بهدف عصرنة اقتصادها الجهوي، وبمبادرة ملكية استمدت مرجعيتها من الخطاب التاريخي لوجدة بتاريخ 18 مارس 2003، عرفت جهة الشرق تنزيل مجموعة من المخططات القطاعية بترابها وإنجاز مجموعة من البنيات التحتية والمشاريع المهيكلة، التي أعاق غيابها مسلسل التنمية لسنوات. وتعتبر هذه البنيات من أولويات الإقلاع الاقتصادي لكل مجال ترابي. وتمحورت المبادرة الملكية لتنمية جهة الشرق حول أربعة مرتكزات: • تحفيز الاستثمار والمقاولات الصغرى والمتوسطة. • تزويد الجهة بالتجهيزات الأساسية. • إعطاء الأولوية لمشاريع اقتصادية هامة. • النهوض بالتربية والتأهيل وتفعيل التضامن. وعرفت الجهة استثمارات فاقت 100 مليار درهم مكنت من التحسين والرفع من الناتج الداخلي الخام الذي انتقل من 26,2 مليار درهم سنة 2003 إلى 48,9 مليارات درهم سنة 2016. وتوزعت هذه الاستثمارات كما يلي: • البنيات التحتية بحوالي 60 مليار درهم. • القطاعات المنتجة ب 30 مليار درهم. • الخدمات الأساسية والاجتماعية 10 مليارات درهم. • المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. إن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمجال الترابي الحدودي لجهة الشرق تستوجب سياسة من الحكومة المغربية، لأن المجهودات المبذولة من طرف الدولة المغربية مكنت من إنجاز البنيات التحتية الضرورية للإقلاع الاقتصادي والاجتماعي، لجهة اعتبرت رمز التهميش والإقصاء لعقود سابقة، ولكن بعد عشرية من المنجزات بعد الخطاب التاريخي لجلالة الملك نصره الله بوجدة بتاريخ 18 مارس 2003، الذي شكل نقطة تحول في تاريخ الجهة، تغير الواقع بعد تمكين الجهة من مجموعة من المشاريع المهيكلة التي ساهمت في رفع جاذبيتها وبوأتها مكانة خاصة على غرار جهات المغرب الأخرى. إن الحصيلة الإيجابية من البنيات التحتية الطرقية والأقطاب الصناعية والفلاحية والمرافق التعليمية والصحية لم ولن تحجب عن ساكنة الجهة أثر أزمة الإغلاق التام للحدود، وتوالي سنوات الجفاف والإغلاق التام لمناجم جرادة وسيدي بوبكر وتويسنت. فاقتصاد الشرق ودخل ساكنته ارتبطا لعقود من الزمن باقتصاد الحدود ومداخيل المناجم، وبإغلاقها تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالجهة. إن المؤشرات الترابية من نسبة البطالة، التي فاق معدلها بالجهة 24,6%، حسب آخر مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل بالمغرب خلال الفصل الثاني من سنة 2020، وهي نسبة تفوق مرتين المعدل الوطني، تشكل مصدر قلق مع ضعف مساهمة النسيج الاقتصادي الجهوي في الناتج الداخلي الخام، في ظل انخفاض الاستثمار العمومي الموجه إلى جهة الشرق مقارنة مع الجهات الأخرى. وللأسف فجهة الشرق رغم الاستثمارات العمومية المهمة لم تقو على تحسين مؤشراتها الاقتصادية، وخاصة ناتجها الداخلي الذي يراوح مكانه؛ فالجهة حسب آخر مذكرة حول الحسابات الجهوية لسنة 201، الصادرة شهر شتنبر الحالي، حققت ناتجا داخليا إجماليا حجمه 22832 مليون درهم، أي بنسبة 4,9%، محتلة بذلك المرتبة 8 من بين 12 جهة. إن المساهمة المتواضعة لاقتصاد جهة الشرق في النتاج الداخلي الخام الوطني لن تساهم في فك لغز البطالة وإخراج الجهة من عزلتها الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة مع أزمة كوفيد 19؛ فالجهة التي تعرف معدل نمو ناتجها الداخلي بنسبة لا تتجاوز 4,2%، حسب مذكرة الحسابات الخصوصية لسنة 2018 سالفة الذكر، ولم تتجاوزها خلال العقد الأخير، تحتاج إلى ثورة اقتصادية وفر جلالة الملك أسسها منذ سنة 2003 بفضل البنيات التحتية الصناعية والاقتصادية والطرقية المحدثة. والواقع اليوم يسائل المجالس المنتخبة، وخاصة مجلس جهة الشرق، مادامت التنمية الاقتصادية تدخل ضمن اختصاصاته الذاتية حسب المادة 80 من القانون التنظيمي 111-14 التي تنص على ما يلي: "تناط بالجهة داخل نفوذ دائرتها الترابية مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة". وتضيف المادة 82 من نفس القانون: "تشتمل الاختصاصات الذاتية للجهة في مجال التنمية الجهوية على الميادين التالية: التنمية الاقتصادية...الخ". يبدو أن الحكومة المغربية تنازلت عن دورها في التنمية الجهوية ومحاربة التفاوتات المجالية لفائدة مجالس الجهات، وذلك في إطار ورش التنمية الجهوية، ولكن يبقى السؤال المطروح: هل نحن اليوم أمام جهوية إدارية أم جهوية اقتصادية؟. في ظل الأزمات تتدخل الحكومات لتحقيق العدالة الاجتماعية، وخاصة في انتظار جهوية حقيقية. واليوم تدخل الحكومة بجهة الشرق أصبح أولوية ملحة للتخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية والمجالية بين عمالة وأقاليم شمال الجهة وجنوبها؛ ففي وقت تبلغ الكثافة السكانية 321,9ن/كلم2 بوجدة أنجاد، و175,5ن/كلم2 بالناظور و145,7ن/كلم2 ببركان، فهي لا تتعدى 2,5 بفجيج و12,5 بجرادة؛ وهذا ما يفسر نسبيا التفاوتات المجالية نتاج ضعف البنيات التحتية الضرورية بالجماعات الترابية لجنوب جهة الشرق ومناطقها القروية الحدودية. إن الجهوية الاقتصادية لم تواكب الجهوية الإدارية بمفهومها الانتخابي، إذ مازالت التنمية الاقتصادية فلسفة قانونية وضعها المشرع ولم يفعل مضمونها الفاعل الجهوي، مع وجود مجموعة من الإكراهات. وإن تمركز 70% من ساكنة جهة الشرق بعمالة وأقاليم شمال الجهة (وجدة أنجاد- الناظور- بركان - تاوريرت) وتوزيع 30% من الساكنة المتبقية على أربعة الأقاليم (الدريوش - جرسيف- جرادة وفجيج) نتاج توطين الاستثمارات في شمال الجهة على حساب جنوبها، ما يشكل أحد مظاهر التباينات المجالية التي تشهد على التفاوتات في مجال البنيات التحتية والخدمات الأساسية وفرص الشغل. هذه التفاوتات لا تشكل فقط أثرا على مستوى عيش الساكنة المعنية، وعلى نزوحها نحو المدن الكبرى، ولكن تشكل خطرا إستراتيجيا على أمن الدولة المغربية، لأن تلك التفاوتات المجالية تعاني منها الجماعات الحدودية من فجيج إلى السعيدية، وهذا ما يستدعي سياسة إرادية عاجلة لتحقيق التوازن المجالي وإرساء أسس تنمية متوازنة تضمن العدالة الاجتماعية لساكنة الجهة وتخفف من حدة الفوارق المجالية. إن الحل يمكن في قدرة الفاعل الجهوي على بلورة نموذج اقتصادي يخلق الثروات ويوفر فرص الشغل، وهو ما يستوجب هندسة ترابية مبتكرةIngénierie territoriale innovante. إننا اليوم أمام امتحان بناء جهة شرقية دامجة Région inclusive منتجة للثروة ومستقطبة للاستثمارات الخاصة، وموفرة لفرص الشغل للشباب. الأمر يستدعي بناء نموذج اقتصادي خاص بالجهة، يستمد مرجعيته من مؤهلاتها الترابية ومواردها البشرية. *دكتور في الاقتصاد الجهوي والتنمية الترابية