يبدو أن وساطة المملكة في عدد من الملفات الإقليمية المعقدة، وعلى رأسها ملفا ليبيا ومالي، أزعجت الجار الشرقي للمملكة؛ إذ هاجم الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، المغرب دون ذكره بالاسم بسبب تدخله الناجح في حل هذه الأزمات. ثالوث العداء بدا الرئيس الجزائري، خلال كلمة ألقاها بمناسبة زيارته مقر وزارة الدفاع الجزائرية، منزعجاً من نتائج حوار بوزنيقة الليبي الذي لاقى ترحيباً دولياً، وقال إن "الحل الوحيد للأزمة الليبية هو انتخابات تشريعية يشارك فيها كل الشعب الليبي"، معتبراً أن أي مبادرة خارج هذا السياق هي "مضيعة للوقت وتسهم في تأزيم الأمور". وبخصوص تطورات الأوضاع في مالي، قال الرئيس تبون: "لا توجد دولة في العالم تعرف مالي مثل الجزائر، نظرا للجوار بيننا"، وتابع: "الجزائر كانت دائماً حاضرة في أزمات مالي قبل أن يسمع أي أحد بوجود دولة مالي..ولا نرغب في أي سيطرة أو توسع إيديولوجي"، في إشارة إلى الروابط الدينية القوية التي تجمع المغرب بالفرقاء الماليين. وهاجم تبون المغرب دون ذكره بالاسم، إذ قال إن "دولة لا تجمعها حدود مع مالي عملت على تقزيم الدور الجزائري بعد الاتفاق الذي وقع في الجزائر العاصمة سابقاً بخصوص إعادة دمج شمال مالي مع جنوبها". ويأتي هذا الهجوم على بعد أيام قليلة من تحرك دبلوماسية الرباط تجاه الأزمة المالية بتعليمات ملكية، إذ قام وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، بزيارة إلى جمهورية مالية التقى خلالها مع الرئيس الانتقالي ونائبه، وكذا مع الوزير الأول الانتقالي، وأيضا مع زعماء دينيين ماليين، منهم بويي حيدرا والإمام محمود ديكو. وجدد الرئيس الجزائري، في كل مناسبة كما عادته، هجومه على ملف الصحراء المغربية، معتبرا أن نزاع الصحراء يدخل ضمن "تصفية الاستعمار". ودعا الرئيس تبون، في كلمته أمام قادة الجيش، إلى "تطبيق قرارات مجلس الأمن بخصوص ملف الصحراء الغربية لإجراء استفتاء تقرير المصير المؤجل منذ نحو ثلاثة عقود، والتعجيل بتعيين مبعوث للأمين العام الأممي وتفعيل مسار المفاوضات بين طرفي النزاع". وأورد المتحدث ذاته: "بالنسبة للجزائر وكل الشعب الجزائري ومؤسساته وجيشه نعتبر قضية الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار، ولا تحل إلا باستفتاء تقرير المصير". ولاحظ الخبير في الشؤون المغاربية والإفريقية نوفل البوعمري أن خطاب الرئيس الجزائري بمقر وزارة الدفاع، الذي دام حوالي عشرين دقيقة، تطرق لثلاثة مواضيع (ليبيا ومالي والصحراء) تُعتبر هي القضايا الإستراتيجية للجيش، مع الأخذ بعين الاعتبار مشروع الدستور الجزائري الذي فتح الباب أمام الجيش للقيام بما أسماه حفظ السلام في البلدان المجاورة. ويرى البوعمري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن خطاب تبون الذي تطرق للنزاعات الإقليمية المجاورة للجزائر، وهي النزاع الليبي والمالي والصحراء المغربية، تمت صياغته بخلفية تعكس الصراع مع المغرب. وأوضح الباحث ذاته أن خطاب تبون حول ليبيا "حاول عرقلة التفاهمات التي حدثت بالمغرب، التي تجد سندها في اتفاق الصخيرات، ثم في ما بعد اللقاءات التي حدثت في بوزنيقة مؤخرا بين مختلف الأطراف، وهو ما جعل من المملكة فاعلا رئيسيا في المنطقة"، وزاد أن "مخرجات حوار بوزنيقة أزعجت النظام الجزائري وجعلته خارج السياق وخارج مختلف التسويات على مستوى الملف الليبي". وبخصوص مالي، استغرب نوفل البوعمري تركيز الرئيس الجزائري على وحدة البلاد وإعلانه الوقوف ضد تقسيمها في مقابل اتخاذه موقفا مغايرا ومناقضا عندما تحدث عن الصحراء، مردفا بأن تبون تعمد المرور إلى الحديث عن نزاع الصحراء مباشرة بعد تطرقه للقضية الفلسطينية، "في رسائل مبطنة تُحاول تشبيه النزاعين، رغم رفض الفلسطينيين أنفسهم مقاومة وسلطة لهذا الإسقاط". جهل بالقرارات الأممية ويرى البوعمري أن الرئيس تبون أبان عن جمود في تحليله لملف الصحراء وعن جهله بالقراءات والمتغيرات الإقليمية المتعلقة بالنزاع، خاصة الأممية منها، مشيرا إلى أن الرجل حاول القفز عليها وتزويرها "إذ ادعى أن الأمين العام الأممي يدعم استفتاء تقرير المصير، وهي مغالطة تعتبرُ تحريفا للوقائع وللتقارير الأممية وكذبا على الأممالمتحدة". وخلص البوعمري، في تحليله لمضمون خطاب تبون، إلى أن كلمته أمام العسكر الجزائري تعكس نوعا من "الانهيار السياسي لهذه المؤسسة، وتجسيدا للوضع المنحصر الذي يعيشه الجيش أمام المتغيرات الكبيرة التي تعرفها المنطقة، والتي جعلته لاعبا هامشيا في الإقليم، خاصة مع الدور الدبلوماسي الكبير الذي يقوم به المغرب". وختم المتحدث تصريحه بتأكيده أن "المغرب يتحرك خارجيا ودبلوماسيا وسياسيا وينزل بكل ثقله للتدخل إيجابيا في النزاعات الإقليمية، مقابل دولة لا تفكر إلا في التحرك العسكري في المنطقة، وهو ما يعارض مبادئ ومقررات الاتحاد الإفريقي وميثاق الأممالمتحدة؛ وبالتالي سيتحول هذا التواجد إلى تزكية للانقلابات العسكرية وعرقلة أي حلول سياسية بالمنطقة".