خلف أسوار مركز الأميرة للا أسماء للأطفال والشباب الصم بمدينة الرباط، يسود صمت مُطبق. التلميذات والتلاميذ الموجودون داخل هذه المؤسسة التربوية لا يتكلمون. اللغة السائدة هنا هي لغة الإشارات، لكن خلف الصمت الذي يعم المكان ثمة عمل جبار ومثابرة وإصرار على تحدي الصعاب والنجاح في المسار الدراسي ومعانقة الأحلام. هذا الإصرار على رفع تحدي النجاح في المسار الدراسي، والمضي فيه إلى آخر مراحله بهمّة وتفان، يلتمع في عيني التلميذة الزيادي نسرين. تبلغ هذه الشابة من العمر عشرين سنة، وتتابع دراستها في شعبة العلوم المهنية، ونالتْ هذه السنة شهادة الباكالوريا، لكنها مازالت تطمح إلى نيْل شهادات عليا أخرى في مشوارها الدراسي. تقول نسرين إنها ستتابع دراساتها العليا في الجامعة، استجابة لشغفها بالمواد المهنية، وارتأت أن تتخصص في مجال الإعلاميات؛ أما زميلتها مريم العمراني، البالغة من العمر اثنتين وعشرين سنة، والتي درستْ بدورها في شعبة العلوم المهنية ونالت فيها شهادة الباكالوريا، فقد فتحت لها هذه الشهادة الأبواب لتحقيق حلم كان يراودها منذ صغرها. تقول مريم إنها كانت منذ صباها شغوفة بالرسم، وداعبت الريشة بأناملها منذ نعومة أظفارها، وكانت أمنيتها الكبرى هي أن تكون فنانة تشكيلية، والآن، بعد أن نالت شهادة الباكالوريا، أصبحت تدنو رويدا رويدا من هذا الحلم، إذ اختارت استكمال دراساتها العليا في تخصص الفنون الجميلة، وكلها طموح لتحقيق حلم الطفولة. تؤكد التلميذتان نسرين ومريم، أن الفضل في نجاحهما في دراستهما، يعود إلى الأساتذة الذين درسوهما، وواكبوهما هن وزملاؤهن العشرة الذين اجتازوا امتحان الباكالوريا، طيلة هذه السنة الدراسية الاستثنائية، من خلال التعليم عن بعد، وتوفير شروحات الدروس لهم في مختلف المواد، وبعد نهاية الحجر الصحي، استمرت المواكبة والدعم المباشران داخل فصول المؤسسة من أجل التحضير الجيد للامتحان. وخصصت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، امتحانا مكيفا للتلاميذ الصم، بينما تمّت الدراسة عن بعد طيلة فترة الحجر الصحي عن طريق تطبيق خاص أنشأته مؤسسة للا أسماء للأطفال الصم، ومكّنهم من مواكبة دروسهم مثل باقي التلاميذ، وما سُجل من نواقص تم تداركه عن طريق الدروس الحضورية التي تلقوها داخل الفصول بعد نهاية الحجر، في جو اتسم باحترام شروط السلامة الصحية. خلال السنة الدراسية المنتهية، عرف مستوى تلاميذ مركز للا أسماء للأطفال والشباب الصم، وهي مؤسسة تستقبل الأطفال الصم من المستوى الابتدائي إلى الثانوي، تطورا ملحوظا، إذ تمكنوا من اجتياز باكالوريا الشعبة التقنية، ويَرجع الفضل في هذا التطور إلى المجهود الذي يبذله الجهاز التربوي المشرف على تأطير التلاميذ، والعمل الذي تقوم به الوزارة عبر تكييف امتحانات الباكالوريا، حسب الحسين الحصيني، مدير المؤسسة. وأضاف المسؤول ذاته أن الأميرة أسماء تتابع باستمرار وتواكب العمل الذي تقوم به المؤسسة التي تعمل تحت رئاستها الشرفية، وتتابع تطور مستوى التلاميذ وتوفر لهم جميع احتياجاتهم، مشيرا إلى أن وزارة التربية الوطنية مكنت التلاميذ من تتبع دروسهم عن بعد، وفي شهر يونيو، وفرت المؤسسة لتلاميذها دروسا خصوصية لمدة ثلاثة أسابيع قصد التحضير الجيد لامتحانات الباكالوريا. وبلغ عدد التلاميذ ذوي إعاقة، الذين ترشحوا لاجتياز امتحانات الباكالوريا، ما يزيد عن 500 تلميذة وتلميذ، 207 منهم، أي حوالي أربعين في المائة من هؤلاء التلاميذ ترشحوا في المؤسسات التعليمية التابعة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط-سلا-القنيطرة، نجح منهم 153 مترشحة ومترشحا، بنسبة 73 في المائة، "وهذه النسبة حقيقة تُعتبر مفخرة لهذه الجهة، لأنها تندرج في سياق تنزيل الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بالتربية الدامجة"، يقول محمد أضرضور، مدير الأكاديمية.