إعلاميّ، حقوقيّ، سياسيّ، مِن مؤسّسي الدراسات الأكاديمية في الإعلام بالمغرب، كانَه الفقيد محمد طلال، الذي ووري جثمانه الثرى بمدينة الدارالبيضاء. وأشرف الفقيد، في مساره الأكاديميّ، على تخريج أجيال من الصحافيين المكوَّنين بالمغرب، وكان لأزيد من عقد مديرا للدّراسات بالمعهد العالي للصحافة بالرباط (المعهد العالي للإعلام والاتصال حاليا)، كما كان مديرا عاما للمعهد العالي للصحافة والاتصال بالدارالبيضاء. وكان محمد طلال مسؤولا في شبيبة الاتحاد الوطنيّ للقوّات الشّعبيّة، وقادَه عمله في إطارها إلى منفى اختياري هو الجزائر، حيث درس الصّحافة وبدأ ممارستها في التلفزة الجزائرية ووكالة أنبائها، قبل أن يعود في سنة 1979 إلى المغرب، ليكون من اللّبنات الأساسية التي شكّلت معالم التكوين الإعلامي الأكاديميّ، بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، بالمغرب ومجموعة من الدول العربية التي كان أستاذا زائرا بمعاهِدها وجامعاتها. مِن أعمدة التكوين الإعلاميّ الأكاديميّ يقول محمد الغيداني، باحث إعلاميّ، إنّ محمدا طلال من مؤسّسي المعهد العالي للصحافة، المؤسسة العمومية التي كوّنت أجيالا من الصحافيين ورجال الإعلام، وكوّنت أسماء تحملت بعد ذلك مسؤولية مجموعة من وسائل الإعلام، وشاعت أسماؤها في عدد من المنابر الإعلامية العربية والعالَمية. ويزيد المتحدّث: "عرفنا فيه الإنسان والأستاذ، لإشرافه على تكويننا الأكاديميّ؛ فقد كان إنسانا عطوفا على العديد من الطّلبة بالمعهد، وكان سندا إنسانيا لهم، وهو واحد من مؤسسي الدراسات الإعلامية والصحافة الخاصّة بالمغرب". كما يذكّر الغيداني بإصدار الراحل مجموعة من المؤلَّفات، في مجالات مختلفة؛ من بينها كتابه "الاتصال في العالَم العربيّ.. قضايا ومقاربات". وفضلا عن لقائه به سنة 1979 عندما ولج المعهد، وهو لا يزال موزّعا على ثلاث بنايات، يتذكّر المصرِّح ظفره بجائزة أحمد بلافريج للصحافة، التي أسَّسها الراحل، رفقة جريدة العلم، وكانَ محمد طلال في لجنة تحكيمها إلى جانب عبد الجليل لحجمري، مدير المدرسة المولوية أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية حاليا، والفقيد عبد الجبار السحيمي، رئيس تحرير جريدة العلم. وبعد رحيل محمد طلال، يعزّي محمد الغيداني "أسرة الصحافة والإعلام"، في "فقدان أحد أعمدة الصحافة والتكوين الأكاديمي في الإعلام بالمغرب". مِن مجدّدي الصّحافة بالمغرب يقول التهامي النجار، باحث صهر الفقيد، إنّ محمدا طلال كان "من خيرة من رأى في ميدان الصحافة، وأعطى المغرب الكثير، وخرّج أجيالا من الصحافيين في الرباطوالدارالبيضاء، وكان يقدّر الشّباب، ويلتقي بهم، ويساعدهم". ويشهد النجار، في تصريحه ل هسبريس، على مسار الفقيد محمد طلال قائلا: "كانت له رؤية تجديدية للصحافة المغربية، التي لَم تكن أكاديميّة آنذاك، وبفضله رأينا، ونرى، وجوها جديدة"، ثم يزيد: "لقد كان مِن مُحدِّثي الصحافة بالمغرب". بدوره، يتحدّث محمد عبد الوهاب العلالي، أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، عن "الرجل الوديع، الهادئ، المفكر صاحب النصيحة" الذي كانَه محمد طلال، ويضيف: "كان فاعلا ومساهِما عندما كان يشرف على إصدار مجلة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، وهو مشروع استمر فيه عندما أقام معهدَه الخاص وأصدر مجلة متخصّصة في الإعلام". ويزيد العلالي: "عطاؤه كبير مِنه ما هو منشور في الدراسات التي كان يصدرها المعهد، في المجلة التي يمكن القول إنّ بصماته كبيرة فيها"، وهي مجلة "بفضل علاقاته، وطبيعة الصلات التي ينتجها بين الباحثين، وصرامته في العمل، تمكّنت من الاستمرار فترة طويلة، وبعد مغادرته للمعهد لَم نتمكّن إلى الآن من إصدار مجلّة شبيهة لها". ويجمل الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال قائلا: "شكّل محمد طلال إحدى علامات المشهد الإعلاميّ المغربيّ الأكاديميّ في فترة دقيقة من التاريخ المعاصر، وصولا إلى الآن". إعلام ونضال يتذكّر الصافي الناصري، صحافيّ مغربيّ، حرص الفقيد محمد طلال على انفتاح المعهد العالي للصحافة، في تكوينه، على النخبة في البلاد السياسية والثقافية والرياضية، واستضافته طيفا واسعا من النخبة؛ ما أعطى إمكانية التواصل بين الأجيال. ويعود الناصري إلى سلسلة الحلقات التي حاور فيها الفقيد، قائلا: "استعدتُ، أخيرا، الحوارات التي أجريتها معه، واستمتعت واستفدت كثيرا من الحلقة الأولى، ولو أني أنجزتُها، حيث عاد بنا إلى الخمسينيات والستينيات، في درب السلطان، والحركة الوطنية والمقاومة، وكيف التحق بالعمل السياسي، وعلاقته بالفقيه البصري، كشاب نشيط في الشبيبة الاتحادية، كلّفه بإعادة تنظيم الشبيبة، وأن يكون مداوما رسميا بمقر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية". ويزيد الصافي الناصري: "في هذه المرحلة، اتصل محمد طلال بعبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون، وتواصل مع القيادة والقاعدة، واستقطب عددا من الشباب من خلال "جمعية الوعي الثقافي"، التي تخرّج منها عدد من القياديين، النقابيين والسياسيين والمحامين". ويذكّر الصافي الناصري بالتحاق الفقيد بالجزائر لدراسة الصحافة، ثم الفترة التي صعب عليه فيها العودة إلى المغرب خوفا من الاعتقال، وسهّل فيها عيش مجموعة من القيادات الاتحادية والمغاربة في الجزائر، إلى أن عاد في السبعينيات، والتحق بالمعهد العالي للصحافة، مديرا للدراسات. ويركّز المتحدّث على "اشتغال الفقيد كثنائي مع الأستاذ الكبير محمد الإدريسي العلمي المشيشي"، مستعيدا ما قاله المشيشي في حوار معه: "محمد طلال توأمي وأخي الذي لم تلده أمي". ثم يزيد الصافي الناصري: "هما حقيقة مَن بنى المعهد العالي للصحافة، الذي لَم يكن به أساتذة مرسمون، بل كان فيه أساتذة زائرون فقط، واتصلوا بمجموعة من الأساتذة والشباب الذين أطروا بعد ذلك المعهد". ويقدّم الناصري مثالا على فضل الفقيد على المشهد الإعلامي ومشهد الدراسات الأكاديمية في الإعلام والتواصل بالمغرب، بعمله على إرسال طليعة كلّ فوج مِن المكوّنين بالمعهد للدّراسة في الخارج، معدّدا أسماء أتّمت دراستها في هذا السياق، منها: محمد عز الدين المنصوري، المدير المساعد في الشؤون البيداغوجية والدراسات بالمعهد، وعبد الوهاب الرامي، أستاذ بالمعهد، وعبد الرحيم السامي، أستاذ بالمعهد، ولطيفة أخرباش، رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وعبد اللطيف بن صفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال. وفي ختام تصريحه ل هسبريس، يقول الصافي الناصري: "لمحمد طلال يدٌ بيضاء على الإعلام المغربيّ، والجميل أنّه استمرّ متواضعا، منفتحا على الحوار، لطيفا، ودودا، إلى آخر أيامه".