تعتبر الانتخابات الوسيلة الإجرائية الملموسة لتكريس الخيار الديمقراطي باعتباره الأداة التي تتبلور من خلاله حرية الإرادة للشعب / الجمهور والتي في الأخير تفرز لنا نخبا تعتبر ممثلة جماعة المواطنين القانونية باكتسابها تلك الشرعية الشعبية عن طريق هذا التفويض الشعبي، ثم يتم بعد ذلك تشكيل المؤسسات التشريعية والتنفيذية وسائر المؤسسات التي تسهر على تسيير المدينة /الدولة.. طبعا هناك مجموعة من المدارس السوسيولوجية والقانونية والفلسفية ناقشت مسألة التمثيلية منذ ربيع الفكر الإغريقي، فالفارابي ثم ابن خلدون.... سبينوزا.. فلاسفة العقد الاجتماعي .. ثم أخيرا المدارس الحديثة والمعاصرة اشتراكية شيوعية ليبرالية، لتطرح أسئلة من قبيل: ما هي حدود التمثيل الفعلي للمؤسسات السياسية التي يتم اختيارها بناء على هذه الإرادة الحرة للجمهور/ الشعب أو حتى فئة معينة؟ وهل هناك عوامل أخرى تساهم في تغليف هذه الإرادة والقناعة الحرة؟ الدين، القبيلة، الإعلام، الاقتصاد، العائلة، الثقافة،..... إذ معه لم يعد بالإمكان الحديث عن تمثيلة حقيقية للشعب، كما أن هؤلاء الذين يمثلون السيادة الشعبية عن طريق الإجراء الانتخابي يتحولون إلى ألغارشيات تقتسم حقول الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية، ثقافية، سياسية في ما بينها، كما تقوم بعمليات تبادل الهيمنة في هذه الحقول في ما بينها. وما زاد من تأزيم هذه الديمقراطية التمثيلية هو التحولات العولمية، خصوصا على مستوى ''السوشيال ميديا''؛ مما عمّق الأزمة، حيث حدّت بشكل كبير من تأثير الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني، بل أصبحت هذه الأخيرة تبدو منفصلة عن المجتمع وأحيانا سبب مأساته. وعليه، أصبحت هذه السيادة الشعبية منفصلة عن الحقول السياسية، نظرا لأن هناك قنوات أخرى يتم من خلالها التعبير عن قضايا الجمهور؛ مما خلق أزمة بنيوية، ساهمت فيها الممارسات السياسية للنخب السياسية من خلال تكريس فعل القرابة والعائلة مقابل الكفاءة / والزبونية والولاء، مقابل العدل والإنصاف. مما يعود بنا إلى عصر الكنيسة والنبلاء والأقنان، أو عصر السادة والعبيد. هذا العصر الذي تم تجاوزه بوجود الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني؛ لكن هذه الأخيرة، كما أسلفنا، تم تقويضها عن طريق ''السوشيال ميديا'' إما على مستوى الخطاب أو التأثير، إضافة إلى مساهمة العمل عن بُعد في تقويض الفعل النقابي. وعلى الرغم من هذه التحولات السياسية التي أفرزت لنا نخبا شعبوية عوضت اليسار سواء في المغرب أو بعض دول العالم، أو نجاح بعض القوى الليبرالية في ممارسة السلطة في دول أخرى؛ فإن هذه التحولات لم تستطع أن تكبح إحساس فئات واسعة من الشعب على مستوى المغرب وباقي دول العالم بالغبن والحرمان والتهميش والتلاعب بإرادتها العامة لصالح الطبقات الألغارشية، لتحافظ على مصالحها أو تقوي آليات الهيمنة على مجموعة من الحقول مما يقف سدا منيعا أمام هذه الفئات للاستفادة من ثمار النمو وتوزيع الثروة. لقد ظهر هذا الأمر جليا في أزمة "كورونا" بشكل واضح من خلال ضعف البينة الصحية من جهة وضعف الحكومة والنخب السياسية الجهوية والمحلية في التعاطي مع الأزمة اقتصاديا واجتماعيا؛ مما يفرض بالضرورة العودة إلى إحياء دور الدولة الوطنية كمتدخل لإصلاح هذه الاختلالات والبحث عن أشكال جديدة لضمان السلم الأهلي وإعادة إحياء السيادة الشعبية، سواء على مستوى القوانين أو على مستوى التفعيل والتداول المؤسساتي يمكن معه إعادة إحياء الأمل في مستقبل الديمقراطية والتنمية. *باحث في السوسيولوجيا السياسية