تشير الساعة إلى العاشرة مساء من ليل الاثنين، بالتوقيت المحلي لمدينة كينوشا بولاية ويسكونسن شمال الولاياتالمتحدة .. تبدو شوارع مركز المدينة شبه خالية إلا من بعض سيارات الشرطة، وبعض الصحافيين والمصورين الذين يقومون بتغطية الأحداث الأخيرة، وذلك بعد فرض حظر ليلي للتجول بدءًا من الساعة السابعة مساء. اتخذت الاحتجاجات المنددة بالعنصرية في عدد من المدن الأمريكية منحى عنيفا خلال الأيام القليلة الماضية، خصوصا بعد إطلاق الشرطة سبع رصاصات على جاكوب بليك في مدينة كينوشا، ما أدى إلى تعرضه لشلل نصفي، إذ عرفت مناطق عدة في مختلف الولاياتالأمريكية مواجهات عنيفة، بعضها كان بين المتظاهرين وعناصر الأمن، وأخرى بين متظاهرين من حركة "حياة السود مهمة" وآخرين من مجموعات يمينية داعمة للرئيس دونالد ترامب. من كينوشا إلى بورتلاند في بلدة كينوشا، التي يبلغ تعداد سكانها 100 ألف نسمة، وأغلبهم من البيض، اندلعت احتجاجات عنيفة الأسبوع الماضي، بعد إطلاق النار على الشاب الأمريكي ذي الأصول الأفريقية جاكوب بليك، ما أثار موجة غضب عارمة، تجاوزت حدود ولاية ويسكونسن، وتمتد إلى ولايات أخرى، خصوصا أن مدنا أخرى مازالت تعيش على وقع الاحتجاجات المنددة بالعنصرية بعد وفاة جورج فلويد على يد الشرطة. هذا الوضع في كينوشا استدعى فرض حظر للتجول لمدة 12 ساعة بين الساعة السابعة مساء والسابعة صباحا، ونشر عناصر من الحرس الوطني من أجل تطويق دائرة الاحتجاجات التي رغم أن أغلبها كان سلميا إلا أنها شهدت أعمال عنف وحرق في عدد من الأحياء بالمدينة. في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، اتخذت الاحتجاجات المنددة بالعنصرية، التي يقودها نشطاء في حركة "حياة السود مهمة"، منحى آخر، بعد دخول مجموعة يمينية تدافع عن ترامب على الخط، ونزولها هي الأخرى إلى الشارع للاحتجاج. ورغم أحداث العنف الأخيرة في بورتلاند، والمواجهات بين هاتين المجموعتين وعناصر الأمن، إلا أن ذلك يقتصر فقط على مركز المدينة، الذي ظل خلال الأشهر الثلاثة الماضية إحدى أبرز المناطق التي شهدت احتجاجات مستمرة منذ رحيل جورج فلويد بالولاياتالمتحدة، خصوصا بعد أن خفت وتيرة هاته الاحتجاجات في مناطق أخرى. أما في العاصمة واشنطن ديسي فقد شهد محيط البيت الأبيض مواجهات بين المتظاهرين وعناصر الشرطة، خصوصا خلال الأيام الثلاثة الماضية، إذ ازدادت حدة هذه الاحتجاجات ليلة الخميس الماضي، بالتزامن مع اختتام المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري. ورغم أن العاصمة شهدت خلال الأسابيع الماضية احتجاجات تميزت بطابعها السلمي، إلا أن نهاية الأسبوع الماضي عرفت مواجهات بين المتظاهرين وعناصر الشرطة، دفعت هذه الأخيرة إلى استعمال الغازات المسيلة للدموع، واعتقال عدد من المتظاهرين؛ فيما تحدثت عمدة المدينة، موريل باوزر، الإثنين، عن كون الذين ألقي القبض عليهم لا يقطنون في واشنطن، بل توافدوا عليها من مناطق أخرى، متعهدة بالتصدي لهم. هجوم متواصل في قرار مفاجئ، أعلن الرئيس، دونالد ترامب، زيارة مدينة كينوشا، من أجل تفقد أوضاعها، ولقاء مسؤولين أمنيين. ترامب الذي صرح بأنه سيبدأ هذه الزيارة يوم الثلاثاء، قال في حديث للصحافيين إنه لن يلتقي بعائلة جاكوب بليك؛ في حين أن هذه الأخيرة اشترطت حضور محاميها خلال لقائها بالرئيس. وخلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأسبوع الماضي، انتقد ترامب وجل الذين تحدثوا خلال هذا المؤتمر الاحتجاجات التي عرفتها البلاد خلال الآونة الأخيرة، واعتبروا أنها لا تعدو أن تكون "أعمال شغب". ورسم ترامب صورة سوداء للولايات المتحدة في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال: "إن الديمقراطيين سيقومون بتحويل المدن في جميع أنحاء البلاد إلى بؤر عنف ونهب وأعمال شغب". وتمسك ترامب بزيارة كينوشا، رغم طلب حاكم ولاية ويسكونسن، توني إيفرز، عدم زيارة الولاية في الوقت الحالي، إذ قال في رسالة وجهها إلى ترامب: "أعبر عن قلقي من أن وجودك لن يؤدي سوى إلى مزيد من التوتر، وسيؤجل عملية لم الشمل والتغلب على الانقسام". والتقى الرئيس الأمريكي بكل من وزير العدل ويليام بار، ووزير الأمن الداخلي، تشاد وولف، بعد ظهر الإثنين، لمناقشة الاضطرابات التي تعرفها عدد من المدن الأمريكية، في حين أنه ظل ينشر طوال اليومين الماضيين تغريدات مهاجمة للمحتجين، داعيا إلى ضرورة "إنفاذ القانون". وتأتي زيارة ترامب إلى ولاية ويسكونسن قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي من الولايات المتأرجحة التي غالبا ما تحسم الانتخابات، بالنظر إلى أن الناخبين لا يصوتون على حزب واحد. كما أن ويسكونسن كانت من الولايات التي ساعدت ترامب على الوصول للبيت الأبيض، بعد أن تمكن أن حصد أصوات المجمع الانتخابي بالولاية.