صدر حديثا للباحثيْن المغربيين في تاريخ المغرب والأندلس محمد رضا بودشار ومحمد عبد المومن، كتاب عن دار النشر "باب الحكمة" بعنوان: "الأندلسيون الهورناتشيون من المراقبة إلى العقاب"، يشمل 216 صفحة من القطع المتوسط، تتضمن دراسة وترجمة ل 36 وثيقة تغطي المرحلة الزمنية من 1502 إلى 1640. ويشمل الكتاب ترجمة ودراسة لوثائق من الأرشيف الإسباني، تسلط الضوء على الماضي الأليم للجماعة الأندلسية المسلمة المنصّرة التي عرفت ب"الموريسكيين"، وتنبش في مختلف تفاصيل حياتهم وتفاعلاتهم المحلية والدولية مع الإخوة والأعداء، منذ بداية التنصير إلى غاية الطرد. وقال محمد رضا بودشار، في تصريح لهسبريس، إن "الكتاب ينقسم إلى قسمين، يشمل أولهما دراسة لمجموعة نصوص ووثائق إسبانية تتطرق إلى أشكال مراقبة هذه المجموعة البشرية وعقابها"، و"القسم الثاني يضم ترجمة لوثائق إسبانية – مسيحية، باعتبارها المصادر المعول عليها في هذا المطمح"، في ظل انكفاء الوثائق العربية المعبرة عن المرحلة. وعزا المتخصص في تاريخ المغرب والأندلس ندرة الوثائق العربية التي تتناول المرحلة، باستثناء شذرات قليلة، إلى "الحصار الذي فرض على مسلمي الأندلس بعد سقوط غرناطة، والخنق الثقافي الذي عانوا منه بسبب ما مورس عليها من مراقبة وعقاب"، إلى جانب اضطراب الأوضاع العامة وطبيعة حيوات الناس وقتئذ، ما حال دون وجود تدوين أندلسي للمرحلة. وأشار بودشار إلى أن هذه الوثائق رغم أنها تعبر عن رأي وتجربة الطرف الفاعل في مأساة الأندلسيين المنصرين، غير أنها "تحمل صوت ذلك المقصي والمضطهد، بل والمعذب والمعاقب والمطرود، وكأننا من خلالها نقف أمام صوتين، صوت حامل وصوت محمول، صوت رئيسي مهيمن، وصوت ثانوي مقاوم ومناوئ". واعتبر أن "هذه الوثائق تقدم للقارئ العربي ذخيرة توثيقية، ومادة خصبة للدراسات والبحث، أو للتأمل والاستفادة الأدبية والتاريخية"، وفق قوله، مشيرا إلى أن نشرها مصحوبة بدراسة يرمي إلى "تقريبها إلى الأفهام والمدارك"، مشددا على أهمية الأرشيف الإسباني لرصد تفاعلات الأندلسيين الهورناتشيين، وأشكال التعامل والتفاعل مع المناطق الأخرى. ويرى المصدر ذاته أن الاختلاف الذي ميز تلك الجماعات الأندلسية المضطهدة وسم إقامتها بإسبانيا من حيث التضامن والاتحاد، "وهو ما جعل الدولة الإسبانية ومؤسساتها تستشعر خطورته"، مضيفا أنه وسم كذلك "استقرارها بالمغرب الذي انتقلت إليه انتقالا جماعيا، فحملت إليه تراثها الثقافي والنضالي في الآن نفسه"، منوها بأهمية الأرشيف الإسباني لحفظ تاريخ الأندلسيين المتأخرين منذ بداية التنصير إلى غاية الطرد. وختم بودشار تصريحه لهسبريس بالقول: "هذا الأرشيف يعبر عن سلطة الغالب والمغلوب، وعن التفوق المادي للدولة الإسبانية على ردود الفعل وأشكال التقية والتخفي لهذه المجموعات الأندلسية المنصرة، وفي مقدمتها الهورناتشيون الذين شكلوا جماعة شديدة الاتحاد والتحدي، أرهقت إلى حد كبير أجهزة الدولة والكنيسة".