لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منكِ أواهِلُ . أبو الطيب المتنبي بعد يومين من إهماج عاديات ضبرن فجرا من الشارع الهادئ الذي تطل عليه شرفة بيتي "برباط" المرابطين الأول، حطت روحي تدفقا في "فصالة" التي بترت جغرافيا البداوة ما بين موريتانيا ومالي، في أقصى الشرق الموريتاني الصامد وقوفا على انطلاقة الولي المجاهد الشيخ ماء العينين لإستعادة "رباط" الشمال. على بساط "الأمل" أخذت أحاديثنا من الشعر جماله ومن الأرض جسورا أفزعت المحال؛ فتوجت تريثا السبيل عبيرا لاينفد! على وقع خطى السائق الموغلة في ذاكرة "البيظان" المنظومة على مهل، تأكدت أن الذائقة الشعرية لرفاقي القادمين من "مدينة الأنوار" لم ترق إلى "أمل" ذ ئب ولد أحمد يوره في التهام الشاة الصريعة! كانت "تنا البركة" تتربص فسحة أحفاد المرابطين، لتبكي لوعة وتستنجد "معتصما" ينقذ أبنائها، بعد أن تجرعت حشرجة ذبح جندي حقير لبعلها الذي "أذنب" بانتمائه البربري، مضفيا على "أرض السودان" مسحة "تمبكتو" الورعة! ناحت حتى الإحتقان، ليتلقف ابنها البكر حسرته على مستقبله الذي وارته العنصرية رماد جامعة "باماكو"، حيث كان يدرس الأدب الآلماني.. زخت دموعه؛ ليسلك لسانه منتجع الضاد، منشدا : وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ . تجاعيد وجه عبدالله خذلت عقده الثالث، وهو يروي؛ والدموع تشفع، نزوح أولاده السبعة على ظهره المنحني إهانة وتنكيلا من جنود بلده الذي حرم أولاده من التعليم والصحة.. يستجمع قواه؛ فيخر ساجدا امتنانا لنجاة بدنه المسترخي على حصير جاد به الشرطي الذي باشر تسجيله الثامن بعد عشرين ألف لاجئ مالي! تستغرب "خديجة" صمت نخب المغرب الكبير أمام إبادة الرضع والحوامل من عرب وطوارق مالي، لأنهم طالبوا بحقهم في الحياة.. وتمضي مستنجدة: أين الإعلام العربي؟ ماذا تنتظر جامعة العرب؟ ومتى تنتبه منظمة المؤتمر الإسلامي لإبادة مسلمي الشمال المالي؟ مع "الأمين الكنتي" تأخذ الإهانة طعم الضريم، صادحا بحق شعبه في الإستقلال على أرضه التي ارتوت بدماء الأبرياء منذ إعلان الدولة المالية، التي ضنت عليهم بنصيب "القطيع"! من حقول النفط بليبيا عاد "محمد آغ يونس" لشمال مالي أملا في استعادة أجواءعائلته الحميمية على أرض أجداده، لكن يقظة الشوفينية قذفت بأفراد عائلته إلى الحدود الجزائرية، وأحكمت تعليق روحه بمخيم "فصالة" في تأنيب مستمر لنجاته من صولة عبثت بسكينة حياته المفقودة.. يتجرع نواحا يرافقه منذ عبر الحدود الموريتانية على ظهر دابة التقفها من وسط قريته المهجورة! صور من مأساة عرب وطوارق جمهورية مالي الذين تفرقوا بين دول الساحل فارين من إبادة مبرمجة، حيث تجاوزت أعدادهم مئة ألف لاجئ أغلبيتهم من الرضع والنساء الحوامل.. شطرت قلبي بعد أن أفرغت قرب دموعي وآنا أقف على تفاصيل همجية الإنسان.. عزائي في ضيافة بلدي لعشرات الآلاف من اللاجئين العرب والطوارق القادمين من جمهورية مالي ومرافقتهم برعاية ضن عليهم بها بلدهم الأم! عدت أدراجي وقلبي يعتصر ألما لتقصير نخب مغربي الكبير في مواسات إخوة أخبرنا عنهم، منذ قرون ابن خلدون فما قصر، آه، آه، آه.. أم أننا نسينا "يوم المسك"؟ *كاتب وإعلامي من موريتانيا