سياسة متناقضة تنتهجها "بلاد شنقيط" في ما يتعلق بالموقف الرسمي تجاه قضية الصحراء، بالنظر إلى السياسة الخارجية المتذبذبة طوال العقود الماضية، رغم تعيين محمد ولد الشيخ الغزواني رئيساً جديداً للجمهورية، خلفاً للجنرال محمد ولد عبد العزيز؛ وإن كان كل رؤساء النظام الموريتاني يؤكدون "الحياد" بشأن النزاع. وتحتفل نواكشوط بالحصيلة السنوية الأولى من مأمورية رئيس الجمهورية الجديد، الذي تسلم مقاليد القيادة في فاتح غشت 2019، إذ شهدت العاصمة الموريتانية حَراكاً دبلوماسياً خلال الأشهر الماضية، شملَ ملف الصحراء المغربية، عبر الزيارات المكثفة التي شهدها البلدان. ورغم الدماء الجديدة التي ضُخّت في شرايين الدبلوماسية السياسية، إلا أن خلف ولد عبد العزيز حافظ على "الحياد الإيجابي" بشأن قضية الصحراء، كما فعل جميع رؤساء موريتانيا منذ انقلاب 1978؛ ذلك أن التقارب الظاهر إعلاميا يُخفي توترا مستمراً، مرده إلى اعتراف موريتانيا بجبهة "البوليساريو". وفي مقابل ذلك، تحافظ موريتانيا على تنسيقها الأمني مع المملكة، بل عزّزته في مستهل الموسم الحالي، من خلال تدعيم التعاون الثنائي في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن تجاهل رئيس الجمهورية لنزاع الصحراء بنيويورك. وفي هذا الصدد، قال نوفل البعمري، باحث في العلاقات الدولية متتبع لخيوط قضية الصحراء، إن "العلاقة المغربية الموريتانية هي علاقة تاريخية تمتد لبداية تشكل الدولة الموريتانية، وتجد جذورها في العلاقات العائلية؛ خاصة بين سكان الأقاليم الصحراوية الغربية والموريتانية". وأضاف البعمري، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "رغم بعض التعقيدات التي كانت تطبع هذه العلاقة، إلا أنها ظلت مجرد قوس هامشي سرعان ما يتم إغلاقه لتعود العلاقة إلى سابق عهدها ونفس القوة، إذ كان التأسيس لها بشكل رسمي في اتفاق حسن الجوار الذي تم توقيعه سنة 1970 بين البلدين". وأوضح الخبير المغربي أن "حسن الجوار مازال يطبع العلاقة بين البلدين وقياداتهما وشعبيهما"، مشيرا إلى أن "العلاقة تعززت مع الرئيس الموريتاني الجديد الغزواني، إذ يكفي التذكير بالحضور القوي أثناء حفل تنصيبه، حيث مثل المغرب وفد رسمي رفيع المستوى يقوده رئيس الحكومة شخصيا". وبالنسبة إلى الباحث عينه فإن "هذا الحضور وجد صداه في الإعلام الموريتاني، وعكسته تصريحات قيادات البلدين أثناء الحفل، إذ أكدت على رغبتها في دعم العلاقات وخلق سبل شراكة أكثر تطورا"، وزاد: "كما أنه طيلة هذه السنة تميزت العلاقة بأحداث تؤكد على متانتها". ويورد المتحدث كمثال الاستقبال الذي خصّصه الرئيس الموريتاني لوزير الخارجية المغربي، تخليدا للذكرى العشرين لاتفاقية حسن الجوار، مبرزا أنها "كانت مناسبة أبلغ فيها وزير الخارجية المغربي الرئيس الموريتاني حرص العاهل المغربي على ما بين المغرب وموريتانيا من وشائج وأرضية صلبة قوامها العلاقات الإنسانية أولا، ووشائج الأخوة الثابتة بين الشعبين الشقيقين، وقوامها كذلك التعاون المثمر في كل المجالات؛ في مجال التكوين وفي المجال التجاري وغيره، وقوامها أيضا الاحترام المتبادل والتقارب في وجهات النظر حول مجموعة من القضايا". وشدد محدثنا على أنه "في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي فقد نظمت من 16 إلى 21 دجنبر سنة 2019، بنواكشوط، الدورة الأولى من أسبوع المغرب بموريتانيا، إذ كانت عبارة عن منصة متميزة للشراكة وتشجيع المبادلات، وكذا فرصة مهمة لتعزيز الدينامية الاقتصادية بين البلدين وتعزيز التجارة البينية، بالنظر إلى ما عرفته الدورة من مشاركة واسعة لفاعلين مغاربة وموريتانيين من مختلف القطاعات الاقتصادية (تجارة، صناعة، صناعة تقليدية، صيد بحري، منتوجات مجالية...)". ولفت البعمري إلى أنه في الإطار ذاته، تعرف الطريق الرابطة بين البلدين يوميا مرور 70 شاحنة قادمة من المغرب ومتجهة إلى موريتانيا، وعبرها إلى دول إفريقية، مردفا: "كان لموريتانيا دور أساسي في ضمان أمن هذه الشاحنات وسائقيها، ما عزز التبادل التجاري البري، وجعل من نقطة الكركارات نقطة عبور تجارية مهمة وحيوية للبلدين". تبعا لذلك، أورد الحقوقي ذاته أنه ب"العودة إلى المساعدات الكبيرة التي قدمها المغرب لدول إفريقية في إطار مواجهة كوفيد 19، كان لموريتانيا النصيب الأوفر في هذا الدعم الإنساني، ضمانا للأمن الصحي للشعب الموريتاني وحماية لحقه في الحياة، ومساهمة في رفع قدرات الدولة الموريتانية قصد مواجهة الفيروس، والتخفيف من آثاره على أمن وصحة البلد". وبشأن القضية الوطنية، أكد المصرح للجريدة أن "موريتانيا حافظت على حيادها الإيجابي من النزاع وأطرافه، وظلت داعمة للمسلسل السياسي، إذ أكد الرئيس الموريتاني نفسه على كون 'موريتانيا تقف على نفس المسافة من جميع الأطراف؛ وهو الموقف الثابت الذي لا تغيير فيه'". وختم البعمري بالإشارة إلى أن "هذا الموقف في حد ذاته متطور وإيجابي، ويصب في مصلحة دعم المسلسل السياسي الأممي"، خالصا إلى أن "العلاقة متطورة، يتداخل فيها الاجتماعي والإنساني والتاريخي والمستقبل المشترك بسبب الجوار؛ وهو ما يفرض التعاطي الإيجابي من كلا البلدين، حفاظا على كل هذه الأواصر التاريخية والمستقبلية".