قال محمد أوزين إن "مجموعة من الرواد والأعلام والزعماء والمشاهير لقوا حتفهم عن طريق الإعدام لأسباب هي اليوم ربما قابلة للجدل، كونها غير مقنعة، بل أحيانا ظالمة في منظور الكثيرين، لكنها كانت كافية لوضع حد لحياة العديد ممن طالتهم عقوبة الموت حسب القوانين الوضعية القديمة". واستعرض الوزير المغربي السابق، في مقال له تحت عنوان "الإعدام"، عددا من الوقائع التي شهدها التاريخ حول عقوبات الإعدام، وأشار إلى أنه مع تلك الأحداث تظهر فئتان، "الأولى ترى في العقوبة قصاصا ورد اعتبار للضحية وذوي الحقوق وعبرة رادعة لمقترفي الجرائم، بل وتعتبر إلغاء العقوبة احتراما لحياة القاتل فقط؛ فيما تتساءل الفئة الثانية حول قدرة العقوبة على وضع حد للجريمة، معتبرة إياها انتهاكا لأهم حقوق الإنسان، وهو الحق في الحياة". وأوضح محمد أوزين أنه "إذا كان ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي يمنع تطبيق عقوبة الإعدام، بل يعد شرطا للعضوية داخله، ما شكل حافزا لمجموعة من الدول على وقف العقوبة، فإن الواقع لا يعكس المعطيات كما سعى إليه ميثاق الاتحاد". وهذا نص المقال: 1 خشي أحد وزراء الخليفة العباسي المعتضد بالله لسان الشاعر أبو الحسن علي بن العباس، الملقب بابن الرومي، فقرر التخلص منه خوفا من فلتات لسانه السليط في الهجو والشتيمة والمسبة. والواقع أن رأس عملاق الشعر العربي كان مطلبا للعديد من الحكام وأولي الأمر آنذاك. استدعي ابن الرومي لأحد المجالس في حضرة الوزير، ودس له سما في حلوى قدمت للضيف. ولما شعر الشاعر العباسي بالسم يسري في عروقه هم بمغادرة المجلس، فسأله الوزير متهكما: "إلى أين يا ابن الرومي؟" فأجابه: "إلى المكان الذي بعثتني إليه"، فرد عليه الوزير ساخرا: "أبلغ سلامي إلى والدي"، فأجابه ابن الرومي: "ليس طريقي النار". توفي ابن الرومي مسموما وبقي وفيا لنهجه وشموخه حتى عند آخر أنفاسه تاركا إبداعا أدبيا وإرثا فكريا صنفه ضمن جهابذة الشعر العربي عبر التاريخ. ليس ابن الرومي وحده الذي لقي حكما ماكرا بالقتل، بل التاريخ يعج بأسماء عديدة لقيت المصير نفسه ولو اختلفت الأسباب والأساليب والأزمنة والعصور، سواء عند العرب أو العجم: القديس جرجس، والقديسة صوفيا، والقديسة عذراء أورليانس جان دارك، والحسين بن منصور الحلاج، أحد أعلام التصوف العربي الإسلامي، وأسد الصحراء عمر المختار، وبعده شانقه موسوليني، مؤسس الحركة الفاشية الإيطالية، والكاتب والطبيب الثوري تشي غيفارا، واللائحة طويلة لا تنتهي. رواد وأعلام وزعماء ومشاهير لقوا حتفهم عن طريق الإعدام لأسباب هي اليوم ربما قابلة للجدل، كونها غير مقنعة، بل أحيانا ظالمة في منظور الكثيرين، لكنها كانت كافية لوضع حد لحياة العديد ممن طالتهم عقوبة الموت حسب القوانين الوضعية آنذاك. رحل هؤلاء لكنهم تركوا نقاشا لم يحسم فيه بعد: إنه نقاش الحق في الحياة وأحقية الحياة. لا يرقى إلى الشك أنه ومنذ القدم طغى على سلوك الإنسان طابع العنف وساد مبدأ القصاص متأرجحا بين قوانين وضعية وشرائع سماوية. وحتى عند مطلع التاريخ سنت قوانين خاصة بإنزال عقوبة الإعدام في جرائم عدة، كالقتل العمد، والسرقة، وقطع الطريق تحت التهديد بالسلاح، وخطف الأطفال. وفي بعض الحضارات أنزلت العقوبة حتى في حق من ضرب الحامل وتسبب في إسقاط جنينها كما نص على ذلك قانون الملك البابلي حمورابي والقانون الأشوري في العصر القديم، وقانون مصر الفرعونية ثم بعده القانون اليوناني، مجسدا بقانون "دراكون" و"صولون"، حاكمي أثينا الشهيرين. في كتابه "30 طريقة للموت: تاريخ وسائل الإعدام في العالم"، استعرض الكاتب المصري ميشيل حنا تفنن الحضارات في إنزال عقوبة الإعدام بطرق لم تخل من ضراوة ووحشية على مرأى ومسمع من الجميع: قديمًا في إيران كان جسم الجاني يغطى بالعسل والحليب ويقدم للفئران طعاما لتنهشه. وفي أسيا كانت الفيلة تتولى تنفيذ الحكم، حيث يثبت الجاني فوق الأرض حتى تدوسه الفيلة الهائجة بأقدامها فتهشم عظامه وتفجر رأسه. وفي الهند كانت تروض الفيلة على تقطيع الأجساد بشفار حادة تثبت على أنيابها. وحتى مطلع القرن التاسع عشر استمرت عقوبة "عجلة كاثرين" أو عجلة التكسير، وهي طريقة استعملها اليونان في القدم، صنفت من أبشع وسائل القتل والتعذيب، حيث يقطع الجسد حتى تبرز العظام. وإبان الثورة الفرنسية اشتهرت المقصلة "guillotine" التي أعدم بها ملك فرنسا لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت في ساحة الثورة المعروفة اليوم بساحة الكونكورد في قلب باريس؛ ناهيك عن أساليب وطرق أخرى كالتمزيق "écartèlement" والغلي والحرق والسحل والسلخ والخازوق "empalement" والتغريق والتعفن والمنشار والدفن حيا وكسر الظهر والإلقاء من أعلى. وفي أمريكا الحديثة استعمل الغاز السام كوسيلة للإعدام يبدو أنها مستلهمة من الطريقة التي استعملها النازيون في عمليات القتل الجماعي للمصابين بالإعاقات البدنية والعقلية، وخلال عمليات التطهير العرقي أو ما عرف بالهولوكوست. وإلى حدود اليوم مازالت بعض الولايات في أمريكا تستعمل الكرسي الكهربائي لتنفيذ عقوبة الإعدام. وبعد مرور قرون عدة على تطبيق العقوبة القصوى "capital punishment" أو عقوبة الموت "death penalty"، وصولا إلى يومنا هذا، فإنها مازالت موضوع جدل بين مؤيد ومعارض في كل المجتمعات، سواء التي أوقفت العقوبة أو التي حافظت عليها. وهنا نجابه فئتين: الأولى ترى في العقوبة قصاصا ورد اعتبار للضحية وذوي الحقوق وعبرة رادعة لمقترفي الجرائم، بل وتعتبر إلغاء العقوبة احتراما لحياة القاتل فقط؛ فيما تتساءل الفئة الثانية حول قدرة العقوبة على وضع حد للجريمة، معتبرة إياها انتهاكا لأهم حقوق الإنسان، وهو الحق في الحياة. وهنا لا يخفي الحقوقيون تخوفهم من التمييز الذي قد يطال تنفيذ حكم الإعدام، في إشارة إلى إخراس الأصوات المعارضة، وبين صفوف الفئات الأضعف، لاسيما في الديمقراطيات الهشة، مستحضرين غياب هامش تدارك أخطاء وزلات المحاكمات. فعقوبة الإعدام بعد التنفيذ لا رجعة فيها ولا مجال لتصحيح عيوب دفوعاتها. كما يذهب الحقوقيون إلى أبعد من ذلك وهم يؤكدون أن عقوبة الإعدام هي تشجيع لثقافة الانتقام وليس إقرارا لثقافة العدل. والمجتمعات التي تنزل حكم الإعدام بالمخالفين، دائما حسب رأي الحقوقيين، ليست أقل وحشية وأقل عنفا من الأعمال التي تدينها قوانينها. في المقابل، يعود طرح الفئة الأخرى ليؤكد أن العبرة بالقصاص: من يزهق روح بريء على غير وجه حق ظلما وعدوانا وجب إعمال السلوك نفسه في حقه حتى ينصف الأهل ويتعظ الآخرون. وتواجه الفئة ذاتها الحقوقيين بنفس المبدأ وهو حق الضحية في الحياة، ناهيك عن مصادرة حق أهله وذويه في حياة قريبهم. ثم كيف يعقل أن يسجن الجاني وهو يأكل ويشرب من جيوب دافعي الضرائب الذين هم أهل الضحية؟. "اتكرفص على ولدي، اغتصبو، وي قتلو، وي حرمو من العيش، وي حرمني منو ونصرف عليه أنا ياكل وي شرب وي تريني معا راسو. إدواز مدة وي طلقوه بالعفو أو حسن السيرة والسلوك كاليك! مزيان تبارك الله".. هذه شهادة لأب وهو يتفاعل مع النقاش الدائر حول عقوبة الإعدام على خلفية واقعة الطفل عدنان بطنجة، والجانب العاطفي للأب يظهر جليا في طرح الرجل.. ويتابع: "هادو لي ضد الإعدام في حق هاذ الوحوش الآدمية بغيت نشوف رأيهم كون وقع لولادهم ولا بناتهوم في عمر ست سنين أو سبع سنين داكشي اللي وقع لولاد بزاف ديال الناس: اللي تخطفو وتغتاصبو وتقتلو. زعما غادي إكولو الله يسامح! غير شدوه شويا في الحبس حتى طلقوه من بعد، وتا سير.!" وإذا كان ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي يمنع تطبيق عقوبة الإعدام، بل يعد شرطا للعضوية داخل الاتحاد، ما شكل حافزا لمجموعة من الدول على وقف العقوبة، فإن الواقع لا يعكس المعطيات كما سعى إليه ميثاق الاتحاد. كيف؟ إحصائيا قرابة 149 دولة، أي ما يناهز ثلثي دول العالم، أوقفت العقوبة. لكن الواقع يشهر رقما آخر يبرز مفارقة غريبة، إذ إن 60% من ساكنة العالم تعيش في دول تطبق فيها عقوبة الإعدام. كيف؟ يكفي النظر إلى الدول الأكثر سكانا (الصينوالهندوالولاياتالمتحدة وإندونيسيا إلى جانب ماليزيا وتايوان وسنغافورة) للوقوف على حجم تهديد عقوبة الإعدام لما يفوق نصف ساكنة المعمور. لا يخفى على أحد أن جدلية عقوبة الإعدام نالت حيزا كبيرا من النقاش العام وعلى منصات التواصل. بل كثيرا ما كانت موضوع استطلاع للرأي العام. في اليابان مثلا أفاد تقرير أنجز خلال خمس سنوات الماضية أن 80% من اليابانيين يؤيدون عقوبة الإعدام، ما أرغم وزارة العدل على تبني موقف غالبية الشعب الياباني الرافض لإلغاء العقوبة؛ وهو ما يفسر عدم توقيع اليابان ومصادقتها على البروتوكول الثاني الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ومع ذلك مازالت هناك أصوات وحساسيات وسط المجتمع الياباني ترافع من أجل "عقوبة السجن المؤبد الثقيل"، بدون أي إمكانية للتأهيل أو إفراج مشروط كبديل لعقوبة الإعدام. هو جدل عبر التاريخ محوره الإنسان، وضحيته الإنسان جانيا كان أو مجنيا عليه. آراؤنا شتى والنازلة واحدة، واختلافنا إليها يشير. 2 "صبي اسمه ويل من شمال تكساس لم يعرف والده أبدا، غادر الأب المنزل وهو مازال جنينا في بطن أمه.. تربى على يد أم عازب تعاني من أمراض نفسية.. تعرض الصبي لمحاولة قتل بسكين على يد أمه وعمره لا يتجاوز 5 سنوات، بعدها اعتقلت الأم ووضعت في مصحة للأمراض العقلية..عاش الصبي مع أخيه الكبير بضع أعوام قبل أن يقدم هذا الأخير على الانتحار بوضع رصاصة في رأسه بكل برودة.. ظل الصبي يتنقل من عائلة إلى أخرى حتى بلغ سن التاسعة، بعدها انضم إلى عصابة إجرامية وسخر في تنفيذ جرائم بشعة كانت عقوبتها الإعدام". هذه شهادة للكاتب والباحث والمحامي الأمريكي David R. Dow، وهو خبير ومهتم بعقوبة الإعدام، قضى عشرين سنة كمحامي دفاع لعقوبة الإعدام، وأصدر مجموعة من الكتب ذات صلة بالموضوع، جديرة بالقراءة، أهمها كتاب "أعدم على أساس تقني" (Executed on a technicality)، وكتاب "السيرة الذاتية لحكم بالإعدام" (The Autobiography of an execution)، وكتاب "أشياء تعلمتها لحظات موتي" (ThingsI'velearnedfromdying)، ومؤلف "اعترافات رجل بريء" (Confessions of an innocent Man). يقول ديفيد آر دو: "في تكساس وخلال السنة العادية يتم إعدام شخصين كل شهر، وأحيانا يتم إعدام 40 شخصا في السنة. الغريب أن هذه الأرقام لم تعرف انخفاضا ملموسا خلال 15 سنة المنصرمة، مع العلم أنه وفي وقت يتم إعدام نفس عدد الأشخاص سنويا، لوحظ انخفاض عدد المحكوم عليهم بالموت بشكل ملموس، الأمر الذي يجعلنا أمام ظاهرة متناقضة ولا يمكن ربطها بانخفاض معدل الجريمة، وهنا لا نملك إلا خلاصة واحدة: القضاة أصبحوا يصدرون أحكاما بالسجن المؤبد بدلا من عقوبة الموت"... وهنا يتساءل الخبير عن نسب تطبيق القانون في نوازل متشابهة، ولا يجد لها تفسيرا سوى تحيز القضاة للحياة. مستدلا بانخفاض نسبة العقوبة إلى 60% من القضايا المعروضة على القضاء مقارنة مع العقود السابقة، إذ كانت نسب إصدار العقوبة عالية جدا. وحسب بحوث المحامي الأمريكي فإن 80% من المحكوم عليهم بالإعدام هم أشخاص نشؤوا في بيئة مختلة؛ إنهم ضحايا مجتمع، وهذا ليس تبريرا لجرائمهم البشعة، وإنما محاولة لفهم دوافع هذا السلوك، وهو ما يحيلنا على نقاش آخر: الحكم بالإعدام هو نهاية قصة، لكن هل تساءلنا ماذا حدث قبل أن تبدأ القصة؟ بمعنى كيف نتدخل في حياة قاتل قبل أن يصبح قاتلا؟ وما هي الخيارات المتاحة لتجنب ما يعتبره أنصار ومعارضو الحكم بالإعدام، على حد سواء، عملا شنيعا، أي اغتيال إنسان بريء؟. ثم يعود الخبير إلى قصة موكله ويل متسائلا كم خيارا أضعنا قبل أن يصبح ويل قاتلا؟ عندما كان جنينا في بطن والدته، في بداية طفولته، عندما كان في المدرسة الابتدائية، بعد تعرضه لمحاولة القتل على يد أمه، بعد وضع أمه في مستشفى الأمراض العقلية، عندما انتحر أخوه الأكبر، وبعد دخوله نظام الأحداث القضائي... كلها مراحل حاسمة وحساسة كان لا بد من تدخل المجتمع لاحتوائها، لكننا لم نفعل شيئا، وتركنا الطفل تتقاذفه أمواج الضياع، والحرمان والعنف، فصنع منه إهمالنا وحشا ضاريا لا يعرف الرحمة، كونه تعلم ونشأ على القساوة بدلها؛ وهو بذلك ليس إلا نتاجا لهفواتنا وعدم توفير العناية بالطفولة المبكرة لأبنائنا في وضعية صعبة. إذن المجتمع الذي نشأ فيه ويل يتحمل المسؤولية كاملة، لأنه لم يحرك ساكنا قبل حدوث ما سيتفق الجميع على وصفه لاحقا بالعمل السيئ، يورد الخبير، مضيفا أن ويل لم يكن استثناء للقاعدة، بل هو القاعدة في حد ذاتها. هناك رابط مشترك بين كل هذه الأشياء، بحيث يسوق آر دو صورة للمعاملات التجارية في محاولة لتقريب الصورة.. عندما يقولون لك: "حسنا، يمكنك أن تسدد المبلغ الآن، أو أن تدفعه لاحقا"..هذا تماما ما يحصل في نظام حكم الإعدام، بحيث نصر على أن ندفع الثمن لاحقا وطبعا بكلفة أكبر، فعن كل 15.000 دولار ندفعها عند التدخل في حياة الأطفال المحرومين اجتماعيا ندخر 80.000 دولار من التكاليف المتعلقة بالجرائم. وهنا يتضح بجلاء مغزى التدخل المبكر لتفادي الكلفة العالية اجتماعيا واقتصاديا. نال الحديث عن الإعدام نصيبا كبيرا من النقاش العمومي بعد واقعة عدنان. والملاحظ أنه بقدر ما تم التركيز على العقوبة بقدر ما ثم إهمال التفاعل حول مصير الطفولة والأسرة، أو على الأقل غاب التوازن في تناول جوانب النازلة.. شئنا أم أبينا، نحن اليوم نجني ثمار الاختلالات التي تعرفها هذه المنظومة الجوهرية التي هي عماد المجتمع. وهنا من حقنا التساؤل: ماذا قدمت قوانيننا للأسرة والطفولة؟ الجواب: مؤسسات عدة تعنى بالطفولة لكنها متشتتة وتشتغل بمنطق كلها يلغي بلغاه. منحنا للطفولة عناية الواجهة فقط، غاب المضمون وغابت الفعالية والنجاعة، وغابت الطفولة معهما. مؤسسات لا تعد ولا تحصى: مراكز حماية الطفولة التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة، وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، وزارة العدل والحريات، وزارة التربية الوطنية، وزارة الصحة، وزارة التشغيل، وزارة الداخلية؛ ناهيك عن المؤسسات الرسمية التابعة للقطاعات: التعاون الوطني، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤسسة الوسيط، الهيئات القضائية المختصة بقضايا الأحداث، المرصد الوطني لحقوق الطفل، العصبة المغربية لحماية الطفولة، برلمان الطفل، المجلس الجماعي للأطفال واللائحة طويلة وبدون فائدة بالنظر إلى وضعية الطفولة في بلدنا، وهذا ليس تبخيسا لعمل المؤسسات، وإنما تقييم لعناد واقع يسائل جدوى وأثر هذه المؤسسات. سبق أن اقترحنا بل ورافعنا من أجل وضع إطار خاص واحد وموحد يعنى بالطفولة، لكنه ظل حبيس الرفوف منذ أكثر من خمس سنوات، ليتم إقباره في ما بعد، وسبق أن نبهنا إلى أن وضعية الطفولة في مراكز حمايتها لا تبعث على الارتياح، ولا يمكن لغيور أن يشعر بالفخر بوضعية أطفالنا داخلها، ولم يحرك أحد ساكنا. لكن البرلمان أزبد وأرغد عندما نزل تقرير لمنظمة أجنبية ينبه إلى خطورة الأوضاع داخل هذه المراكز. هو منطق مطرب الحي لا يطرب، ولو على حساب الطفولة التي هي المستقبل والأمل. تقول الحكمة القديمة: "لا يجب أن نثق في إنسان لم نر في عينيه طفولته"، فهل غابت الطفولة عن أعيننا؟ فالطفولة مرحلة وسطى بين الملائكة والبشر كما عبر أحدهم عن ذلك. لكن السؤال لا يكمن في المسافة بين الملاك والإنسان، وإنما بين الإنسان والمجهول.. (يتبع)