مع بالغ الأسى وعميق التحسر والتأثر اطلعت على فضيحة الفساد الإنتخابي الذي يبدو أن وزيرنا السيد لحسن الحداد متورط فيه عن طريق إثنين من مساعديه المقربين كما ورد في بعض اليوميات المغربية والأجنبية الناطقة باللغة العربية والفرنسية وأجهزة الإعلام، إني لأكن المحبة، الإخاء، المودة والعطف للأخ حداد، هذا الرجل المخضرم، صاحب الدربة والكفاءة، ولكن إدانة رئيس الجماعة القروية بثمانية أشهر حبسا مع توقيف التنفيذ وثمانين ألف درهم غرامة مالية وعدم ترشيحه في الإنتخابات المقبلة لمدة عشر سنوات، يعني لولايتين متتاليتين، فهذا الأمر ليس بالهين بتاتا ولا يمكن أن ننتظر الحكم النهائي حتى يتسنى لنا معالجة هذا الملف كحزب، هناك مسؤولية سياسية وهي مسؤولية نتشاركها جميعا، في السراء والضراء، لذلك يتوجب درء الضرر عن الحزب حتى لا تنسب لنا المقولة الشعبية الحكيمة "مع من شتّك شبّهتك". فأنا حاربت دوما الفساد وأعمال الرشوة فى كتاباتي ومقالاتي ولا يمكن لي غض النظر أو الإستخفاف بهذه التهمة من العيار الثقيل، لذلك يتوجب علينا أن نقول للأخ لحسن الحداد بكل صراحة أن ينسحب، ولكان هذا القرار في صالحه وصالح عائلته الصغيرة والكبيرة، لأن الأشخاص يجيئون، يروحون و يذهبون إلى حال سبيلهم حتى توافيهم المنية، ولكن على الحزب أن يدوم، يصمد ويخلد لكي ترفع شعلته الأجيال المتتالية من رجال ونساء أكفاء، مخلصين، صادقين ووطنيين. زمن الإنتهازية، القبلية المتوحشة، المحسوبية وعقلية "أبّاك صاحبي" ولت وسنحاربها داخل وخارج الحزب حتى نجعل الديمقراطية، الشفافية، الحكامة الجيدة وبالأخص الكفاءة المعيار الوحيد قصد تنصيب الشخص المناسب في المنصب المناسب، بغض النظر عن الجنس، العرق و درجة القرابة أو الولاء، لأن القدرات البشرية النزيهة نظيفة الأيدي والأدمغة هي ضامنة الجودة، الأمان والإستقرار السياسي. علاوة عن هذا يجب على المسؤولين السامين أن يتوفروا على خصل حميدة كالصدق، الوفاء، الأمانة، الإخلاص والعدالة. يمكن اعتبار المصداقية والثقة من أهم الركائز وثوابت المجتمعات المتحضرة بغية التعايش، التصالح وتخليق المشهد السياسي والحياة اليومة لجميع المواطنات والمواطنين، لأن علاقتنا في ما بيننا لا ترتكز فقط على الأقوال، يعني "الهْضاضر"، ولكن على الأفعال كذلك. يمكن اعتبار المصداقية والثقة في المجال السياسي من ضرب القيم الخالدة، ولكن يتوجب تزويدههما بروح وتفعيلهما في الحياة اليومية. وجميع الدول، صغيرة، متوسطة أو عظمى كانت فهي دوما في حاجة إلى قيم يرتكز عليها المجتمع كالحرية، الديمقراطية، الحكامة الجيدة والتضامن. وكل شخص عانى، كابد وداق مرارة الإقصاء، التهميش، الخيانة والكذب سيكون دوما شخص "داكن"، لا يشعر بروح المسؤولية ومتردد في قراراته وغير وان بوعوده، مزاجي متقلب، ظالم وعابس جاف ولا مستقبل له. ضعف أو بالأحرى ضياع القيم الأساسية لها دوما نتائج سلبية، فى حالة معايشة ومسايرة القيم الحميدة السالفة الذكر سنشعر بالطمأنينة، الفرح، التفاؤل، كما سيحلوا لنا أن نعيش فى هذا البلد الآمن والغني بثرواته، حضاراته، رجاله ونسائه. سياستنا في حاجة ماسة إلى المصداقية، إلا وفقد رجل السياسة هيبته الطبيعية، هيبة متحضرة، خالية من العجرفة، النبرة السلطوية، التهديد، السوطو أو البطش، ويمكن اعتبار المصداقية من أهم المستلزمات التي يجب على رجل السياسة أن يتوفر عليها، لأن المصداقية مقدار إستعدادنا بغية قبول أقوال شخص ما كشهادة نافذة المفعول. كما تعرفونني حاربت الفساد و الرشوة عن طريق إسهاماتي وكتاباتي المتواضعة، وسأحاربها داخل أو خارج الحزب، لأن الفساد يقوض دعائم الأخلاق ودولة الحق والقانون ويضر بثقة المواطنين والمواطنات في مؤسسات الدولة، كما يأثر بطريقة مباشرة على قرارات المستثمرين المحليين والأجانب ودفعهم للعدول عن مشاريعهم التي نحن في حاجة ماسة إليها، بالأخص فى المجال السياحي الذي راهنت عليه الدولة، يمكن اعتبار كل نوع من الفساد وجميع تلويناته بكل بساطة "جريمة"، إجحاف وجلافة فى حق كل المواطنين والمواطنات. وللفساد عدة أوصاف كالزبونية، التجارة فى المناصب، توفير الإمتيازات للأصدقاء والأقارب والمحسوبين للقبيلة أوالعرق، وعلى ما يبدو لي حسب تقديري المتواضع لا زال حزب "الحركة الشعبية" يتخبط فى هذه المشاكل التي من الواجب تجاوزها، لأننا كأطر لا نعرف حتى الآن من يشتغلون في الدواوين إلى جانب وزرائنا، ولو الأطر هي التي صهرت على تدبير الحملة الإنتخابية وصياغة برنامج الحزب خلال استحقاقات 25 نونبر، ولحد الآن لم ترد ولا كلمة شكر أو احتفاء بأطر الحزب، والبعض من الإخوة والأخوات لم يبخلوا بوقت أو جهد والتحقوا بنا لمرات عديدة من عدة مدن مغربية متباعدة، لذلك من اليوم فصاعدا يتوجب علينا إشراك جميع مناضلي ومناضلات و أطر الحزب قصد ترسيخ الديمقراطية الشفافية، الحكامة الجيدة، التكافؤ في الفرص والعدالة، لأن الحزب لا زال يشكو من العجزعلى توفر آليات سليمة وهيكلة مضبوطة متينة تمكنه من مسايرة، تطوير وتجسيد تصور مجتمعي وبعد سياسي بغية تفادي إفراغ الحزب من مضمونه، امتداده الجماهري وتحويله إلى "مصلحة خاصة" قصد تدبير المناصب والتزكيات فقط، بدون أي رقيب ولا حسيب. كم غمرني الحزن والأسى عندما تحملت المسؤولية السياسية لما رسبنا في استحقاقات نونبر 2011 واحتلنا الرتبة السادسة، لماذا لم يتحمل شخص آخر من المكتب السياسي، الذي في الحقيقة "خارج التغطية" ومنعدم الضمير، المسؤولية السياسية؟ حيث هرولت الأغلبية الساحقة إلى بيوتهم الدافئة والمكيفة ولم نر أحدا طوال الحملة الإنتخابية السابقة، ولكن الكل كان حاضرا لما آن أوان التعيينات في الدواوين والوزارات، "نهار الزّردة أو الحيْدوس". الفساد كالشبح، قديم قدم الزمن، صعب المنال والتحكم. إن الفساد يضر بالديمقراطية والتكافؤ في الفرص، والفساد "فيه أو فيه"، فالصغير هو ما حصل في خريبكة، 50 دهم، 500 درهم، والكبير هو ما يقترفه الكبار، من درجة وزير، فالمبالغ في هذه الحالة ستقدر بالملايير، لأن هذا الفساد سيكون قائم على السلطة، الحوزة والتأثير المباشر على سياسة وتوجهات الدولة، كما قال الفيلسوف الألماني إمانويل كانت: "إن الإنسان لا يستخف ظل أخيه، ولكن لا يمكن له أن يتخلى عنه"، ويا لها من حكمة إذا استخضرنا المثل المغربي المليئ بالحكمة، العبر والعمق: "إلا شفتي الحَنش غْليض، عرْفو صارَط خوه." أكيد أنه ليس حزبنا الوحيد الذي يستعمل المال في الإنتخابات التشريعية، والتاريخ "شَهود"، لأن هذه العملية كانت متداولة كذلك فى الدول الأروبية في القرن الثامن عشر، لم أكن يوما من أصدقاء الإسلاميين، ولكن يجب أن أعترف وأن أقول لإبن كيران: "أحسنت لله درك!" يمكن اعتبار حزب "العدالة والتنمية" الحزب الوحيد الذي رسخ الديمقراطية والحكامة الجيدة حتى تيسر له امتصاص غضب مناضلي ومناضلات الحزب، لأنه إذا مرت الأمور وتمت التزكيات والتعييات داخل الحزب أو خارجه بطريقة ديمقراطبية فلا داعي لأي غضب أو تبرم، أما الظلم، الإجحاف وعدم الشفافية يدفع دوما إلى العصيان، التمرد، الإنقلاب والعنف. ومن اليوم فصاعدا فعلى جميع الأحزاب السياسية أن تتبنى هذه الطريقة الديمقراطية، العادلة والمنصفة حتى يتسنى للمواطنات والمواطنين الإنخراط في الأحزاب السياسية بغية التقدم، الإزدهار والرفاهية. وإلا لا يربطني أي شيئ بهذا الحزب، حيث لا زال وضع المرأة المغربية يشكل عائقا داخل وخارج هذا الحزب، واستوزار مرأة واحدة من أكثر من 10 مناصب وزارية، فهذا لا يدل إلا على تحقير وإهانة المرأة المغربية و تبدير للطاقات البشرية النسوية، حيث تمثل أكثر من 50 في المائة من سكان المملكة، و تنصيب الحقاوي "كوزيرة للاسرة والطبخ"، فهذا لا زاد الأمر إلا تعقيدا، لما لا مجالات كالعدل أو النقل والتجهيز؟ ابن كيران يريد كذلك أن لا يسمح لنا إلا بتناول الشاي وأن لا نضع على موائدنا إلا "بْرارد آتايْ بالنّعناع" حتى فاق ثمن "النّعناع" ثمن "الجّوهر أو الضّيامنض" و استوردناه من بعد على كره من "الشّينْوى" كالجلباب، القفطان، البلغة و "الغرّاف" المغربي. هذا الحزب يشكو كذلك من عدم رؤية واضحية تجاه التعدد اللغوي، كنظيره حزب الإستقلال، حيث لا زال يتملص و يتماطل في الإعتراف الصريح بلغاتنا المغربية الأربعة والذي يجب ترسيمها دفعة واحدة: العربية، الأمازيغية، المغربية (وجميع لهجاتها: البيضاوية، الطنجاوية، الوجدية، الفاسية، الرباطية، الصويرية، الكاديرية، المراكشيية، الصفريوية، الخريبكية، التطوانية، المكناسية إلخ) والحسانية، وهذا الترتيب ليس له أي علاقة من الأول أو الأخير، كما يمكن أن تحتل المغربية (الدارجة) المرتبة الأولى لأنها هي لغة الجميع، لغة الحرية والتحرر والأكثر تداولا في البلاد، دون إقصاء أي لغة من اللغات الأخرى. لهذا يتوجب خلق ثلاثة معاهد جديدية إلى جانب المعهد الملكي للغة والثقافة الأمازيغية، هم: معهد محمد السادس للغة العربية، معهد محمد السادس للغة المغربية (الدارجة) و معهد محمد السادس للغة الحسانية، من نفس الحجم وبنفس المأهلات البشرية والميزانية، لا فوق ولا تحت ولا غالب ولا مغلوب، ومثل سويسرا أحسن دليل للتعايش السلمي بين جميع المكونات اللغوية للبلاد حيث تتداول هناك أربعة لغات: الألمانية، الفرنسية، الإطالية والرومانش. لم ننسى الهجوم الشنيع لحزب "العدالة والتنمية" لكل نوع من الترفيه والمتعة الذي شنه على المهرجانات السينمائية والغنائية، و إن امتنعوا برلمانيو الحزب في الآونة االأخيرة عن التهديد والترهيب فهذا لا يدل على أن الأمر تم عن قناعة وأنه تمت المصالحة مع كافة المغاربة والقوات الديمقراطية، لم يقوموا إلا بتأجيل المشكل إلى ما بعد، ومن الواجب أن ننعت ونشخص الخطر: فالخطر الأول الذي يهدد استقرار الدولة، ليست في العمق حركة 20 فبراير التي تناضل من أجل الكرامة ومملكة عصرية، حرة، عادلة ومنصفة، الخطر المقذع يظل التطرف الإسلامي الذي يريد عناصره إضرام النار في جسدهم وفي كل من اعترض سبيلهم أو شوش على مشروعهم المتشبع بالكراهية والحقد على كل شخص لم يشاركهم آرائهم الإستأصالية، فأنا لا أفهم مصطفى الرميد الذي استضاف بعض قياديي الحركة الجهادية، فمن الواجب على جميع القوات الديمقراطية أن تتصدى لأعمال العنف الديني، وأحسن دليل ونموذج للأفكار الإسلامية غريبة الأطوار هي ادعاءات أحد شيوخ السلفية الوهابية الذي زعم أن "الله كرم المرأة بالضرب"، كما قال مبدع آخر من نفس الطينة والنقلة الطيبة "إذا كنت متزوجا من امرأتين فأربط شعرهما وأضرهما ضربا شديدا"، يا لها من حماقة، وقاحة باسم الله، الدين والرسول! الخطر اليوم الذي يهدد أمن واستقرار المملكة المغربية: ليس اليسار، ولكن اليمين المتطرف، ويتوجب على الدولة أن تحمي سلامتنا وحريتنا من هذا الغول المهول بطريقة ديمقراطية، شفافة، دون استعمال العنف أو القمع المفرط، مع مراعات جميع حقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور الجديد، ولما لا إستشارة الدول المتقدمة بغية معالجة هذا الملف الشائك، لأن تعنيف أنصار السلفية الجهادية لأجج دوما إلا حقدهم وتمردهم من جديد، ويمكن لنا أن نأخذ المثل المغربي كعبرة: "اللي زْرع الشّوك كايحير فى حْصادو." وإن لم نشاطر عبدلإله ابن كيران جميع أفكاره ولا تطلعات حزبه من الواجب دعمه ومؤازرته، لأن هذا الرجل صادق ومن واجبنا كلنا أن نحارب الفساد ونقطع سبيله، وليس بالشعارات فقط ولكن بالأفعال كذلك، والخطوة الأولى هي فصل لحسن الحداد عن الحكومة، لأن الوقاية ومحاربة الفساد تستوجب الشفافية، المراقبة وفي حالة المخالفة العقوبة، فهذا لا يدل على نهاية التاريخ أو الحياة بالنسبة للأخ لحسن الحداد، هناك حياة ما بعد الإستوزار، يمكن له أن يناضل من جديد فى إطار العمل الحزبي أو في المجتمع المدني ومنحه فرصة ثانية بعد 2 أو 3 سنوات إذا تمت الموافقة على ترشيحه من جديد، لأنه لا أحد معصوم من الخطأ، لنكون منصفين وعادلين ليس مع أنفسنا فقط ولكن مع الآخر كذلك. لذا يتوجب علينا أن لا نستمد كياننا من المناصب، البريستيج، الكراسي الفارهة أو المكاتب المكيفة، لنترك عجبنا جانبا ونسخر مأهلاتنا وقدراتنا قصد الرقي والتفاعل الجدي مع متطلبات ومصالح المواطنين والمواطنات. كلمة أخيرة خاصة بمشاركتنا في هذه الحكومة، إذا اتضح أن حزبنا يستغل "كزريويطة" حكومة ابن كيران فمن اللازم أن يظل الإنسحاب من هذه الحكومة كخيار مستقبلي، لأنه من المحتمل أن يذوب حزب "الحركة الشعبية" في جهنم الإحتجاجات والإصتدامات مع المواطنين والمواطنات، علاوة عن هذا في اعتقادي المتواضع لكان مصطفى الخلفي وزير الداخلية الأنسب، أما وزارة الإتصال ستكون من نصيبك نظرا لهدوئك، حنكتك، تبصرك ومقاربتك التشاركية. وتفضل الأخ محند العنصر خالص عبارات التقدير والإحترام.