تحاول الجزائر الاستحواذ على عدد من رموز الرأسمال غير المادي المغربي؛ فبعد الجدل الذي أثير على مستوى الحكومتين المغربية والجزائرية بخصوص الكسكس، حين اعتبر رئيس الحكومة الجزائرية السابق أحمد أوحيى أن الكسكس له أصول جزائرية وليس طبقا مغربيا، يتعرض فن الملحون المغربي لهجمات من الطرف الجزائري للاستيلاء عليه، دون أن يبدُر أي تحرّك من الجهات المغربية المعنية لحمايته إلى حد الآن. وينادي عدد من المهتمين بالشأن الثقافي والتراث غير المادي بالانتباه إلى ما يتعرض له التراث المغربي الأصيل من محاولات للتزييف أو "السرقة" من طرف الجزائريين، حيث أصبحت قصائد الملحون التي أبدعها شعراء مغاربة على مرّ العصور تُدخل إلى المختبرات الجزائرية وتُنسب إلى شعراء جزائريين، في الوقت الذي حدث فيه تراخٍ في تجميع قصائد هذا الفن وتدوينها في دواوين لصيانتها وحفظها من القرصنة ضمن مشروع "موسوعة الملحون". ويظهر أن استهداف بعض الجهات الجزائرية لفن الملحون المغربي ليس محاولات معزولة، بل عملا منظما تم التخطيط له على مستوى الدولة الجزائرية في إطار الصراع السياسي مع المغرب؛ إذ انطلقت أولى محاولات تهجير الملحون المغربي إلى الجارة الشرقية للملكة بعد الاهتمام الذي أولاه له القصر منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، واستفحلت المحاولات أكثر مع اهتمام الملك الحالي بالموضوع. وكان الملك محمد السادس قد وجه رسالة بتاريخ 10 مارس 2010 إلى أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية السابق، عبد اللطيف بربيش، بعد إنجاز الأكاديمية للجزء الرابع من موسوعة الملحون المغربي ضمن سلسلة التراث المغربي. وجاء في رسالة الملك محمد السادس أن شعر الملحون، "كان للشعراء والزجالين المغاربة باع طويل فيه على مدى العصور الأخيرة، تعبيرا عن الشخصية المغربية، والتغني بما يختلج في نفوس المغاربة من مشاعر دينية ووطنية وعاطفية، فكان لهذا الملحون، في تعبيره المباشر ولغته الشعبية، دوْره الأدبي والحضاري في تشخيص الوحدة والتعلق بثوابت الأمّة ومقدساتها". المحاولات المتواصلة للجهات الجزائرية المستهدِفة لفنّ الملحون المغربي ازدادت ضراوة بعد إقدام أكاديمية المملكة المغربية، بتعاون مع وزارة الثقافة، على تقديم طلب بتقييد فن الملحون ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي الإنساني لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). وما زالت المحاولات الجزائرية لتهجير فن الملحون المغربي متواصلة إلى اليوم، بل إن هذه المحاولات "أصبحت مخططا ممنهجا كبيرا ومنظما"، كما يرى عبد الإله جنان، أستاذ باحث في شعر الملحون عضو لجنة موسوعة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، محذرا من عواقب عدم توقيف "هذه الهجمة الشرسة". وبحسب الإفادات التي قدمها جنان في تصريح لهسبريس، فإن الجهات الجزائرية الساعية إلى الاستيلاء على فن الملحون المغربي "أصبحت تزيّف أصل القصائد، وذلك بمحو أسماء شعرائها المغاربة ونِسْبتها إلى شعراء جزائريين، علما أن الباحثين الجزائريين أنفسهم يعترفون بأن الملحون هو فن مغربي خالص". ونبّه عبد الإله جنان، وهو أيضا مدير المهرجان الدولي لفن الملحون "ملحونيات آزمور"، إلى أن عدم التعاطي بحزم مع المخطط الجزائري الممنهج لتهجير فن الملحون، "ستكون له تداعيات كبيرة في المستقبل القريب، وسيؤدي إلى نشوب سجال حول أصل قصائد هذا الفن التي لم تُدوّن بعد في دواوين ضامنة لحقوق الملكية الفكرية، بعد عمْد الطرف الجزائري إلى نسْبتها إلى شعراء جزائريين". في هذا الإطار، قال منير البصكري، باحث في التراث وفن الملحون، إن العمل الذي بدأته أكاديمية المملكة المغربية بتدوين قصائد الملحون يجب أن يستمر، بعد أن تم إصدار أحد عشر ديوانا ضمن "موسوعة الملحون"، مشددا على أن "أيّ تراخ في هذا الجانب سيشكّل منفذا للطرف الجزائري للاستيلاء على هذا الفن المغربي العريق". وأوضح البصكري، في تصريح لهسبريس، أن الملحون هو فن مغربي خالص، بدأ منذ عصر المرابطين وازدهر في عصر السعديين، منبّها إلى أن "مصدر الخطر يكمن في لجوء الجزائريين إلى إفراغ قصائد شعراء الملحون المغاربة من أسماء مبدعيها الحقيقيين، وتوقيعها بأسماء شعراء جزائريين، وهو ما سيؤدي إلى اعتقاد غير المتخصصين بأن هذا الفن العريق جزائري، بينما الحقيقة أنه فن مغربي أصيل". ونادى البصكري بضرورة مواصلة إتمام موسوعة الملحون، التي تشرف عليها أكاديمية المملكة المغربية، من أجل تحصين كافة قصائد هذا الفن الموجودة، "لأن الدفاع عن فن الملحون كالدفاع عن الوحدة الترابية، لأنه تراث أصيل وعريق، وعلينا أن ندافع عن الوحدة الثقافية لبلادنا كما ندافع عن وحدته الترابية". من جهته، قال عبد الإله جنان إن الحل الوحيد لصيانة فن الملحون المغربي هو أن تستمر أكاديمية المملكة المغربية في إتمام "موسوعة الملحون"، بعد أن ضمّت، إلى حد الآن، أحد عشر ديوانا، مضيفا أن "هذه قضية وطنية، إذا لم ندافع عنها فإنهم (يقصد الجزائريين) سيهجّرون جزءا ذا أهمية بالغة من تراثنا الوطني وسيتمادوْن في تهجير ما تبقى من أجزائه إذا لم يتمّ تحصينه".