بينما تسيرُ دولٌ أوروبيّة كثيرة نحو التّعافي الشّامل من تداعيات "كورونا" بعد تراجع وتيرة انتشار الفيروس "القاتل" بها خلال الآونة الأخيرة، مازالَ عدّادُ الإصابات اليوميّة يسجّل أرقاماً قياسية بالمملكة، وهو ما يؤشّر على وجودِ اختلالاتٍ "استراتيجية" على مستوى التّعامل مع تطوّر منحى الفيروس وضبطِ إيقاعهِ. ويشهدُ المغرب موجة غير مسبوقة للإصابة بوباء "كوفيد-19"، الذي ما زالَ يحيّرُ الأوساطَ الرّسمية وغير الرّسمية المغربية؛ وذلكَ على الرّغم من الإجراءات الاحترازية والوقائية المشدّدة التي أقرّتها سلطات البلاد، بينما ربطَ بعض المتتبّعين هذه الموجة "المُخيفة" بتهاونِ المواطنين والسّلطات في تنفيذِ توصيات الوقاية. وتسيرُ معظم دول أوروبا نحو التّحكم النّهائي في انتشار الفيروس، حيث سجّلت بلجيكا مثلاً خلال الفترة الأخيرة 756 حالة كأعلى حصيلة للإصابة بالفيروس، ولم تسجّل هولندا كذلك سوى 655 حالة، وفي تركيا والبرتغال لم يعد الفيروس بالقوّة نفسها التي كان عليها في بداياته الأولى. ومنذ أسابيع، يسجّل المغرب أرقاماً "قياسية" في عدد الإصابات المؤكّدة؛ إذ أصبحت تتجاوزُ معدل الألف إصابة خلال اليوم الواحد، بينما يؤكّد خبراء أنّ المملكة مقبلة على مرحلة "صعبة"، وأن وتيرة انتشار الفيروس الحالية لا يمكن التّنبؤ بتداعياتها على المنظومة الصّحية. وأورد الباحث في السّياسات العمومية كريم عايش أنّ "ارتفاع عدد المصابين ب"كوفيد-19" بالمغرب مردّه إلى "عدم احترام القواعد الصّحية المعلن عنها من قبل السّلطات"، مبرزاً أنّ "المغرب أمام أرقامٍ مهولة سيكون لها تبعات سلبيّة على المنظومة الصّحية". وأبرز المتحدّث في تصريح لجريدة هسبريس الالكترونية أنّ "المملكة كانت تتحكّم في الوضعية الوبائية وعبّأت الجميع للوقاية من الفيروس، بحيث انطلقت الحملات الصحية والتوعوية والأمنية لفرض الحجر، واتخاذ خطوات عملية للحد من تنقل الوباء بين الأفراد". وشدّد عايش على أنّ "ما حدث مؤخرا جعل الجميع يتساءل عن سبب هذا التهاون والتراخي وأحيانا تجاوز التدابير والاستهتار بها"، لافتاً الانتباه إلى أنّه "إذا استمر الوضع التصاعدي في عدد الإصابات، فإنّ ذلك سينقل المغرب إلى مصاف الدول التي أعلنت عن عشرات الآلاف من المصابين يوميا والمئات من الوفيات". وأضاف المحلّل ذاته أنّ "التدابير الوقائية تُلزم بؤر الإصابة بالإغلاق؛ وبالتالي العطالة وانعدام المداخيل، ناهيك عن توقف المصالح الإدارية والتعليمية وانتقالها للعمل عن بعد، وهو ما يعطل مصالح الجميع ويدخل الإدارة في دوامة التأخير وعدم احترام الآجال وتعثر الملفات والمساطر". وتوقّف المتحدث عند "استمرار إغلاق الحدود واقتصار الطيران على الرحلات الخاصة، وهو ما يقضي على السياحة والخدمات ويغرق الاقتصاد المغربي في الركود والفساد، ويضيف إلى جيوش العاطلين مجموعة من عمال الفنادق وأطرها، مما يرهق صندوق محاربة فيروس كورونا وصندوق الضمان، ويؤزم الوضعية الاقتصادية والاجتماعية".