لم تعد سواحلُ المتوسّط تغري المهاجرين السّريين في ظلّ تفشّي جائحة "كورونا" وما فرضته من إجراءات أمنية مشدّدة، بجانب "منع التّنقل وإغلاق الحدود البرّية والبحرية"، مما عطّل الوصول إلى المناطق الساحلية في الشّمال التي تمثّل منطلق "تدفّقات" المهاجرين غير الشّرعيين. وتؤكّد الكثير من التّقارير أنّ "انتشار الوباء على مستوى أوروبا وشمال إفريقيا، وما نتج عنه من إجراءات أمنية مشدّدة على مستوى مراقبة الحدود ومنع تنقّل المواطنين بين الجهات، ساهمَ في تراجع حدّة الهجرة السّرية"، موردة أنّ "كورونا" ألزمت عددا من مرشّحي الهجرة ب"التّريث" وانتظار ما ستسفرُ عنه هذه التّطورات. وتعرفُ سواحل المتوسّط "هدوءاً" نسبياً بفعلِ تراجع معدّلات الهجرة السّرية خلال هذه الفترة؛ غير أنّ تقارير إعلامية أكّدت أنّه "على الرّغم من إجراءات العزل والإغلاق، فإنّ "الشّرطة وعناصر خفر السّواحل المتوسطية تدخّلت غير ما مرّة لتوقيف مهاجرين سرّيين كانوا بصدد الإبحار إلى أوروبا". وأكدت نشرات الهجرة الخاصة بالسّنة الماضية أن 60 في المائة من محاولات المهاجرين الوصول إلى شبه الجزيرة الإيبيرية تمت عن طريق قوارب الموت، مقابل 20 في المائة من المحاولات التي تمت عن طريق تجاوز السياجات الحدودية الفاصلة بين مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، و20 في المائة عن طريق وسائل أخرى. وفي هذا السياق، سجّل عبد الكريم بلكندوز، خبير في قضايا الهجرة، أن "الإجراءات المعتمدة على مستوى مراقبة الحدود البحرية والبرّية والتي فرضتها جائحة كورونا ساهمت في تقليص حركة المواطنين وبالتّالي تنقّل المهاجرين السّريين إلى منطقة الشّمال"، مؤكّداً أنّ "الحدود مغلقة والرّحلات التّجارية ما بين المغرب وأوروبا منعدمة". ويعتمد المهاجرون السّريون على "قوارب الموت" للوصول إلى أوروبا. كما أنّ هناك فئة أخرى تعتمد في تنقّلاتها السّرية على مهرّبين مجهّزين ب"جيت سكي"، بينما يحاول البعض الآخر العبور إلى سبتةالمحتلة عبر شاحنات التّجارة الدّولية، إلا أنّ هذه الطّريقة لم تعد تغري "الحراكة" المغاربة. وفي هذا الصّدد، أكّد صاحب كتاب "المغرب غير الإفريقي، دركي أوروبا؟" أنّ "جائحة كورونا ساهمت في ظهور هجرة معاكسة من أوروبا إلى المغرب، حيث أقدم شباب على ركوب الأمواج هرباً من جحيم "الفيروس" الذي كان قد انتشر في أوروبا"، مبرزاً أن "دولاً أوروبية تستغلّ الجائحة لتحقيق أغراضها بمحاربة الهجرة بالفيروس". ودعا الجامعي ذاته إلى تبنّي إستراتيجية مندمجة خاصة بالهجرة مع ضرورة إحداث مرصد مغربي خاص بالهجرة من أجل الوصول إلى معلومات دقيقة بشأن عدد المهاجرين وأوضاعهم، لافتاً الانتباه إلى "ضرورة تجاوز المنطق الأمني الذي يحكم قضايا الهجرة السّرية".