تلازم ابتسامة عريضة مُحَيَّا محمد مفرج على الدوام، وتلازم لسانه الدارجة المغربية بطلاقة لا توحي بأنه أمضى حياته بأكملها في بلجيكا، بينما لا يفارقه التوفيق منذ أن صار من المنعشين السياحيين المميزين بهذه البلاد الأوروبية. تعد تجربة مفرج نموذجا حيا للتطور لافت الانتباه، إذ حوّلت محمّد من باحث عن عمل "دون أجر"، قبل سنوات، إلى واحد من كبار المستثمرين الذين لا يبخلون في تقديم المساندة للآخرين، وعند سؤاله عن السرّ يذكر أن هذا ما علّمته "تامغرابيت". ازدياد بالمنطقة الفلامانية عرفت سنة 1969 ميلاد محمد مفرج في المنطقة الفلامانية بمملكة بلجيكا، متوسطا أسرة ذات أصول مغربية مرتبطة بمدينة طنجة ونواحيها، متشبعا وسطها بعادات وتقاليد الوطن الأم، من جهة، وحب البلد الأصل من جهة أخرى. يقول محمد إن الأب مفرج كان يشدد على تجاهل التواصل داخل فضاء المسكن بلغة أخرى غير الدارجة المغربية، وحريصا على تمكينه من حصص لضبط العربية الفصحى، مقدما ما هو متاح له من أجل صيانة الهوية المغربية لأبنائه. عرفت المنطقة الفلامانية تدرج محمد مفرج بين الأطوار الدراسية حتى ختم المرحلة الثانوية بنجاح، وبعدها اختار الميل إلى الأداء التجاري من خلال ولوج الجامعة كي ينهل من العلوم الاقتصادية؛ بتركيز على مهارات التسويق. إلى ميدان السياحة لا يخفي مفرج تأثره بعمه العربي، صاحب شركة سياحية اشتهرت شمال المغرب باسم "ماركو بولو"، خاصة ما عرفه هذا الاستثمار من ازدهار حتى أضح يتوفر على ارتباطات وثيقة مع فاعلين دوليين مشهورين ضمن القطاع. يعود محمد بذاكرته إلى تلك الفترة ليعلن تعرفه على أداء القطاع السياحي من خلال اطلاعه على أداء عمه، بينما أفضى تأثره بهذا التوجه الاستثماري المهني إلى تخليه عن دراسة التسويق من أجل نيل دبلوم وازن في السياحة. "كان عمي العربي مفرج بمثابة أب روحي بالنسبة إليّ.. لم يبخل عليّ بنصحه وتشجيعاته، وساندني في ضبط مدارك واسعة من خلال خبرته السياحية الواسعة، وهو من فتح الباب التي سرت من خلالها نحو الأفضل"، يعلن مفرج. البداية الشاقة يؤكد المفاخر بأصله المغربي أنه كان ضحية للعنصرية أكثر من مرة؛ لكنه يرفض أن يجعلها مشجبا تعلق عليها العثرات التي لاقاها، موضحا أن التربية التي تلقاها تملي عليه التشبث باحترام الجميع وإبقاء التركيز لبلوغ مكانة جيدة. ويزيد المتحدث نفسه: "كانت كل الأبواب مغلقة في وجهي بعد تخرجي، لذلك أجبرت على بداية شاقة لمساري المهني.. ولكي أحصل على عمل أؤسس عليه خبرة ميدانية، عرضت تشغيلي بلا مقابل مالي؛ مفضلا تجميع المعرفة". أمضى محمد مفرج بضع سنوات مستخدما لدى فاعلين سياحيين عديدين، وعند حلول سنة 2001 قرر إطلاق المشروع الخاص به تحت اسم "رامادا تور" مستفيدا من مساندته ماديا من لدن والديه، ودعمه في التنفيذ من قبل أخته. استحضار المغرب يدير مفرج وكالة أسفار تتوفر على مكتب في "مولنبيك" و"أنفيرس" و"مالين"، إضافة إلى آخر بشارع "ماري كريستين" في العاصمة بروكسيل، مروجا عروضا سياحية عالمية وينسق باقات خدمات مشخصنة حسب الرغبة. يعلق محمد على معاملاته المهنية بالتشديد على عشقه لهذا المجال، معتبرا أن ما يقوم به يرتبط بإشاعة السعادة بين الأفراد والمجموعات المستفيدة من الخدمات، وإن كانت الظرفية التي حلت سنة 2020 قد أثرت كثيرا على العمل بسبب تفشي فيروس "كوفيد 19". "على الرغم من التعاطي مع بلدان كثيرة فإن التركيز حاضر على المنتوج السياحي المغربي، وهذا تعامل مهني له أسس وجدانية، وأتمنى أن أساهم في دعم بلدي أكثر من خلال المشاركة في جهود النهوض بقطاع السياحة فيها رغم تداعيات الجائحة"، يسترسل محمد مفرج. تجربة سياسية يتوفر المنعش السياحي ذو الأصل المغربي على تجربة حزبية مع التنظيم الاشتراكي الفلاماني، منخرطا في عدد من المحطات السياسية استجابة لطلب عدد كبير ممن يعرفونه في مدينة "غانسهوفن"؛ مبتغيا من خلال هذا المشاركة في معالجة حزمة من المشاكل الاجتماعية. ويذكر محمد مفرج أن التزاماته المهنية تنال غالبية وقته؛ لكنه يحاول، إلى جوار مساندة عدد من الفاعلين المدنيين في مشاريعهم الهادفة، المساهمة بالفعل السياسي في كل الخطوات التي تسند التنوع وترفع مطالب العادلة؛ خاصة ما يتعلق بمصالح الجالية المغربية في بلجيكا. "أبقى ملازما للناس وسط الشارع، كما ألفوني على الدوام، رافضا أن يكون حضور الفاعل السياسي موسميا خلال مواعيد الحملات الانتخابية.. كما أحب أن أصغي إلى تطلعات الأشخاص والمستقبل الذي يريدونه، وأعمل ما بوسعي للمساهمة في التغيير المنشود"، يضيف المنتسب إلى "مغاربة بلجيكا". إلى دار الضيافة يرى مدير "رامادا تور" أن ما حققه شخصيا ومهنيا يجعله فخورا جدا، مرجعا ذلك إلى تحقيق أهداف تخطت كثيرا تلك التي كان قد سطرها قبل ربع قرن من الآن، ومستجمعا خبرة نظرية وميدانية يمكنه أن يعمل على نقلها إلى الجيل المقبل، خصوصا من يشاركونه الأصل المغربي. يجدد محمد مفرج التأكيد على المؤهلات السياحية الكبيرة التي تحوزها المملكة المغربية، آملا في وقوع طفرة جديدة في الرؤى الإستراتيجية كي يتم إعطاؤها حيزا أهمّ للنهوض بالأوضاع الاقتصادية، وجعلها من قاطرات الوصول إلى المبتغيات التنموية في كل الجهات. ويسترسل المتحدث نفسه قائلا: "حتى مستقبلي أربطه بالعيش فوق التراب المغرب، إذ أحوز تصورا شبه مكتمل عن دار للضيافة، في حلة مؤسسة فندقية حديثة، أبتغي أن أدبرها بنفسي دون التخلي عن القطاع الذي خبرته طيلة سنوات طويلة". النجاح فعل أصلي يفكر مفرج مليا قبل أن يعلن النجاح فعلا بشريا أصليا، بينما الفشل هو الاستثناء، ويفسر: "من المنطقي أن من يزرع يحصد، لكن الاستثناء هو عدم الحصول على أيّ شيء.. أي أن من لم يفلح في مسعاه قد قام بما ينبغي وفق طريقة خاطئة". واستكمالا للفكرة نفسها يعتبر محمد أن الناجحين، سواء في بلدان القارة الأوروبية أو غيرها من الدول، عليهم أن يظهروا إصرارا في التقدم رغم الأصوات المثبطة التي تحيط بهم، وعدم الاستسلام لمن يجرونهم إلى الوراء، ولا يتأتى ذلك إلا بالعمل المستمر. "العمل بتفان هو الذي يجلب نجاحا تلو آخر، وبه تقدم عدد كبير من الأمم عبر التاريخ.. ولا أتفق بتاتا مع من يطالبون الناس بالتوفر الذكاء أولا، لأن تطور العمليات العقلية يأتي بشكل حتمي عند الممارسة والتجريب، وتعزيزها يأتي بجني الثمار"، يختم محمد مفرج.