بنكيران مخاطبا رئيس الحكومة: 'يا تلعن الشيطان يا تقدم استقالتك'    فتاة تلقى مصرعها إثر سقوط مروع من سطح منزل بطنجة    المنتخب المغربي ينهي سنة 2024 في المركز14 عالميا    جدل الكرة الذهبية الإفريقية.. حكيمي: لقد أوهموني أنني الفائز!    من داخل مجلس النواب.. الجهر بالتضارب الخطير للمصالح لدى رئيس حكومة المملكة المغربية    ‮«‬خطوة ‬حقوقية ‬جريئة‮..»‬‬ في ‬مسار ‬تعزيز ‬حقوق ‬الإنسان ‬بالمملكة    الخطوط الملكية المغربية تستعد لاستئناف الخط المباشر الدار البيضاء – بكين بتوقيع 16 اتفاقية        المغرب – ألمانيا: التوقيع بالرباط على اتفاقية بقيمة 100 مليون أورو لتمويل برنامج دعم السياسات المناخية    الفرقاء الليبيون يتوصلون إلى اتفاق جديد في بوزنيقة    ماكرون يشكر جلالة الملك على دوره في الإفراج عن 4 فرنسيين محتجزين في بوركينا فاسو    في ‬سياق ‬الدينامية ‬الكبيرة ‬التي ‬تعرفها ‬العلاقات ‬الاستراتيجية المغربية الإسبانية    الإفراج عن أربعة فرنسيين في بوركينا فاسو بفضل وساطة الملك محمد السادس    غدا ‬تنطلق ‬أشغال ‬المناظرة ‬الوطنية ‬الثانية ‬للجهوية ‬المتقدمة    بعد تراجع تحصيل تلامذتنا في العلوم.. هل تحدث الصدمة التربوية؟    الصين: الخطوط الملكية المغربية تستعد لاستئناف الخط المباشر الدار البيضاء – بكين بتوقيع 16 اتفاقية    إيلون ماسك يعلنها رسمياً.."ستارلينك" قريباً في المغرب    بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأخضر"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    عملية جديدة لهدم منطقة عشوائية للسكن وإعادة إيواء الأسر بالبرنوصي    الجديدة.. المصالح الدركية تحبط عمليات لتنظيم الهجرة السرية والاتجار بالبشر    في اليوم العالمي للغة الضاد…مقاربة اللغة العربية من زاوية جيو سياسية    التجمع العالمي الأمازيغي يضرب في نتائج الإحصاء المرتبطة باللغات المستعملة    موتسيبي يقوم بزيارة الدول المستضيفة ل "الشان"    نسج الزرابي فن صامد في المغرب رغم ضعف مداخيل الصانعات    تركيا تدعو المجتمع الدولي لإزالة "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب    من هو نَسيم كليبات الذي تم تَسليمه للسُلطات الإسرائيلية؟    "هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جريمة ضد الإنسانية بحرمان الفلسطينيين من الماء في غزة    بوساطة ملكية حكيمة.. إنجاز دبلوماسي جديد يتمثل في تأمين الإفراج عن أربعة فرنسيين كانوا محتجزين في واغادوغو    المغرب وألمانيا يوقعان شراكة للتزويد بالماء الشروب المتكيف مع المناخ    كيوسك الخميس | خبراء الداخلية يعملون على تقسيم إداري جديد    أعضاء المجلس الإداري لأكاديمية سوس ماسة يُصادقون بالإجماع على برنامج العمل وميزانية سنة 2025    مديرية الأمن تطلق البوابة الرقمية E-POLICE وخدمة الطلب الإلكتروني لبطاقة السوابق    رامي إمام يطمئن الجمهور عن صحة عادل إمام ويكشف شرطًا لعودة الزعيم إلى الشاشة    الوداد بدون جمهور يتحدى الجيش الملكي في القنيطرة    كأس الرابطة الانجليزية: ليفربول يواصل الدفاع عن لقبه ويتأهل لنصف النهاية    بطولة فرنسا: ديمبيليه يقود باريس سان جرمان للفوز على موناكو والابتعاد في الصدارة    أكاديمية المملكة تشجع "محبة السينما" باستضافة الناقد إدريس شويكة    الأندية المشاركة في بطولة القسم الممتاز لكرة القدم النسوية تعلن استنكارها لقرار العصبة الوطنية وتأثيره السلبي على مسار البطولة    فريق مستقبل المرسى ينتزع فوزًا ثمينًا على حساب فريق شباب الجنوب بوجدور        شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    كلمة .. شعبنا آيل للانقراض    لماذا أرفض الرأسمالية ؟    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار    وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حزب البيليكي.. وأزمة السياسة المغربية
نشر في هسبريس يوم 16 - 10 - 2020

انتشر مقطع مصور عن بثٍ مباشر نقلته التلفزة المغربية لبرلماني، ليس ككل البرلمانيين المغاربة، في شخص الوزير السابق الأزمي الإدريسي، موظف وزارة المالية وزعيم من زعماء الحزب صاحب الأغلبية الحكومية، يتحدث فيه الوزير السابق في حكومة السيد بنكيران عن رفضه تمييع النقاش حول التعويضات، ويرفض فيه النقاش التي يثيره المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي والجرائد الالكترونية حول الموضوع.
أثار الفيديو الجدل وأسال المداد وحفزنا على التساؤل حول دور البرلماني في خدمة الشعب، وكيف تنصل الحزبُ الأغلبي من مبادئه الأساسية التي تغنى بها منذ تأسيسه إلى أن حصل على فرصته في الحكم؟ وكيف لا يستطيع الحزب بمرجعيته الإسلامية التي يتفاخر بها أن يصمت كلما مسّ النقاش تعويضات برلمانيه ووزرائه؟ هل كان الغرض في الأساس من ترشح برلمانيه الحصول على الامتيازات؟ والأكثر استفزازاً للنفوس، كيف يخرج برلماني من هذه الطينة بتدخل مباشر يهاجم فيه الذين انتخبوه ويحط من قيمتهم ويدعو إلى محاربتهم، بل والتصدي لهم مستعملاً عبارات متدنية لا تليق بممثل الأمة؟ أهي أزمة حقيقية يعيشها العمل السياسي المغربي أم تفاعل شخصي من برلماني أسالت التعويضات لعابه؟
لقد كان النقاش محتدما منذ عقود حول تعويضات البرلمانيين التي تم إقرارها وفق شروط خاصة خلال فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، ثم لبث النقاش في احتدام عندما صعد الإخوان المغاربة إلى البرلمان واصطفوا في المعارضة بداية سنوات الألفين.
رفض بنكيران الزعيم السابق للمعارضة تعويضات البرلمانيين وتوعد بأن يتخلص منها إذا أصبح يوما وزيراً أول، كان ذلك موقفا شجاعاً من حزب رأى فيه المغاربة البديل فشيعوه ونصروه، وجاء أولاً. حكم بنكيران لولاية كانت قد عرفت الكثير من النقاش والجدل وخرج منها بتقاعد سمين تجاوز راتبه وهو رئيساً للحكومة. قَبِل الزعيم التقاعد بل طلبه، فتنصل لمبادئه وأصاب الشعب بخيبة أملٍ كبيرة.
لا يهمنا هنا شخص بحد ذاته بقدر ما تهمنا شخصية الحزب الحاكم التي تتغير مواقفها ولا تستقر، ففي فترة الربيع العربي الذي شهد فيه العالم احتجاجاً لم يسلم منه المغرب استغل الحزب حركة 20 فبراير التي انبثقت عن النضال في فيسبوك وباركها ثم صعد بسببها إلى سدة الأغلبية الحاكمة، ولما استقر في الحكم نبذها وتبرأ من المؤثرين الذين ساهموا في صعوده وقطع حبل الود بينهما. ولأنه يستغل الفرص فلا تمر زوبعة أو فضيحة من وزرائه الذين ألفوا الفضائح دون أن يستغل ذبابا إلكترونيا يدافع به عن نفسه مستغلاً مواقع التواصل ذاتها. وها هو اليوم يرغبُ في أن يقضي على المؤثرين ويواجههم ويصدهم عن الاستمرار في ممارسة مهمتهم التي لا تتجاوز فضح الممارسات والرقابة على سلوك السياسيين الدنيء وكشف أسرار تعويضاتهم السمينة، هذه الأخيرة التي يرى فيها الحزب الحاكم بقرة حلوبا لا يجب المس بحليبها أو قطعه مهما كانت الأحوال.
تحول فعل السياسة من الدفاع عن مصالح الشعب إلى النضال من أجل مصالح البرلمانيين الشخصية، فالزعيم الأزمي الذي يجمع بين تعويضات البرلمان وتعويضات عمادة مدينته ووظيفته العادية في المالية وغيرها من الامتيازات، لا يرى عيباً في أن يقارن نفسه مع موظف الدولة العادي أو رجل أعمال أو عامل في القطاع الخاص، لأنه ترشح حسب قوله من أجل هذه التعويضات وليس من أجل أن يعمل في سبيل الله. فهل غير الحزب جلده وانسلخ عن مرجعيته؟
يقول الأزمي في المقطع المنتشر إنه ليس هنا من أجل العمل لله، وليس هنا ليعمل ب"بيليكي"، وإن المؤثرين يقومون بتبخيس عمله لأنه قطع حذاءه في الانتخابات كي يصل إلى البرلمان ومن حقه أن يحصل على ما يستحقه من تعويض إسوة بباقي الموظفين في الدولة.
كيف تغير خطاب الحزب ليصل إلى هذه الحدة؟ لا عجب، فالزعيم الأول الذي قبل بأن يحصل على ما يقارب عشرة ملايين سنتيم شهرياً، ليس سوى قدوة لباقي صغار الحزب الذين لا يرون غير التعويضات، والامتيازات التي تظهر على هيأتهم وصورهم التي تغيرت بكثير، محققين تنمية ذاتية لا يشق لها غبار.
وهذه مقارنة بسيطة بين الموظف العمومي وبين المنتخب والبرلماني الذي ساوى الأزمي بينهما على غير علم:
الموظف مستخدم لدى الدولة بموجب عقد والتزام ووفق نظام أجرة ينظمها القانون.
البرلماني والمنتخب يأتي عبر صناديق الاقتراع ولا علاقة له بالوظيفة من قريب أو بعيد ويتعاقد مع الذين انتخبوه ليدافع عنهم وفق برنامج وعود يقطعها لمن صوتوا عليه وليس للدولة.
يتقاضى البرلماني تعويضاً عن الخدمة بينما يتقاضى الموظف أجراً قاراً يتغير وفق سلم الوظيفة.
يلتزم البرلماني بالدفاع عن مصالح الشعب والوطن وأن يقوم بمهمته الاختيارية لأنه يترشح للانتخابات مختاراً وليس مجبراً، وبالتالي فإنه يخضع لقانون خاص لا علاقة له بقانون الوظيفة العمومية.
يعتبر الموظف العمومي من موارد الدولة التي تستغلها لتحقيق مصالحها وخدمة الوطن والمواطن.
يعتبر المنتخب شخصاً أقرب للمجتمع المدني منه إلى السلطة والإدارة وعليه أن يحمي مصالح فئات المجتمع المختلفة ولا يحق له أن يطلب أجراً لأن مهمته تطوعية محدودة في الزمان والمكان، وليست وظيفة أو عملاً قاراً.
يعمل الموظف في القطاع العام والقطاع الخاص بدوام كامل أو جزئي يحصل من خلاله على أجرة يقتطع منها واجب الضريبة وواجبات التقاعد الذي يحصل عليه في سن محدد يبلغ فيه الموظف الستين عاماً. يخضع التقاعد لشروط صارمة ولا يحصل بموجبه إلا على نصف الراتب على أكثر تقدير.
بينما يحصل البرلماني على تقاعد سمين يبلغ سبعة آلاف درهم شهريا على الأقل عند نهاية ولايته دون شروط معقدة وقد يحصل عليه وهو في سن الثلاثين.
يعوض البرلماني عن التنقل والأكل واللباس والإقامة والخرجات والسفريات والوقود والاتصالات.
يعوض البرلماني عن سفرياته للمهمات داخل الوطن وخارجه، وتقدم له الحصانة والامتيازات عطفاً على أجهزة اللوائح الالكترونية وغيرها.
وما خفي أعظم.
بينما يصف البرلماني الأزمي المؤثرين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بالشخصيات التي لا تذر ثروة، ناسيا بذلك أنه أكبر مستهلكي الثروة حيث مقابل كل سنة تشريعية تقدم حصة هزيلة من القوانين والتشريعات والأسئلة الكتابية والشفوية لا يصل عددها في الغالب المائة، بينما يصل شهر واحدٌ من التعويضات ما يقارب المليار دون أن ينتج البرلماني شيئاً، بل يستهلك أكثر منا ينتج.
وفي ظل الجدل يناضل الحزب الحاكم ومن معه وآخرون من أجل الرفع من عدد المقاعد البرلمانية، ولا يتورع في نشر ذلك والحديث عنه أمام الشعب، فهل تحول البرلمان إلى وسيلة استرزاق بدل منصة نضال وسدة تشريع وتدبير للشأن العام؟ وكيف ميّع حزب العدالة والتنمية صورة البرلماني المغربي التي تدنت بكثير؟
فقد الشارع الثقة في السياسة، ويعرف السياسيون ذلك بيقين قاطع، ولا ريب في ذلك، فالحياة السياسية المغربية تحولت إلى حظيرة يسعى فيها كل منتخب إلى الوصول إلى بقرته السمينة ليلتصق بها دون رقيب ولا حسيب، رافضا كل الأصوات التي تزعجه وهو يغط في نوم عميق، ولا يتورع في أن ينام فتنقل الشاشة نومه على المباشر.
وصف الأزمي لعمله بأنه ليس ب"بيليكي" يضعنا أمام واقع يحث على السؤال ويستفز قريحة المتابعين وحفيظهم، بينما يستمر النقاش حول التعويضات والمكاسب المادية، وتقديره بأن لا أحد يعمل من أجل الله وإنما من أجل المال، يعطي انطباعاً عن حياة سياسية بئيسة، وذكره الملك في النقاش لا يستقيم مع المقام، لأن الملك شخصية أكبر من يزج بها في نقاش سياسي حول التعويضات، كيف لا والملك يوجه للبرلمانين انتقاداً في كل مناسبة ويحثهم على العمل والاجتهاد، فيخيب ظنه وظننا جميعاً عند كل امتحان.
ساء حكم الذين يرتدون رداء الخطيب، وهم في حقيقتهم لا يخشون الوقوع في الذنب والرذيلة، وخسئ حكم الذين يظهرون في ثوب الراهب وهم في قرارة أنفسهم منافقون يعبدون المال وينكرون الله، وساء من يستعمل الله في لسانه وخطابه وهو في جوفه يرى الله وسيلة للاسترزاق وسلماً للصعود يقطع وصله به وينكره أمام الملأ، لا لشيء سوى لأنه لم يأت ليعمل من أجل الله ولله وقد كان الدين شعاره وسلمه للوصول.
"مالكم كيف تحكمون"، صدق الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.