المحدث النحرير العلامة فاروق محمود حمادة حافظ المغرب، وحامل لواء السنة النبوية، والمنافح عن العترة الطاهرة والدوحة العطرة، يعد من أوعية الفكر وأرباب المعرفة، ومربي الأجيال وصانع العقول، وهب حياته لخدمة العلم الشريف عن حب وشغف، فكانت حياته ومازالت عبارة عن درس وبحث وكتابة وتأليف وتحقيق. إن الحديث عن فضيلة الدكتور فاروق حمادة هو حديث عن شخصية استثنائية، لها من المواهب الربانية والعطايا الإلهية في الفهم والفقه، والنباهة والحكمة، والبلاغة والخطابة، مالم يتأت للكثيرين في عصره "ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ" (الجمعة:4)، هو العالم الموسوعي الذي عرف بعمق المعارف وتنوعها، والمفكر المنهجي الذي كشف عن ضوابط المعرفة الإسلامية وقواعدها، وبين منهج البحث العلمي في الدراسات الإسلامية تأليفا وتحقيقا، والمحدث الحافظ المتقن الذي جدد في الدراسات الحديثية وبين آفاق نهضتها المعاصرة. ولقد اشتهر الرجل بنبوغه وتنوع ثقافته وسعة اطلاعه على علوم شتى، ما أكسب شخصيته تفردا وتميزا عز نظيره بين أقرانه، في قوة أفكارها، وثراء عطائها، وغزارة إنتاجها، فلا يخلو علم من علوم الشريعة ولا فن من فنونها إلا وكتب فيه، وترك فيه بصمة تجديدية في الفهم والتحليل والاستنباط. ولقد تخرج على يديه مئات الآلاف من الطلاب والتلامذة من المغرب والمشرق، أخذوا عنه الخلق والقيم قبل العلم والمعرفة، فصار منهم العلماء الأفذاذ، والأساتذة الأجلاء، والمربون الصلحاء، الذين ينشرون قيم الفضيلة والخير في مجتمعاتهم، ومن تخرج من مدرسة العلامة فاروق حمادة كان له سمت خاص في التربية والأخلاق، ناهيك عن عمق الفهم والمعرفة ومنهجية التفكير. وأياديه البيضاء على الجامعة المغربية واضحة للعيان ومعروفة للخاصة والعامة، قد سارت بذكرها الركبان، يقدرها أهل الفضل والإنصاف، ويثمنها ذوو العقول والألباب، ولا ينكرها إلا جاحد ولا يخفيها إلا حاقد، وهو كمن يغطي الشمس بالغربال، وهي أكبر من أن تشوهها وشاية أو كتابة غير متزنة. وفي مثل هذا يقول المعري: وقد سار ذِكري في البلاد فمَنْ لهم ** بإخفاءِ شمس ضوؤها متكاملُ وقول آخر: قد تُنكر العين ضوءَ الشمس من رمدِ ** ويُنكر الفمُ الماءَ من سَقمِ ولقد امتد إشعاع العلامة المفضال إلى المشرق فأسس جامعة محمد الخامس أبوظبي، وفتح المجال لكفاءات علمية وطنية أثبتت جدارتها وجديتها ورفعت راية المغرب عاليا؛ ولقد كان فضيلته حريصا على التعريف بعلماء المغرب وأساتذته ومثقفيه الراسخين في العلم، فلا تكاد تخلو محاضرة من محاضراته ولا لقاء من لقاءاته العلمية في بلاد المشرق وغيرها من إشادة بالمغرب وجامعاته وعلمائه وأساتذته وأكاديمييه. ولأن بعض الأساتذة ممن تقدم للتدريس في جامعة محمد الخامس أبوظبي لم تتوفر فيهم المعايير والشروط الأكاديمية التي وضعتها الجامعة، فلم يجدوا فرصة للتدريس هناك، قام بعضهم بالطعن في الدكتور بغير وجه حق، مرة بادعاء عدم الموضوعية في انتقاء المدرسين، ومرة بزعم توسطه لبعض تلاميذه لحيازة منصب في كلية من الكليات، وما ذلك إلا لأن القوم لم ينالوا سعيه، وعجزوا عن بلوغ ما بلغ من المكانة والرفعة، وفي مثل هؤلاء يقول أبو الأسود الدؤلي: حَسَدوا الفَتى إِذ لَم يَنالوا سَعيهُ ** فَالقَومُ أَعداءٌ لَهُ وَخُصومُ كَضَرائِرِ الحَسناءِ قُلنَ لِوَجهِها ** حَسداً وَبَغياً إِنَّهُ لَدَميمُ وَالوَجهُ يُشرُقُ في الظَلامِ كَأَنَّهُ ** بَدرٌ مُنيرٌ وَالنِساءُ نُجومُ وَتَرى اللَبيبَ مُحسَّداً لَم يَجتَرِم ** شَتمَ الرِجالِ وَعَرضُهُ مَشتومُ وَكَذاكَ مَن عَظُمَت عَليهِ نِعمَةٌ ** حُسّادُه سَيفٌ عَليهِ صَرومُ فكلما كثر نفع الرجل لقومه كثر محبوه وظهر حاسدوه ومبغضوه ولا تجد للئام الناس حسادا، فمن الناس من يختارهم الله ليكونوا قمحا للناس، يحصدون بعد استكمال نباتهم ونضجهم، ويطحنون طحنا ويعجنون، ويصيرون غذاء لغيرهم. ولا أرى شيخنا فاروق إلا من هؤلاء، فقد تخرج على يديه ما يعد ولا يحصى من أساتذة الجامعة وأعلام الفكر والكتابة، ولم تقف دوامة الطحن له داخل أسوار الجامعة التي أعطاها من عمره وفكره حتى تقاعد، وشق طريقا آخر بقي فيه وفيا للرباط وجامعتها، ومستصحبا لتجربة شعبها وبرامجها ومناهجها. ولقد تولى إذايته ولمزه في مناسبات متسلسلة بعض من زملائه فلم ينالوا من همته شيئا بل زاده الله رفعة وعلوا، ونفر قليل من طلبة العلم لعدم رضاهم عن أحكامه وتقييماته، لما عرف به من صلابة في الحق وعدم مجاملة، أو لمخالفتهم لمنهجه وطريقته. واستمر الطعن فيه يظهر من فترة لأخرى على لسان بعض الفاشلين والمغمورين، ألعصبية مقيتة تظهر في زي النصح للجامعة والجامعيين؟! أو لفقد النصير والمعين؟! لأن الشيخ ليس من نهجه أن يجيش أنصارا وأعوانا، أو يبني تيارا أو تنظيما. أم هو الحسد للرجل على ما أوتي من العلم والفهم والنبوغ، وما هدي إليه من غزارة التأليف، وما بلغه من الحظوة والمكانة؟! يقول الطائي: وإذا أراد الله نشرَ فضيلةٍ ** طُويت أتاح لها لسانَ حسودِ لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ ** ما كان يُعرفُ طيبُ عرفِ العودِ وأختم فأقول مثل العلامة فاروق حمادة كحامل المسك الذي لا ينتهي فضله ونفعه، ولا يمكن أن تجد منه إلا الذكر الطيب، والرائحة العبقة، وكمثل الشجرة المثمرة النضرة التي تتطلع إليها الأنظار وتهفو إليها النفوس وتشرئب إليها الأعناق، وتتساقط عليها الأحجار. "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ" (يوسف:18).