يقدم الكتاب الجديد «علال الفاسي عالما ومفكرا» لمؤلفه الدكتور أحمد الريسوني، أحد رجالات المغرب اللذين داع صيتهم بالمغرب والمشرق والعالم، وذلك من خلال الإحاطة بمجمل الأوجه التي طبعت مسار الزعيم علال الفاسي، من خلال التطرق والإحاطة بحياة علال الفاسي وفكره وجهاده إلى جانب آرائه واجتهاداته في قضايا مختلفة وكذا تناول مؤلفاته المختلفة والمتنوعة، مسنودة بآراء تلامذته وشيوخه ويقدم الكتاب السمات العامة لفكر علال الفاسي وحياته وكذا نبوغه المبكر. الكتاب المنشور من طرف «دار الكلمة للنشر والتوزيع مصر القاهرة» وعلى غير المعتاد يقدم علال الفاسي العالم والمفكر إلى جانب صورة الزعيم السياسي ورئيس الحزب التي عرف بها علال أكثر من غيرها، وتعد هذه الطبعة هي الأولى للكتاب «طبعة 2012» كما انه يتشكل من 260 صفحة من الحجم المتوسط. «من العلماء والمفكرين رجال لا يجود الزمان بمثلهم إلا قليلا، منهم الأستاذ الرئيس الزعيم محمد علال الفاسي، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وآتاه الله من المواهب والقدرات العلمية والفكرية والسياسية ما يعز نظيره؛ لقد تربى في أحضان أسرة مسلمة عريقة في العلم والدين ومكارم الأخلاق، ونشأ بين يدي مشايخ القرويين وعلمائها الصادقين المخلصين، ونهل بها من علوم الدين واللغة ما روَّى فكره وعقله، وعكف على قراءة أمهات الكتب ونفائس التراث الإسلامي، ودراسةِ سِيَر الأعلام وشموس الأمة»... بهذه الكلمات الدالة والمعبرة قدم الدكتور محمد الروكي، رئيس جامعة القرويين وعضو المجلس العلمي الأعلى لكتاب «علال الفاسي عالما ومفكرا» محاولا تكثيف أفكاره وشهادته في حق رجل وطني مقاوم مجاهد وذلك بمدينة جدة السعودية في شهر رمضان من السنة الماضية. وأضاف الروكي في ذات التقديم بالقول « لقد نشأ محمد علال الفاسي منذ نعومة أظفاره محبا لبلده غيورا على وطنه وقومه وأهله، مقاوما للاحتلال الأجنبي بفكره ولسانه وقلمه، مطالبا باستقلال بلده وتحريره من ربقة الاستعمار، ساعيا إلى وحدة المغرب العربي وتوحيد الأمة الإسلامية، مناديا بتحرير الصحراء المغربية والتمسك بثوابت الوطنية». وبالعودة إلى تقديم المؤلف أحمد الريسوني، وهو الخبير الأول بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، فقد استهل تقديم كتابه «علال الفاسي عالما ومفكرا» بالقول «قديما قيل: لولا «عياض ما ذُكر المغرب. وفي العصر الحديث يمكننا أن نقول أيضا: لولا عَلال ما ذُكر المغرب. فعلال الفاسي هو صوت المغرب في المشرق، وخاصة في فترة التعريف بالمغرب وقضية استقلاله، أواخر الأربعينيات وإلى منتصف الخمسينيات، من القرن العشرين. وهو صاحب «حديث المغرب في المشرق» الذي جاب القاراتِ الخمسَ وفي مقدمتها أقطار المشرق العربي معَرِّفا بالمغرب، مدافعا عن حقه ومطلبه بالاستقلال. ورغم تزايد أعبائه ومسؤولياته الداخلية بعد استقلال المغرب، فقد ظل محافظا على علاقاته ومشاركاته العلمية والسياسية عبر العالم، وخاصة في أقطار العالم الإسلامي. لقد ظل دائم الترحال كثير الاتصال. وهو ما جعل المغرب من خلاله مذكورا بدرجة ومكانة لولا علال لم تكن. ويستحضر الريسوني في تقديمه للكتاب وصف أحد تلامذة علال الفاسي للتعبير عن موسوعيته بالقول «أنه يتميز بين نظرائه من العلماء والمفكرين بكونه «جمع بين الاجتهاد الديني والتنظير الفكري والإبداع الأدبي، وبين العمل السياسي الوطني ومقاومة الاستعمار والكفاح من أجل تحرير الوطن وتحرير المواطنين من التخلف والتبعية والتراجع الحضاري» (عبد القادر الإدريسي أحد تلامذته). الريسوني يؤكد أن هدفه الرئيسي من تأليف هذا الكتاب هو إبراز الوجه الآخر لعلال الفاسي، والمرتبطة بكونه عالما ومفكرا إلى جانب انشغالاته الأخرى السياسية والتي هيمنت على الجوانب الأخرى العلمية لعلال الفاسي. فعناية الناس بعلال الفاسي الزعيم السياسي الوطني، يقول الريسوني هي أضعاف عنايتهم به بوصفه عالما ومفكرا. «ففي بلده المغرب، لا يكاد يذكر إلا بلقب «الزعيم علال»، أو «الرئيس علال» وهما صفتان سياسيتان. ويرتبط ذكره أكثر ما يرتبط بالكفاح الوطني لأجل الاستقلال، منذ فترة الدراسة بالقرويين وما تخللها من تحركات طلابية مناوئة للسياسة الفرنسية، مرورا بمعركة الظهير البربري، ثم معركة ماء بوفكران. فهذه هي الصورة الأكثر حضورا لعلال الفاسي في أذهان المغاربة، من سياسيين ومثقفين وعامة. مع أن هذه الصورة السياسية، الوطنية والحزبية، هي نفسها آخذة في الخفوت والتقلص في ذاكرة الأجيال الجديدة. أما الصورة العلمية والفكرية للزعيم علال، وما تزخر به من ضروب الجهاد والاجتهاد، فهي باهتة ومهملة منذ البداية». ويكد الأستاذ السابق بجامعة محمد الخامس بالرباط، «أن الجهل بالتراث العلمي والفكري لعلال الفاسي لهو خسارة كبيرة للمغرب وأهله أولا، وللأمة الإسلامية ثانيا. ولكنه - بصفة خاصة - خسارة فادحة للحركة الإسلامية المعاصرة، سواء في المغرب أو في غيره من بلدان العالم الإسلامي» ويضيف الريسوني في ما يعتبره كنزا لم تكتشف الحركة الإسلامية والمغاربة والعرب إحدى جوانبه الاستثنائية بالقول «فكثير من الأفكار والاجتهادات التي لم تصل إليها الحركة الإسلامية بعد، أو لم تصل إليها إلا بعد جهد جهيد وتخبط طويل، كان علال الفاسي قد حسمها و كتبها وحاضر فيها قبل ذلك بأربعين سنة أو خمسين سنة. وحين أقرأ اليوم كتب علال، وأقف على همومه وأفكاره ومعاركه وصيحاته، منذ أواخر الأربعينيات إلى أوائل السبعينيات، أجدني أقول: لقد كان علالٌ أمةً وحده، فياليتني كنت معه. هذا يتضمن الكتاب إلى جانب تقديم الروكي والريسوني فصلين اثنين خصص الأول للتعريف بحياة العلامة المجاهد، وخصص الفصل الثاني للتعريف بأهم مؤلفاته وعرض خلاصات لمحتوياتها. ثم خاتمة تلخص وتذكر بأهم الخصائص والسمات التي تميز بها فكر علال الفاسي وفقهه واجتهاده في علوم الشريعة. (