عبد اللطيف حموشي يبحث مع المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية التعاون الأمني المشترك    الرباط: تقديم كتاب 'إسماع صوت إفريقيا..أعظم مقتطفات خطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس'    نقابيو "الجماعة" يرفضون تنصل الدولة من واجباتها الاجتماعية وتفويت الخدمات العمومية للقطاع الخاص    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع        انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    مرشد إيران يطالب ب"إعدام" نتنياهو    توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية يشكل موضوع أمر دولي بإلقاء القبض بمراكش    حقوقيون يحذرون من تنامي العنف ضد النساء في الفضاءات العامة ويطالبون بدعم الضحايا    مشروع قانون بريطاني لحظر التدخين وتقنين السجائر الإلكترونية    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    العالم يحتفل باليوم العالمي لشجرة الزيتون    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    استيراد ‬اللحوم ‬المجمدة ‬والطازجة ‬يدخل ‬مرحلة ‬التنفيذ..    تطوان: اعتداء غادر بالسلاح الأبيض على مدير مستشفى سانية الرمل    بمناسبة الحملة الأممية لمناهضة العنف ضد النساء.. ائتلاف يدعو إلى المنع التام لتزويج الطفلات    تحقيقات هولندية تكشف تورط مغربي في اغتيالات وتهريب الكوكايين    ترقب لقرار إسرائيلي حول وقف إطلاق النار مع حزب الله ووزير الأمن القومي يعتبره "خطأ كبيرا"    اندلاع حريق ضخم في موقع تجارب إطلاق صواريخ فضائية باليابان    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    وزير الأوقاف: أكدت لوزير الداخلية الفرنسي أن المغاربة علمانيون فصدم    صقر الصحراء.. طائرة مغربية بدون طيار تعيد رسم ملامح الصناعة الدفاعية الوطنية        المحامي والمحلل السياسي الجزائري سعد جبار: الصحراء الشرقية تاريخياً مغربية والنظام الجزائري لم يشرح هوسه بالمغرب    لا شراكات على حساب الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة المغربية    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    تحرير محيط مدرسة للا سلمى من الاستغلال العشوائي بحي المطار    الجزائر و"الريف المغربي" .. عمل استفزازي إضافي أم تكتيك دفاعي؟    حقوقيون مغاربيون يحملون الجزائر مسؤولية الانتهاكات في مخيمات تندوف    الاتحاد الأوروبي يمنح المغرب 190 مليون أورو لإعادة بناء المناطق المتضررة من زلزال الحوز    الرجاء والجيش يلتقيان تحت الضغط    في سابقة له.. طواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية يعبر صحراء الربع الخالي    لاعبتان من الجيش في تشكيل العصبة    ليبيا: مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة    "البيجيدي": الشرعي تجاوز الخطوط الحمراء بمقاله المتماهي مع الصهاينة وينبغي متابعته قانونيا    «الأيام الرمادية» يفوز بالجائزة الكبرى للمسابقة الوطنية بالدورة 13 لمهرجان طنجة للفيلم    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    تكريم الكاتب والاعلامي عبد الرحيم عاشر بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بطنجة    ريال مدريد يعلن غياب فينسيوس بسبب الإصابة    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبي معشوق..
نشر في هسبريس يوم 08 - 11 - 2020


(ورأته خديجة والتُّقى وال زهد فيه سجية وحياء
وأتاها أن الغمامة والسِّرْ حَ أظلته منها أفياء)
الإمام البوصيري.
في مكان عصي على التصنيف، ولد. مكان لا هو بالقرية، ولا هو بالمدينة، هو شيء ثالث، هِرمُوني التشكيل. مكان يمكن تسميته قري-مدينة، أو مدين-قرية. ولد لأب لا يملك ثروة، غير الصدى الطيب.. أب لم يعرفه أبدا، لم يلعب في حضنه، لم يشتم رائحة عرقه وهو فَاءٍ من عمله، لم يحمله على ذراعه الصلب ويضعه على قفاه النجاد، لم يعبث بلحيته الكثة أو يجر ذيل عباءته الطويل، دلالة أنفة وعزة وبطر.. ! لم يوقظه بصراخه الحاد في عزِّ القيلولة التي تشوي شمسها الوجوه، شمسها التي لا أوْقد منها في كل شموس الأرض، لم يزعجه بأن يكسر اِلتواءات عمامته التي ينفق وقتا غير قليل في ضبطها على رأسه . . كل ما عرف عن أبيه: الصدى الطيب.
* * * * * *
نَمَا في المكان الهرموني المتمنع على التصنيف، كما تنمو فسلة النخيل: نحافة وهشاشة – بعض من الوقت - ثم استواء وصلابة. النخيل الذي ينبجسُ من وسط بطن الصحراء الحبْلى دائما، الولود أبدا، كما لو كانت تمارس التزاوج ليلا. . ! ولم يكن يعرف -كيف له أن يعرف؟ - أنه سيكون أكثر وأجمل وأنفع ثمار الصحراء قاطبة، أنه سيكون النهر الزمزمي الذي سينفجر من كبد الخلاء الشاسع حدَّ التيه، من تحت الشمس الشَّموس المجنونة حرارتها، ويتفرع جداول تسقي الجميع، تروي الدنيا، تحيِي القلوب وتُطمئن الأرواح المضطربة والأفئدة الحيرى! . . .
* * * * * *
بسرعة شبَّ، وبسرعة شبَّت فيه تقاسيم الحسن وعرشت ملامح الجمال: الجسم المربوع، الشعر الأجعد، الجبين الوضاء الذي حين تراه يخيل إليك أنه قَدْ قُدَّ من بدر تام الاكتمال، الثغر البسام، كما لو أنه لم يخلق إلا لذلك، الفلجة الجميلة التي تتوسط أسنانا كريستالية الصفاء بلَّورية اللمعان منضودة في تساوي يشاكل أسنان المشط، المشي المعتدل، لا هو بالسريع، ولا هو بالبطيء، ثم تسربلَ كل هذا البهاء بالخلق الحسن، وغُمس في مرق الحياء، في لبن المعشر الحسن واللسان الحلو. كل هذه الأكوان، نضجت، ليتفاجأ أهل المكان بهذا الكمال الذي تدلى في غفلة منهم، في داليتهم.
* * * * * *
تجاوز العشرين، غدت سنواته تساوي، ربع قرن. فتوة تغلي في الجسد، صفاء قطنيٌّ في السلوك، أمانة وصدق في المال والعهد، وكياسة وفطنة وحذاقة وفراسة . . كل هذا، جعلها تحبه. في الحقيقة، ما كان لها إلا أن تحبه. كيف لا تفعل وهي المرأة الناضجة الجميلة الخبيرة بشؤون الدنيا ومعادن الناس. أحبته فطلبت وصاله! . . .
* * * * * *
تحقق الوصل، اجتمع نيزكان. فاستغرب الناس. علقوا، انتقدوا، ثم تناسوا . . . لكنها لم تنس، وربا حبها له، كما يربي الله الصدقات، تضاعَف، تضاعُف القمح إذا وجد أرضا خصبة. وأي أرض أكثر خصوبة منه؟ . .
حين أحبته وطلبته للزواج، لم يكن ليدور بخلَدها، حتى في أكثر أحلامها وردية، حتى حين تجفل فرس خيالاتها، وتطير في الدياميم والمفازات، في المروج والجنانات . . لم يكن ليدور بخلدها أنها كانت أكثر نساء الكون حظا، وأنها ستكون قرينة أعظم من مشى على جبين هذه الصحراء، هذا الكون..
لم تكن تعرف أنها وثقت، أحبت، ثم تزوجت، رجلا أكبر من كل التوقعات، ألذ من كل الأمنيات، أوسع من كل الممكنات، والمستحيلات . . .
حين طلبته للزواج، لم تفكر في كل هذا. كل ما فعلت هو أنها: اتبعت قلبها . .
* * * * * *
مرت خمسة عشر سنة، وخلال مرورها كانت الحياة عادية، لكنها كانت تزداد في كل يوم امتلاء به، حبا فيه، وإيمانا بأن هذا الرجل، غير كل رجال الدنيا. تعودت لطفه، تفهمه، رقته، تعودت كل ذلك، في بيئة، الغلظة فيها تبدأ من الأوكسيجين الذي يستنشقه الناس، وتتجلى في اللغة والنظرة ثم الأيدي... في بيئة لا تحس بالذنب، حين تئد المولود إذا كان بنتا، خوفا من اسوداد وجه، اتقاء للكظم الذي يطل برؤوسه من المستقبل، كغيلان زنخةٍ ! . . .
ولأن العشرة معرفة، فقد عرفته، وعرفت طباعه، وما عادت تستغرب إذا ما غاب عنها باللية والليالي، إذا ما خرج إلى الجبال، إذا ما ارتكن للتأمل، إذا ما استوحش الناس، وتدثر ثوب التدبر والتفكر. . . لقد آمنت به قبل مدة طويلة وانقادت له بكلِّيتها، فكيف تستغرب ما يجترح من أفعال. لقد كانت تعرف معدنه النادر. لفظ النادر هنا، لا يعني القلة، بل يعني الفرد، الواحد. صحيح أن الله خلق الكثير من الناس، ثم اجتبى من بينهم قلة مميزين. لكنه لم يخلق مثله أبدا . . .
* * * * * *
كانت في بيتها، هانئة، كما هو قَمِيءٌ بامرأة، حباها القدر وقادها إلى الاقتران برجل في مواصفاته، حتى تفاجأت بقدومه، خائفا، مرعوبا، غير مدرك، غير مصدق ما يقع له. حين اعترته تلك الأحاسيس المتفلِّتة من التوصيف، خاف. ولم يخطر بباله غيرها، هي التي أحبته واصطفته من بين الكل، الكل الذي كان يطلب ودها. اختارته، هو الفقير جدا، في نظر الناس، الشاهق الغنى، في نظرها. لجأ إليها، لجوء من يعرف أن له حضنا، يأويه ساعة الخوف، يشتريه بعمره، وقت الكرب، جاءها محموما حد البرد، اقترب منها، جلس إلى فخذها، وشرع يردد:
دثروني، دثروني، دثروني..
وإذ اطمأنت روحه، باح لخليلة قلبه بما خض فؤاده، وروع نفسه:
لقد خشيت على نفسي.
لينزل شلال جوابها ماء صافيا يعيث في الوجدان طمأنينة، هي التي طالما ساندته وأحبته وعرفت أي الرجال هو زوجها:
كلا، والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.