إن أهمية النظام الداخلي لمجلس المستشارين تتمثل في تحديده لقواعد تنظيم المجلس وأجهزته وكيفيات سير أعماله، وكذا الإجراءات الواجب عليه مراعاتها عند ممارسته لمهامه، خصوصا تلك المتعلقة بوظائفه الأساسية، المتمثلة في التشريع والمراقبة على العمل الحكومي، وكذا تقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية، وبالإضافة إلى كل ما سبق فإن النظام الداخلي يتضمن كذلك المقتضيات المتعلقة بتفعيل شروط وكيفيات تلقي ودراسة ملتمسات التشريع والعرائض، والأحكام الخاصة بمدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية، وكل هذا تماشيا مع مقتضيات الفصل 69 من الدستور، الذي ينص على ضرورة أن يكون هنالك تناسق وتكامل بين النظامين الداخليين لكلا مجلسي البرلمان، بهدف ضمان النجاعة للعمل البرلماني برمته. كانت هذه إذن نبذة عن بعض من المهام التي تدخل في باب الأحكام العامة للنظام الداخلي لمجلس المستشارين، التي تبين دوره وأهميته في الحياة البرلمانية، ونظرا لأن الموضوع يكتسي نوعا من العمومية، ارتأينا في هذا المقال أن نتطرق فقط للكيفية التي تناول فيها المعارضة البرلمانية، باعتبارها أضحت كائنا قانونيا قائما بذاته، خصوصا بعد التنصيص الدستوري الأخير، الذي اعترف بها ومنحها مجموعة من الحقوق، كي تتمكن من ممارسة عملها في النظام البرلماني المغربي، وهو المعطى الذي من شأنه أن يقدم الإضافة للعمل السياسي برمته. يمثل النظام الداخلي لمجلس المستشارين، الصادر عن قرار المحكمة الدستورية تحت رقم 20/102 بتاريخ 02 مارس 2020، الأرضية التي تؤطر عمل المعارضة البرلمانية داخل مجلس المستشارين، وتحدد كيفية اشتغالها، كما أن مجلس المستشارين ومن حيث القيمة يأتي في مرتبة ثانية بعد مجلس النواب، وللإشارة فالقانون الداخلي الأخير يعتبر ثاني تعديل بعد الموافقة على الدستور الجديد، إذ سبقه في ذلك القانون الداخلي الذي صدر بعد قرار المحكمة الدستورية، تحت رقم 928/13، الذي صدر بتاريخ 14 نونبر 2013، وعليه، فقد عرفت المعارضة البرلمانية حضورا قويا في النظام الداخلي لمجلس المستشارين، وإن كانت أقل قوة بالمقارنة مع الحضور في النظام الداخلي لمجلس النواب، باعتبار أن المجلس هو المعبر الأول عن إرادة الأمة. لقد نص الباب الأول المتعلق بالمبادئ العامة في مادته 16، على ضمان حق تمثيلية للمعارضة في أجهزة المجلس، ومشاركتها الفعلية في الأداء التشريعي ومراقبة العمل الحكومي، وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية والتعيينات وتمثيل المجلس، وفي مختلف الأنشطة الأخرى التي يقوم بها، مع مراعاة أحكام الفصل 10 من الدستور، ليتم الانتقال مباشرة إلى المادة 85، التي نصت على أنه يتعين على الفرق والمجموعات البرلمانية التي تختار الانتماء إلى المعارضة، التصريح بذلك كتابة لدى رئيس المجلس، في مستهل الفترة النيابية وفي منتصفها، ومراعاة لتركيبة المجلس، لا يمكن اعتبار بأي حال من الأحوال الفرق والمجموعات البرلمانية التي لا تختار الانتماء إلى المعارضة بصفة صريحة، منتمية إلى الأغلبية، ليتم الانتقال بعد ذلك إلى المادة 87، وعبر فقرتها الثانية التي نصت على أنه وتطبيقا لمقتضيات الفصلين 10 و60 من الدستور، يمكن أن تخصص لفرق المعارضة ومجموعاتها البرلمانية أماكن خاصة لجلوس أعضائها، بشكل يمكنها من سهولة إجراء مشاوراتها وتنسيق عملها ومواقفها. أما في الباب السادس المتعلق بكيفيات ممارسة حقوق المعارضة، فقد جاء في المادة 88 على أن المعارضة تستفيد من الحقوق المنصوص عليها دستوريا في الفصول 10 و60، (الفقرة الأخيرة)، و69 (الفقرة الثالثة)، و82 (الفقرة الثانية)، ولا يمكن أن تقل نسبة مساهمة المعارضة في تشكيل الأجهزة، وفي ممارسة أدوارها التشريعية والرقابية والدبلوماسية البرلمانية عن نسبة تمثيليتها بالمجلس، كما أن المعارضة تمارس الحقوق البرلمانية المشار إلى فصولها أعلاه بصفة خاصة عن طريق المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، وتخصيص نسبة من الأسئلة الشفهية الشهرية والأسبوعية للمعارضة لا تقل عن نسبة تمثيليتها، والاقتراح عند الاقتضاء على مكتب المجلس بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع ملتمس مساءلة الحكومة طبقا لأحكام الفصل 106 من الدستور، وتخصيص رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان للمعارضة، وكذلك منصب رئيس أو مقرر في كل اللجان المؤقتة للمعارضة، وتمثيل فرق المعارضة في اللجان المؤقتة، وفي لجنة العرائض، طبقا لأحكام المادة 334 من النظام الداخلي، ومساهمة المعارضة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وتقديم اقتراحات لمكتب المجلس عند الاقتضاء، إضافة إلى حق المعارضة في التوفر على الإمكانات المادية والبشرية للنهوض بمهامها، كما يترتب عن تغيير كل فريق أو مجموعة برلمانية الانتماء للمعارضة فقدان المسؤولية التي كان يتولاها الأعضاء المنتمون إليها بهذه الصفة. ومما تضمنته المادة 99 من القانون الداخلي لمجلس المستشارين، في فقرتها الثالثة، أن أصبح بالإمكان لأعضاء المجلس الترشح لرئاسة اللجان الدائمة، باستثناء اللجنة المخصصة للمعارضة، التي يقتصر حق الترشح لها على مستشارات ومستشارين ينتمون إلى مكونات المعارضة بالمجلس، في حين أن الفقرة الثانية من المادة 127، قد اعتبرت أنه يختار أعضاء المهمة الاستطلاعية رئيسا ومقررا لها أحدهما من المعارضة، ونائبا لكل منهما، وفي المادة 146، وتحديدا الفقرة الثانية منها، فقد جاء فيها على أن مجموعات العمل الموضوعاتي المؤقتة، تنتخب من بين أعضائها رئيسا ومقررا أحدهما من المعارضة. أما الباب الأول من الجزء الثالث من القانون الداخلي للمجلس، في مادته ال 150، فقد نصت الفقرة الأولى على أنه وتطبيقا لأحكام الفصل 82 من الدستور، يتضمن جدول أعمال المجلس الذي يضعه المكتب مشاريع ومقترحات القوانين بالأسبقية، ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة بما فيها المقترحات التي تتقدم بها المعارضة. وفي الجزء السادس، جاء في مادته ال317، أن على مكتب المجلس أن يراعي في انتداب ممثلي المجلس وتحديدا أعضاء الوفود، مبدأ التمثيل النسبي للفرق والمجموعات البرلمانية، مع مراعاة حقوق المعارضة، أما المادة 320 من الجزء نفسه، فقد تضمنت أن الشعب الدائمة تتكون من أعضاء يتم تحديد عددهم حسب متطلبات كل حالة، وتشارك فيها الفرق والمجموعات البرلمانية، مع مراعاة قواعد التمثيل النسبي والسعي إلى المناصفة، وما تقضي به أحكام الدستور بخصوص المعارضة، وقد نصت المادة 322 كذلك، على أنه وبعد تعيين هؤلاء الأعضاء على أساس التمثيل النسبي والمناصفة وضمان حقوق المعارضة، يبلغ رئيس المجلس أسماءهم إلى رئيس الحكومة، ليتم في الختام الانتقال إلى المادة 334، المتعلقة بمكونات لجنة العرائض المحدثة لدى مكتب المجلس، التي تتكون من خمسة أعضاء، من بينهم عضو من المعارضة. وعليه، فإنه على الرغم من الكم الكبير من الحقوق التي اكتسبتها المعارضة في التنصيص الدستوري الجديد، إلا أن الملاحظ هو أن هناك مفارقة كبيرة بين ما هو موجود في النص الدستوري، وبين ما هو موجود في الواقع، ما يعني أن النص الدستوري يعتبر خطوة هامة وإيجابية لكنها تبقى غير كافية، وبالتالي على الفاعل السياسي أن يكون في مستوى المرحلة، من خلال العمل على التنزيل الفعلي للمكتسبات المتضمنة في التنصيص الدستوري الأخير، أما على المستوى الحكومي فإننا نترقب أن يتم العمل على أن تكون هنالك إصلاحات أعمق، لعل أبرزها هو إصدار قانون تنظيمي، وكذا قانون خاص بالمعارضة. *باحث في القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس