تشجّع ورقة بحثية الولاياتالمتحدة الأمريكي على عدم مواجهة مبادرة "الحزام والطّريق" الصّينية، مبرزة ما يمكن أن تستفيده واشنطن منها، والإسهام المحتمل للمبادرة في مواجهة التّطرّف وتسهيل بناء الدّولة في العديد من المناطق غير المستقرّة. وتُعد مبادرة "الحزام والطريق"، وفق عرض أعدّته الباحثة الاقتصادية فردوس محمد نشره مركز المستقبل للأبحاث والدّراسات المتقدّمة، "جهدًا حكوميًّا طموحًا لربط آسيا وأوروبا اقتصاديًّا من خلال استثمارات ضخمة بالبنية التحتية، وبشكل أساسي في الدول النامية التي غالبًا ما تكافح لتأمين مثل هذه الأموال في أسواق رأس المال"، رغم نظرة الولاياتالمتحدة إليها "بحذر خشية أن يزيد من النفوذ الصيني". وفي تشريح لتحليلِ كريستوفر موت، المتخصّص في قضايا الدّفاع، تذكر الباحثة أنّ واشنطن "قد تستفيد من زيادة التجارة. كما يمكن للمبادرة أيضًا مواجهة التطرف وتسهيل بناء الدولة في العديد من المناطق غير المستقرة"، إضافة إلى أنّها "لا تحد بشكل كبير الخيارات الدبلوماسية الأمريكية أو تلزم دولًا مثل روسيا بشكل دائم بالمصالح الصينية"، ثمّ تنبّه إلى أنّ "المعارضة الصريحة من قبل الولاياتالمتحدة قد تدفع الدول المشاركة في المشروع إلى الانحياز بشكل أوثق مع بكين". ويسترسل التحليل شارحا "مبادرة الحزام والطريق"، التي من خلالها "نفذت الصين مشروع بنية تحتية ضخمًا لتسهيل التجارة الدولية، وتوسيع روابطها مع الدول الشريكة"؛ ويزيد: تقدّم المبادرة "برنامج إنشاءات واسع النطاق يهدف إلى تحديث البنية التحتية القديمة، وبناء مرافق جديدة تمامًا لتنشيط التجارة الداخلية في أوراسيا، وتمنح الدولة التي غالبًا ما تكون على هامش شبكات التجارة العالمية فرصة لزيادة تجارتها بشكل كبير". كما تهدف خطة الاستثمار والتنمية الخاصة بمبادرة "الحزام والطريق"، وفق الورقة التي نشرها مركز "المستقبل"، إلى "توسيع التجارة والقدرة اللوجستية لحوالي 138 دولة، على الأقل من الناحية النظرية". وتستهدف على وجه التحديد مجموعة "اقتصادات الحزام الواحد" التي تركز على المناطق الداخلية بأوراسيا (منغوليا، وروسيا، والجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى والقوقاز، وتركيا، ومجموعة متنوعة من دول وسط وشرق وجنوب أوروبا)، مع السّعي إلى التشابك في "اقتصاديات الطريق الواحد"، وتتبع طريق الحرير البحري التاريخي من خلال المشاريع التي تركز على جنوب شرق آسيا والمحيط الهندي وشرق وغرب إفريقيا. ويستشهد عرض الباحثة فردوس محمد، لتحليل كريستوفر موت، بما قاله المعلّقون الأمريكيون حول ما سيكلّفه المشروع مِن نفوذ الولاياتالمتحدة في جميع أنحاء العالم، "معتقدين أنه مع سيطرة الصين على الدول الأصغر، ستثبت نفسها كوسيط صفقات دولي بارز في العالم"، ويضيف: "أثارت العديد من المؤسسات الفكرية الأمريكية مخاوف بشأن الكيفية التي قد يفرض بها الصينيون سيطرتهم الاقتصادية على جزء كبير من العالم، ويستبعدون واشنطن من مناطق بأكملها"، وهي المخاوف التي يرى التّحليل أنّها "في غير محلها"؛ حيث "لا تشكل مبادرة الحزام والطريق أي تهديد حقيقي لوضعية الولاياتالمتحدة على المسرح العالمي"، بل ويمكن أن تعمل جوانب معينة منها على "تعزيز الخيارات الدبلوماسية الأمريكية بشكل غير مباشر، عن طريق الحد من عدم الاستقرار ورعاية التنمية في أجزاء من العالم". وبالنسبة لأوراسيا، يذكر التحليل أن مبادرة "الحزام والطريق" "قد تُخفِّضُ تكاليف التجارة من خلال تبسيط معايير البنية التحتية، والممارسات الجمركية بين البلدان الشريكة، مع تقليل الحواجز التجارية"، ويزيد: "بالنظر إلى أن الصينيين حققوا مكاسب اقتصادية ضخمة في ظل السياسات التجارية المدعومة من الولاياتالمتحدة في الماضي، يمكن أن تسمح المبادرة للولايات المتحدة بفعل الشيء ذاته من خلال الاعتماد على برامج بكين". كما يرى التّحليل ذاته أنّ المبادرة يمكنها أن تساعد أيضا "في جعل الدول أكثر قابلية للحكم، ومسؤولة تجاه مواطنيها"، ثم يضيف: رغم أن "توسيع البنية التحتية في المناطق التي تعمل فيها منظمات متطرفة ليس الدواء الشافي، ولكنه يمكن أن يحد من جاذبيتها"، كما أنّ المبادرة ترسخ "السيادة الاقتصادية للدول المستفيدة". ويوضّح التّحليل أنّ أكبر تأثير لمبادرة الحزام والطريق في آسيا الوسطى، إلى حدّ الآن، هو: "تشجيع النقاش العام حول مدى التأثير الصيني المرغوب فيه، حيث يمكن لبكين أن تساعد في بناء البنية التحتية وتعزيز الرخاء؛ لكنها لا تشتري بالضرورة نفوذًا طويل الأجل من شأنه أن يستبعد القوى الأخرى من التنافس مع الصين لممارسة ثقلها الدبلوماسي". وينبّه التحليل إلى أن الدول غير الساحلية التي تشكل جزءًا كبيرًا من التغطية الحالية لمبادرة الحزام والطريق ليست لها صلة مباشرة تُذكر بأمن الولاياتالمتحدة أو ازدهارها. وبناءً على هذا، "يبدو من غير المحتمل أن تقدم واشنطن لهم بدائل واقعية للتنمية"، ويزيد: "في حين أن الفوائد المحتملة لبكين حقيقية، فإن المبادرة تحمل مخاطر مالية هائلة في شكل ديون مضمونة من الحكومة. وسيكون هذا هو المصدر الرئيسي للتمويل للعديد من البلدان المدرجة في قائمة أولويات مبادرة الحزام والطريق". ويذكّر التّحليل بأنّه، وفقًا للبنك الدولي، "يعاني ما يقرب من ثلثي البلدان المتأثرة بالمبادرة من مواطن ضعف ديون عالية، وأكثر من ثلثها في خطر أو في الواقع في ضائقة الديون". وتشير احتمالية حدوث مثل هذه النتائج غير المتكافئة، حَسَبَ المصدر نفسه، إلى أن الصّين "ستكافح لتحويل استثمارات مبادرة الحزام والطريق إلى هيمنة، والسيطرة على تلك الدول". كما قد تؤدّي مبادرة "الحزام والطريق" أيضًا إلى زيادة التّنافس الصيني الروسي بدلًا من تقليله؛ لأنّ موسكو تتمتّع ب"علاقات دفاعية قوية مع الهند التي تشكّك في مبادرة الحزام والطريق، لكنها مستفيد محتمل من ترويجها التجاري". ويذكر التّحليل أنّ الولاياتالمتحدةالأمريكية بوصفها قوة تجارية محيطية "تستفيد من تعظيم رخاء الدول الأخرى، سواء كانت متحالفة معها أم لا"، ويزيد قائلا: "يجب ألا تثني السياسات الأمريكية الشركات الأمريكية عن متابعة فرص الاستثمار الجذابة في بلدان مبادرة الحزام والطريق". ويرى التحليل أن مبادرة "الحزام والطريق" مثالٌ على ظاهرة أكبر؛ "فمع ازدياد ثراء الدول، تميل إلى الاستثمار بشكل أكبر في الخارج بطرق تعزز مصالحها. ولكن نظرًا لأن الشركاء الصغار في مثل هذه الترتيبات يتلقون المزيد من الأموال، فإنهم يصبحون أكثر قدرة على التصرف بشكل مستقل عندما يتعلق الأمر بالدبلوماسية التنافسية. وهذا يعني أن صانعي السياسة في واشنطن سيكونون من الحكمة بحيث يوسعون العلاقات التجارية، ويحدون من فرص العقوبات التي قد تدفع الشركاء المحتملين بعيدًا". ويؤكّد التّحليل، في ختامه، على مبدأ عام متمثّل في أن "تنمية الصين للروابط والعلاقات التجارية الدولية ليست خسارة تلقائية مُحَصِّلَتها صفر بالنسبة للولايات المتحدة؛ فلا يمنع الاستثمار الصيني الاستثمار من قبل الشركات الأمريكية الخاصة"؛ ف"كلما زاد عدد الرعاة في بلد أصغر، قل احتمال "شرائه" من قبل دولة أجنبية واحدة". كما ينبّه العرض، الذي نشره "مركز المستقبل للأبحاث والدّراسات المتقدّمة"، إلى أنّ البُعدَ الجغرافي للولايات المتحدة عن الدول الأوروبية والآسيوية يجعل من المرجح "أن تنظر الدول إليها على أنها شريك أقل تهديدًا من الصين"؛ وهو ما يعني أنّ "على صانعي السياسة في واشنطن ألا يهدروا هذه الميزة من خلال اتّباع نهج المواجهة أو العرقلة لمشاريع البنية التحتية اّلدولية للقوى الأخرى"؛ لأنّ "رد الفعل الأمريكي المفرط على مبادرة "الحزام والطريق" لن يؤدي إلا إلى تحويلها مِن فرصة للولايات المتحدة إلى تهديد غير ضروري".