي وسلمي متفاوض بشأنه. ومرة أخرى، وفي ظل هذه التطورات المريبة، يجد النظام الجزائري نفسه أمام مواجهة لم تعد تقتصر على المغرب وحده بل أصبحت الأممالمتحدة هي الأخرى موضع استفزازات وتحرشات أخذت تطال قوات المينورسو بالهجوم على السيارات ذات الدفع الرباعي الحاملة لرموز وأعلام الأممالمتحدة. كل ذلك يفيد بأن مرتزقة النظام الجزائري دخلوا في مواجهات مفتوحة مع الجميع وبدأ النظام الجزائري وهو في حالة هستيريا يلعب آخر ما تبقى في جعبته من أوراق. يذكرنا هذا المشهد بالثور الإسباني وهو ينزف في حلبة الصراع يريد نطح الجميع في لحظة أنفاسه الأخيرة. أما على مستوى ردة فعل الدول تجاه التلويح بالتصعيد العسكري، فإن النظام الجزائري قد يكون استحضر كل السيناريوهات إلا ذاك الذي أعربت فيه الدول الشقيقة عن تضامنها المطلق مع المغرب في الدفاع عن سلامة أراضيه، وهو ما لم يكن في حسبان النظام. وقد عودتنا دولة الإمارات العربية المتحدة أن تكون السباقة إلى مؤازرة المغرب بعد أن سارعت وزارة الخارجية الإماراتية إلى إصدار بيان أكدت فيه تضامن الإمارات مع المغرب في حماية أراضيه كان ذلك في زمان قياسي وفي اليوم ذاته الذي بدأ فيه التلويح بالخيار العسكري من قبل الانفصاليين، وهو الموقف نفسه الذي تبنته كل من المملكة العربية السعودية ودولة قطر ومملكة البحرين مما يوسع دائرة المواجهة التي لم يكن يتوقعها النظام الجزائري سواء على النطاق العربي أو على النطاق الأممي.