أكدت شرفات أفيلال كاتبة الدولة المكلفة بالماء أن المغرب معرض للتقلبات المناخية شأنه شأن بلدان المتوسط، لذلك وجب عليه أن يعمل على الشروع في بدائل أخرى تضمن له الأمن المائي تفاديا لحدوث بعض الاضطرابات التي يشهدها في بعض الفترات، خصوصا في فترات الجفاف، وفي هذا الصدد أكدت أفيلال أن توجه المغرب نحو تحلية مياه البحر أصبح ضرورة ملحة، إلى جانب ترسيخ ثقافة ترشيد واقتصاد الماء، وإعادة النظر في مشاريع التطهير الصحي من خلال التخطيط لمشاريع مندمجة توفر محطات المعالجة إلى جانب محطات إعادة الاستعمال، واعتبرت أفيلال أن رصيد المياه العادمة رصيد مهم وجب تثمينه وتوجيهه إلى استعمالات بديلة كسقي المساحات الخضراء، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلص من استهلاك مياه الشرب. وارتباطا بالمياه العادمة، أثير النقاش مؤخرا حول جودة مياه حقينة سد سيدي محمد بن عبد الله بعد تسرب جزء من المياه العادمة إليه من محطتي المعالجة بسجني العرجات 1 و2 بسبب عدم قدرتهما على استيعاب المياه العادمة الصادرة عن المؤسستين السجنيتين المذكورتين اللتين تأويان حاليا عددا من النزلاء يفوق بكثير قدرتهما الاستيعابية. وبحسب المعطيات الرسمية، فإن الوضع لا يدعو إلى القلق، على اعتبار أن الإجراءات التي تم اتخاذها لمعالجة المشكل حدَّت من أي تلوث للمياه. وتشير المعطيات ذاتها إلى أن المياه المنتجة من حقينات السدود مطابقة للمعايير الوطنية للجودة الصادرة عن توصيات منظمة الصحة العالمية. وتخضع هذه المياه لبرنامج مستمر وصارم ودقيق للمراقبة، بدءا من مصدر المياه الخام بحقينات السدود، مرورا بجميع مراحل المعالجة، ووصولا إلى مختلف نقط تزويد المواطنات والمواطنين. ويتم إنجاز عمليات مراقبة الجودة تحت إشراف مختبر معتمد دوليا، ويتعلق الأمر بالمختبر المركزي التابع للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وتشمل المراقبة تحاليل بكتيرية وبيولوجية وفيزيائية وكيميائية. وتؤكد التحاليل المختبرية أن المياه المنتجة انطلاقا من السدود صالحة للشرب. وتم الاتفاق على اتخاذ مجموعة من التدابير من أهمها إيفاد دورية تقنية وآليات تابعة لمصالح كتابة الدولة المكلفة بالماء لتنقية ومعالجة المجال الطبيعي الملوث بسبب المياه العادمة، ودراسة إمكانية نقل الفائض من المياه العادمة غير المعالجة لسجن العرجات 1 بواسطة شاحنات صهريجية وصبها في قنوات شبكة الصرف الصحي، وذلك بتنسيق مع مصالح "ريضال"، ثم إنجاز حوض اصطناعي من أجل التجميع والمعالجة الأولية للمياه العادمة الصادرة عن سجن العرجات 2، في انتظار الانتهاء من الأشغال الجارية حاليا لتوسيع محطتي المعالجة القائمتين، زيادة على تسريع وتيرة توسيع المحطتين اللتين ستكونان جاهزتين في ظرف شهر واحد بالنسبة للمركز السجني الأول، وثلاثة أشهر بالنسبة للمركز السجني الثاني، وذلك من أجل رفع طاقة المعالجة للمحطتين. ودراسة إمكانية إدراج إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة في السقي، بدل قذفها في المجال الطبيعي. ما هي أسس الاستراتيجية الوطنية لمواجهة ندرة المياه وضمان الأمن المائي؟ تشكل محدودية وندرة الموارد المائية إحدى المعطيات الهيكلية التي تميز الموارد المائية ببلادنا على غرار معظم بلدان جنوب وشرق المتوسط. ولمواجهة هذه الإشكالية تعتمد السياسة المائية الوطنية استراتيجية تتمحور حول التخطيط الاستشرافي المبني على المعرفة الجيدة للدورة المائية والتحديات والإكراهات التي تعيق التنمية والتدبير المستدام للموارد المائية. وفي هذا الإطار شرعت كتابة الدولة المكلفة بالماء في تحيين المخطط الوطني للماء بتعاون مع الوزارات والمؤسسات العمومية المعنية. كما شرعت وكالات الأحواض المائية بدورها في تحيين المخططات التوجيهية للتنمية المندمجة للموارد المائية. وستمكن هذه الاجراءات بلادنا من التوفر على تخطيط استباقي لضمان الأمن المائي على المدى القريب والمتوسط والبعيد. عمليا لدى المغرب سدود كبرى بالخصوص السدود التي تزود بالماء الصالح للشرب ومياه الري، ويتوفر كذلك على 5.8 مليارات متر مكعب على مستوى حقينات السدود أي بنسبة ملء 38.2 في المائة على الصعيد الوطني مقارنة ب 52.9 في المائة السنة الماضية. هناك نقص ونتمنى أن يتحسن هذا المخزون من خلال الأمطار ونحن في موسمها. في الآونة الأخيرة عرفت بعض المناطق احتجاجات بسبب الخصاص في الماء، ما هي الحلول العملية لمعالجة هذا المشكل؟ فعلا تم تسجيل بعض الاضطرابات خصوصا في الصيف الماضي، ولكنها تظل في مجملها محدودة مقارنة مع التزود العام على المستوى الوطني، وهذه الاضطرابات المحدودة تم تسجيلها في بعض المناطق ذات الطابع القروي والتي كانت تتزود من منظومات هشة، وأعني بهذه المنظومات الهشة التزود من بئر مثلا أو ثقب أو عين معينة، وهذه المنظومة تراجعت مستويات تزويدها لهذه المناطق بالنظر إلى سنوات الجفاف التي عرفها المغرب خصوصا في السنوات الثلاثة الأخيرة. وعلى إثر ذلك تراجع صبيب هذه المنظومات أو جف بعضها ما خلق نوعا من الاضطرابات، وهنا لابد من التأكيد على أن احتجاج الساكنة يبقى احتجاجا مشروعا. وتعاملنا مع الوضع وهذه المعطيات باستباق وفي بعض الأحيان بتدخلات آنية ومستعجلة لإيجاد بدائل. الواقع الآن، هو أن المغرب وبشكل ملموس، أصبح معرضا للتقلبات المناخية التي تمس كل الفضاء المتوسطي، وهذه التقلبات تتجلى تمظهراتها في تأخر التساقطات، حوالي 3 أشهر التي من المعتاد أن تكون ممطرة، مرت جافة. في ظل التقلبات المناخية، هل ثمة استراتيجية لتجاوز هذه الوضعية خلال فترات الجفاف، تفاديا لأي انعكاس على ساكنة العديد من المناطق التي تعاني من تأثيرات هذه التقلبات؟ الاستراتيجية ليس وليدة اليوم، فمنذ الاستقلال كان للمغرب دائما حس استباقي في هذا المجال. والمغرب اليوم يتوفر على بينات تحتية مهمة، إلى جانب ذلك فبعض المناطق اليوم في البلاد تعيش على مخزون المياه لسنة 2014 خصوصا في سوس ماسة وتانسيفت، وهاجس الاحتياطات اللازمة لسنوات الجفاف نتعامل معه بشكل جدي وبشكل مستمر، عن طريق تخزين المياه أثناء الفيض، عن طريق السدود، ونحن نتوفر على 144 سد كبير بطاقة تخزينية تصل إلى 17.5 مليار متر مكعب، وهناك سدود في طور الإنجاز، وسدود أخرى سيتم إنجازها… المفروض هو أن الاستراتيجية المائية الموجودة اليوم، يجب أن يعاد النظر في بعض مضامينها، اليوم لم يعد من المسموح أن نقتصر فقط على مياه السقي. والمغرب طبعا سائر في هذا الاتجاه، فسياسة السدود أيضا التي بدأها المغرب منذ عهد المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله تراه، ستسمر. كذلك التوجه إلى تحلية مياه البحر الذي شرع فيه المغرب خصوصا في الأقاليم الجنوبية. ومن المفروض أيضا، أن يطور المغرب هذه التكنولوجيا على مستوى الشريط الساحلي قصد تنويع مصادر التزويد، حتى لا نبقى رهينين بالمياه التقليدية والجوفية، لذلك لابد من ترسيخ هذا التوجه، وهو ما سيمكننا من توجيه مياه الأمطار وجزء مهم من المياه المخزنة نحو المناطق الداخلية البعيدة عن الشريط الساحلي. الآن نشتغل على تحيين المخطط الوطني للماء، الذي يشكل الوثيقة الأساسية للسياسة المائية. وهناك مسألة أخرى، وهي الاقتصاد في الماء وحسن تدبيره وترسيخ الحكامة. ويمكن أن أقول في هذا الصدد، إن هناك مجهودات لابد من القيام بها للحد من ضياع المياه. طيب، ما هي أهم المرتكزات التي تنبني عليها هذه الاستراتيجية؟ عموما تنبني الاستراتيجية المتبعة لمواجهة حالات الخصاص من الماء أثناء فترات الجفاف بصفة عامة على ثلاث مرتكزات أساسية، المرتكز الأول يتعلق بالمعالجة الهيكلية للحد من الهشاشة اتجاه الجفاف عبر التخطيط الاستباقي وإنجاز التجهيزات الضرورية لتأمين وتنويع مصادر التزود بالماء، وإنجاز برامج للاقتصاد في الماء خاصة في مجال السقي. والمرتكز الثاني يرتبط بالتدبير الاستشرافي لحقينات السدود بتنسيق مع كل الأطراف المعنية (وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وباقي المعنيين)، فيما يهم المرتكز الثالث المعالجة الاستعجالية باتخاذ إجراءات للحد من الآثار السلبية وتلبية الحاجيات الأساسية أثناء فترات الجفاف. ولابد أن أشير هنا إلى أن بلادنا شهدت خلال الثلاث السنوات الأخيرة ضعفا في التساقطات المطرية، انعكست سلبا على وضعية الواردات المائية وحجم المخزون المائي بحقينات السدود وعلى مستوى الطبقات المائية الجوفية. وفي ظل الظرفية المناخية الوطنية التي عرفتها بلادنا في الآونة الأخيرة، وتفعيلا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تعمل الحكومة جاهدة في إطار تشاركي بين جميع القطاعات والمؤسسات المعنية على إعداد برنامج الإجراءات ذات الأولوية لضمان التزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي. ويضم هذا البرنامج شطرا استعجاليا يقدم حلولا آنية لمواجهة الخصاص في الماء، وتوفير الماء الصالح للشرب بالمناطق التي تعرف اضطرابات في التزود، خاصة بعض المناطق القروية والجبلية. ويهدف هذا الشطر من البرنامج الاستعجالي إلى تفادي حدوث أي اضطرابات خلال الصيف المقبل. كما يضم البرنامج شطرا آخر يهم تسريع الاستثمارات في قطاع الماء عبر تقديم حلول مبتكرة وهيكلية بهدف تعزيز إمدادات مياه الشرب والسقي في أفق 2025 بكل أحواض المملكة. بالإضافة إلى ذلك، وضمن هذه الإجراءات على المدى المتوسط، هناك برنامج تسريع وتيرة الاستثمارات في البينة التحتية المائية، على اعتبار أن أي تأخر في أي منشأة مائية سواء كانت محطة للتحلية أو سد أو محطة لمعالجة المياه، ينعكس مباشرة على تزويد الساكنة، لذلك تم تحديد الأولويات فيما يتعلق بالمشاريع التي يجب الإسراع بتنفيذها في أفق 2025 باتفاق مع الأطراف، وتم تحديدها فعلا وكذا تكلفتها المالية، وسيتم تقديم هذا البرنامج إلى رئيس الحكومة، بالنظر إلى ضرورة تعبئة الاستثمارات اللازمة عبر المالية العمومية وكذا الانفتاح على شركاء آخرين الذين يمكنهم تمويل جزء من هذه المشاريع، ونحن نعلم أن هذا القطاع يتطلب استثمارات ضخمة. ما هي أهم التدابير لترشيد استعمال واستهلاك الماء؟ تتلخص السياسة المعتمدة لترشيد استعمال واستهلاك الماء على وجه الخصوص في مجموعة من التدابير، وأهمها البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه السقي الذي تعزز في مخطط المغرب الأخضر، والذي يستهدف الاستخدام الفعال للموارد المائية والتربة لإنتاج أكثر بأقل ما يمكن من المياه، عن طريق تحويل السقي الانجذابي وبالرش نحو السقي الموضعي على مساحة 550000 هكتار في أفق سنة 2020 و920000 هكتار في أفق سنة 2030، بمعدل 50،000 هكتار في السنة. زيادة على تحسين أداء شبكات توزيع مياه الشرب لتصل إلى 80 في المائة في عام 2025 (كمتوسط وطني). كذلك لابد من إعادة النظر في المنظومة التعريفية، لا سيما في مجال مياه الشرب والمياه الصناعية، لتشجيع الحد من استهلاك المياه واسترداد أفضل للتكاليف، مع إيلاء اهتمام خاص لعدم الإضرار بالشرائح الاجتماعية الفقيرة. هذا إلى جانب تشجيع استعمال المياه العادمة، لتحل محل الموارد المائية التقليدية وحتى الماء الصالح الشرب كلما أمكن ذلك، كما هو الحال في العديد من مشاريع استعمال المياه العادمة لسقي ملاعب الغولف والمساحات الخضراء بدعم من كتابة الدولة في الماء ووكالات الأحواض المائية؛ ويتمثل الهدف في هذا المجال في استعمال حوالي 325 مليون متر مكعب بحلول عام 2030، ثم تعزيز الإطار القانوني بإصدارالقانون رقم 36-15 المتعلق بالماء من أجل إرساء الأسس القانونية لترشيد استعمال واستهلاك الماء واستعمال المياه العادمة، بالإضافة إلى ضرورة إطلاق حملات توعوية وتحسيسية لترشيد استعمال واستهلاك الماء. كيف يمكن معالجة إشكالية تعثر عدد من مشاريع الربط بالماء الصالح للشرب في مجموعة من المناطق؟ في اعتقادي، يمكن معالجة إشكالية تعثر عدد من مشاريع الربط بالماء الصالح للشرب في مجموعة من المناطق عبر إجراءات أهمها، إجراء دراسات دقيقة تشمل جميع الجوانب التقنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية لمشروع الربط بالماء الصالح للشرب بتنسيق وتشاور مع مختلف الفاعلين بما فيهم المستفيدون، ثم تحديد الواجبات والمسؤوليات في إطار تعاقدي مع مختلف الفاعلين بما فيهم المستفيدون، زيادة على وضع مخطط وبرنامج دقيق لإنجاز مختلف العمليات المتعلقة بمشروع الربط بالماء الصالح للشرب، وكذا القيام بعمليات نزع الملكية واقتناء الأراضي اللازمة لإنجاز المنشآت ومد القنوات قبل البدء بإنجاز الأشغال. والمعروف أن مشاريع البينات التحتية كيفما كان نوعها، تعرف مجموعة من المشاكل، وترتبط هذه المشاكل إما بتعرضات الساكنة، كما حدث في مدينة وزان والشاون مثلا حيث استغرق مشروع الماء وقتا طويلا، أو في بعض الأحيان عدم التزام الشركة المكلفة بالإنجاز بدفتر التحملات وما يتبع ذلك من مساطر وإجراءات إدارية تأخذ من الوقت الشيء الكثير، أو ترتبط بمشاكل الدراسات التقنية وغيرها، زيادة على مشكل مسطرة نزع الملكية التي تأخذ هي الأخرى وقتا طويلا، وهذا يعني أن هناك العديد من العراقيل التي تؤدي إلى تعثر أو تأخر إنجاز بعض المشاريع. هذا الوضع لا يقتصر فقط على قطاع الماء، بل يمتد إلى باقي القطاعات خصوصا في مشاريع البنيات التحتية. غير أنه حين تقع هذه الأمور في قطاع حساس كقطاع الماء، بالنظر إلى أهمية هذه المادة في الحياة اليومية للمواطن، لابد أن تظهر بعض الاضطرابات خصوصا في بعض المناطق التي تتواجد بها منشئات مائية قريبة من الساكنة لكنها في نفس الوقت لم تتمكن من التزود بالماء، هذا الوضع طبعا نتفهمه، ونحاول ما أمكن البحث عن حلول لتجاوز هذه الصعوبات. هل يمكن لمشاريع تحلية مياه البحر أن تشكل حلا بديلا لمواجهة الأزمات الناتجة عن العطش، وما هي تكاليفها؟ التوجه نحو مشاريع تحلية مياه البحر أصبح ضرورة حتمية بالنسبة للمغرب لضمان الأمن المائي، لذلك تشكل تحلية مياه البحر بالفعل حلا بديلا وتنافسيا في العديد من مناطق المغرب، نظرا لكون بلادنا تتوفر على شريط ساحلي يمتد على طول 500 3 كيلومتر، وأيضا للتطور الإيجابي لكلفة هذه التقنية. فتقنية تحلية مياه البحر لتلبية مختلف الحاجيات من الماء ليست جديدة. وهي شائعة جدا في المناطق الجافة الفقيرة من حيث الموارد المائية التقليدية في جميع أنحاء العالم. ومن المرتقب أن تلعب تحلية مياه البحر دورا متزايدا بسبب الانخفاض التدريجي لكلفتها الشيء الذي يزيد من تنافسيتها مقارنة مع الموارد المائية الاعتيادية، بل إنها تعد الملجأ الوحيد لسد العجز الحاصل في بعض المناطق. كما أن التطور الذي بات يعرفه قطاع الطاقات المتجددة ببلادنا والإمكانيات التي تتوفر عليها المناطق الجافة في هذا المجال، يوفر فرصا مهمة لاستعمال الطاقات البديلة لتحلية مياه البحر في المناطق الجافة القريبة من السواحل. أما بخصوص تكلفة هذه التقنية فقد انخفضت إلى حوالي 5 دراهم للمتر المكعب في بعض المشاريع الكبرى عبر العالم، غير أن التكلفة تتغير حسب سعة وحدة التحلية، وتكلفة الطاقة، وطريقة الاستغلال، بالإضافة إلى الامتيازات الممنوحة للمستثمر. لكل هذا فإن الأقطاب الحضرية الكبرى المتواجدة على الشريط الساحلي من الضروري أن يتم تزويدها من المياه المحلاة وذلك لضمان أمنها المائي، وحاليا نشتغل على قطب الدارالبيضاء، وسنشتغل على قطب آسفي الجديد، والناظور الدريوش، كما يتم التفكير في قطب طنجة أيضا. وهناك أيضا قطب أكادير الذي انطلقت فيه أشغال إنجاز محطة لتحلية مياه البحر، والحسيمة كذلك، بالإضافة إلى المشاريع القائمة في العيون وغيرها. ولابد من التوجه نحو البحر، حتى تتمكن المناطق الداخلية التي لا تتوفر على منفذ إلى البحر من التزود من السدود، وفي هذا الباب من المتوقع أن يكون سد بمدينة زاكورة جاهزا في سنة 2021، ومن المفروض أيضا أن تكون محطة المعالجة أيضا جاهزة. وفي وزان سيتم الشروع في التزويد خلال السنة الجارية. كيف يمكن استثمار مشاريع التطهير الصحي للحفاظ على مياه الشرب وتقليص استعمال مياه الشرب في سقي المساحات الخضراء؟ يمكن لمشاريع التطهير الصحي، في حال ما إذا انبثقت عن دراسات جيدة تأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب التقنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإمكانات المتاحة، أن تساهم في الحفاظ على مياه الشرب عن طريق خفض كمية الملوثات التي تصل إلى الموارد المائية، واستبدال مياه الشرب المستعملة في كثير من الحالات لسقي المساحات الخضراء وملاعب الكولف، بالمياه العادمة. ويعتبر استبدال مياه الشرب بالمياه العادمة أحد أهم الحلول المقترحة لتقليص استعمال مياه الشرب في سقي عشب ملاعب الكولف، بالإضافة طبعا إلى الحرص على عدم الترخيص لإنشاء هذه الملاعب في المناطق التي تعرف خصاصا في الماء إلا في حالة استعمال المياه العادمة. المغرب مع الأسف، سجل تأخرا واضحا في هذا الجانب، على اعتبار أن أول مقاربة تم الاشتغال بها هي معالجة المياه العادمة ورميها في الوسط الطبيعي، وحين بدأ الاستثمار في مشاريع التطهير الصحي لم يتم التفكير في إعادة توجيه المياه المعالجة لأغراض أخرى، ويتم رميها في الوسط الطبيعي. واليوم ومع التغييرات الحاصلة في هذا المجال، نحن مطالبون بإعادة النظر في هذه المقاربة، ونحن واعون بها، حتى ننتقل من معالجة مياه الصرف الصحي ورميها في الوسط الطبيعي إلى معالجة هذه المياه وإعادة استعمالها، وهو رصيد جد مهم وغير معرض للتقلبات المناخية. الأمر الملح الآن، هو تثمين هذه المياه ومعالجتها وإعادة استعمالها في الأغراض الأخرى كسقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف وغيرها من الاستعمالات الممكنة. وإن كانت هناك انطلاقة ومحاولات اليوم، لكنها تبقى محتشمة بالمقارنة مع الحجم الذي يتم إنتاجه من المياه العادمة. والمغرب اليوم بصدد مأسسة هذا الاستعمال حتى لا تبقى المشاريع المنجزة مشاريع نموذجية فقط، وذلك من خلال إنجاز مشاريع متكاملة ومندمجة.. فعلى سبيل المثال حين يتم التخطيط لإنجاز محطة معالجة المياه لابد من استحضار الجانب المتعلق بإعادة الاستعمال ضمن المشروع. ما هي أدوار شرطة المياه وما قيمتها المضافة لحماية الأمن المائي؟ شرطة المياه ليست جهازا جديدا، ونص عليها ظهير 1925. دور هذا الجهاز هو مراقبة الملك العام المائي والحفاظ عليه وتحصينه، ولا يعني فقط الموارد المائية، بل جميع العمليات المرتبطة بالملك العام المائي. اليوم هذا الجهاز أعطيت له دينامية جديدة. الأساس هو أن المراقبة تعتبر إحدى الركائز الأساسية لترشيد استعمال واستهلاك الماء ولتدبير أمثل ومستدام للماء والملك العمومي المائي بصفة عامة. والمعروف أن كل الإجراءات التقنية، ورغم أهميتها، لن تعطي ثمارها إلا إذا استندت إلى جهاز مراقبة كفئ وفعال. فيما يتعلق بمهام شرطة المياه، فقد أنيط إليها معاينة المخالفات طبقا لأحكام القانون 15-36 المتعلق بالماء ونصوصه التطبيقية وتحرير المحاضر في شأنها، والولوج إلى الآبار والأثقاب وأية منشأة أو تجهيزات أخرى لاستعمال أو استغلال الملك العمومي المائي من أجل المراقبة. وفي حالة التلبس، يقوم أعوان الشرطة بوقف الأشغال، والحجز على الأدوات والأشياء التي كان استعمالها أساس المخالفة. وتنكب كتابة الدولة المكلفة بالماء حاليا بدعم من الوزارات والمؤسسات العمومية المعنية وجهاز القضاء على تعزيز وتفعيل هذا الجهاز، حيث نظم يوم 20 دجنبر 2017 بالرباط يوم دراسي حول شرطة المياه، تم خلاله وضع رهن إشارة أعوان شرطة المياه الوسائل المادية اللازمة للقيام بمهامهم في أحسن الظروف. وبالموازاة مع هذه التدابير ومن أجل وضع الأسس التنظيمية لشرطة المياه وتحديد طرق اشتغالها، يتم حاليا إعداد مشروع مرسوم حول شرطة المياه سيتم عرضه قريبا على أنظار مجلس الحكومة للمصادقة عليه. يتقاطع قطاع الماء مع اختصاصات مجموعة من إدارات ومؤسسات الدولة، كيف يمكن توحيد جهود هذه المؤسسات وتحقيق تنسيق وتكامل بينها وبين اختصاصات كتابة الدولة المكلفة بالماء؟ وضع المغرب إطارا مؤسسيا موسعا، ولديه ترسانة قانونية كاملة إلى حد ما. كما وضع مجموعة من الآليات التي تهدف إلى التدبير المندمج لموارده المائية بطريقة لامركزية وتشاركية. وقد أعطى هذا النمط من الحكامة، الذي وضع على مراحل، نتائج لا يمكن إنكارها. وهذه الحكامة تتحسن باستمرار لسد الثغرات ولمواجهة التحديات الجديدة، وبالتالي إرساء ممارسات الحكامة الرشيدة لقطاع الماء. وبالفعل يتميز تنظيم قطاع الماء بالمغرب بتجزؤ مسؤوليات تدبير المياه بين المؤسسات المختلفة. وهذا التجزؤ لا يشكل في حد ذاته مشكلا ما دامت اختصاصات ومسؤوليات مختلف الفاعلين واضحة، وما دامت آليات التنسيق تشتغل وفعالة وما دامت المؤسسة المعنية بوضع السياسة العامة وبالتحكيم في مجال الماء محددة ومعترف بها. وهذا ما عملت عليه السلطات العمومية منذ الاستقلال ولازالت. وعلى سبيل المثال وعلى صعيد تعزيز آليات التنسيق والتشاور، تم إصدار المرسوم الذي ينظم اللجنة الوزارية للماء سنة 2014، كما أن القانون 36-15 المتعلق بالماء الذي تم إصداره سنة 2016 جاء بتحسينات للإطار التنظيمي والمؤسسي، ولا سيما إنشاء مجالس الأحواض لتعزيز التشاور على الصعيد الجهوي. حاورها حسن أنفلوس