تشير عدد من الدراسات إلى أن المغرب من الدول المهددة بالجفاف بسبب ندرة المياه الشديدة، وذلك جلي من خلال تراجع نصيب الفرد من الماء ما بين 1960 و2020 من 2500 متر مكعب إلى 500 متر مكعب. ويشكل هذا التراجع خطراً مُحدقاً بالأمن المائي للمغاربة، وهي نتيجة لعدم مواكبة إنجاز المنشآت المائية للنمو الديموغرافي الذي عرفه المغرب، واعتمادات سياسات عمومية مندمجة تأخذ بعين الاعتبار معالجة هذا المشكل على المدى البعيد. وكان الملك محمد السادس قد أثار سنة 2017 مشكل خصاص الماء الصالح للشرب ومياه الري وسقي المواشي، وأعطى توجيهاته لرئيس الحكومة لترؤس لجنة تنكب على هذا الموضوع، قصد إيجاد الحلول الملائمة. وما انفك الملك يولي الأمر اهتماماً مستمراً، حيث ترأس في نفس الإطار بتاريخ 5 يونيو 2018 اجتماعاً خصص لإشكالية الماء، وأعطى خلاله تعليماته من أجل تشييد عدة سدود بسعات مختلفة في أقرب الآجال وبمناطق مختلفة من المملكة، وكذا سدود تلية، علاوة على احتمال إقامة محطات لتحلية المياه، مع السهر على مواصلة برنامج اقتصاد الماء في المجال الفلاحي. كما تجسدت عناية الملك بهذا الموضوع من جديد، في جلسة العمل التي ترأسها في 18 أبريل 2019، والتي شكلت مناسبة للتأكيد على مسألة التزود بالماء في المناطق التي تشمل شمال وشمال شرق المملكة، وتمتد من وجدة إلى طنجة. وتُوجت عن هذا الاهتمام بلورة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي يرتكز على خمسة محاور أساسية، تهم تنمية العرض المائي لاسيما من خلال بناء السدود، وتدبير الطلب وتثمين الماء خاصة في القطاع الفلاحي، وتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء، والتواصل والتحسيس من أجل ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استعمالها. وكان يفترض أن يشهد القطاع المكلف بالماء تفاعلاً إيجابياً وتحركاً مستمراً من أجل الوقوف على مكامن الضعف وإصلاح ما يُمكن إصلاحه من أجل النهوض بهذا المجال وتفادي ما لا يرجى عقباه، لكن التحرك لم يكن في حجم إشكالية كبيرة كالأمن المائي. وتُفيد مصادر مطلعة على هذا الموضوع أنه "لم يُسجل أي تحرك يذكر للمسؤولين في قطاع الماء، حيث تجلى ذلك بشكل واضح في عدم إيلاء أي اهتمام فعلي للأوامر الملكية التي تؤكد على تفعيل البرامج المائية في الآجال المسطرة لها". وتذهب عدد من المصادر إلى كون "المسؤولين الجدد على القطاع قاموا بتجميد مجموعة من المشاريع التي وصلت مرحلة المصادقة بحُجج واهية ضاربين بعرض الحائط الأمن المائي للمغاربة والتعليمات السامية لأعلى سلطة في البلاد مما سَاهم في تعميق الفجوة الكبيرة أصلاً بين الحاجيات من المياه ومنشآت التعبئة". وينتج عن هذا التسيير لقطاع حيوي واستراتيجي مثل القطاع تراجعات خطيرة في نسب إنجاز المشاريع المائية سواء تعلق الأمر بالسدود أو بمنشآت الاستكشافات المائية التي تتطلب الصرامة والحزم والانكباب اليومي على إنهائها. ويُشير عبد الرحيم كسيري، المنسق الوطني للائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، أن ما تم القيام به على مستوى معالجة هذا المشكل غير كاف، حيث قال إن برنامج 2020-2027 بمثابة رد فعل فقط وليس حلاً مستداماً. ويرى كسيري، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الأمن المائي يتطلب سياسة وطنية مندمجة واعتماد مخطط وطني للماء يأخذ بعين الاعتبار مشكل خصاص الماء في أفق سنة 2050، وأضاف قائلاً: "تحرك الحكومة في هذا الصدد غير كاف بالمرة". ويطرح الفاعل المدني إشكالية التمويل فيما يخص البرامج المعتمدة اليوم لمعالجة خصاص الماء، ويذهب إلى القول أن هذا المشكل لا يجب أن يعالج فقط ببناء السدود فقط مشيراً إلى أن الإمكانيات المتاحة في هذا الصدد متوفرة في الأماكن الصعبة فقط. ويؤكد كسيري أن معالجة مشكل خصاص الماء يجب أن يستحضر التوجه نحو مشاريع تحلية مياه البحر واقتصاد الماء وتجميع مياه الأمطار، إضافة إلى معالجة المياه العادمة خصوصاً في ظل احتضان المدن لحوالي 60 في المائة من الساكنة.