لا شك أن استراتيجيات التنمية المختلفة كثيرًا ما تعتمد على الجوانب الاجتماعية والقيمية وسلوك الأفراد والجماعات في توطين التنمية وجعلها جزءًا لا يتجزأ من منظومة التنمية الاقتصادية. ومشاكل التنمية والتخلف يجب أن يُنظر إليها في إطار اجتماعي وثقافي عريض، والرخاء الاقتصادي هو أحد مظاهر وجود تنمية حقيقية في بلد ما... فالشعب الأمريكي يعتز بمجموعة من القيم كالاستقلالية وروح التحدي والمثابرة والاعتماد على النفس، وقد مكنت هذه القيم الرجل الأمريكي من غزو العالم بمنتجاته، وثقافة منتجاته، ولدى الآسيويين منظومة قيم مكنتهم من تحقيق التقدم، فحب العمل والتركيز الشديد على عنصر الجودة والالتزام بالمواعد المحددة لتسليم السلع، والانضباط والنظام، كلها أخلاقيات جعلت اليابان وغيرها من النمور الآسيوية في مصاف الدول الصناعية رغم الصعوبات والتحديات... فأين قيمنا الاجتماعية والاقتصادية والإدارية في النموذج التنموي المنشود؟ إن الثقافة الإسلامية تدعم مجموعة من القيم التي ترجح كفة التنمية لصالح البلاد كالصدق والإخلاص والأمانة وإجادة العمل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، وكذلك التركيز على عمارة الأرض عمارة إسلامية خالية من الإفساد، وذلك باستخلاف الإنسان فيها كما في قوله تعالى: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾، بل الأمر أكثر شدة عندما ركز الإسلام على أن الإنسان مطالب بالعمل النافع حتى آخر لحظة من حياته "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها". لذلك ينبغي أن ننطلق في نموذجنا التنموي من رفض مفهوم التحديث بالمعنى الغربي، وبناء نموذج للتنمية يقوم على الاستفادة من المهارات التكنولوجيا الغربية مع عدم التضحية بالقيم الثقافية الإسلامية، فإذا استطاعت آسيا أن تتمكن من المهارات الصناعية للغرب، ومع ذلك تحتفظ بقيمها الثقافية، وأقامت أعظم حضارة عبر التاريخ، فإننا نستطيع أن نوفق بين استيعاب التكنولوجيا الغربية وتطويرها في إطار الاحتفاظ بالقيم الثقافية الإسلامية، وبذلك نكون قد حققنا نموذجا طيبا للتنمية. وعلى هذا الأساس، ينبغي على المنظرين للنموذج التنموي في بلادنا التمسك بالإسلام والنهوض من خلاله، والتركيز أيضا على القيم الاجتماعية الأسرية والفردية، فالأسرة هي حجر الزاوية في ترسيخ مجموعة من القيم، وأهمية العائلة تكمن في تحقيق الأمن الاجتماعي، وقيام الرجل بمسؤولياته تجاه أسرته ومجتمعه يأتي قبل حقه في المطالبة بمزاياه الفردية، وإذا ما تمادى الفرد بالتعدي على حقوق المجتمع فإن ذلك الشخص يكون فعلا قد سرق من حقوق الأغلبية ويسعى بكل أنانية لخدمة مصالحه الخاصة، وهذا أمر مرفوض في ظل القيم الإسلامية، فالانضباط الاجتماعي والعمل العائلي يعتبر جزءا من منظومة قيم العمل في الإسلام. ولا تنمية بدون ترسيخ مبدأ الاستثمار في الموارد البشرية وتنميتها واعتبارها الهدف الاستراتيجي في العملية وتطوير تلك القوى البشرية وتنمية قاعدتها، والسعي نحو تأصيل المبادئ القيمية في تلك القوى وتوجيهها نحو أهداف وخطط استراتيجية تنموية واضحة... ولا تنمية للمغرب دون تحقيق ما يلي: - قيام أمة مغربية موحدة، يحكمها الشعور بالمصير الواحد المشترك، وهذه الأمة لا بد أن تكون في سلام مع نفسها ومتكاملة جغرافيا وعرقيا وتعيش في انسجام... - خلق مجتمع مغربي متحرر سيكولوجيا، وآمن ومتطور قوي الإيمان والثقة بنفسه، وفخور بوضعه وبما أنجز... - بناء مجتمع ناضج ديموقراطيا، يمارس نوعا من أنواع الديموقراطية النابعة من المجتمع والملبية لمتطلباته... - بناء مجتمع تسوده الأخلاق والقيم، المواطنون فيه أقوياء في دينهم وقيمهم، وتحكمه أسمى مستويات الأخلاق... - بناء مجتمع ناضج متحرر متسامح يكون فيه المغاربة من مختلف الألوان والأعراق... - بناء مجتمع علمي تقدمي قادر على الابتكار ويتطلع دائما إلى الأمام... - بناء مجتمع يهتم بالآخرين، يأتي فيه المجتمع قبل الفرد، ويكون فيه محور رفاهية الناس ليس الدولة أو الفرد... - ضمان وجود مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية، واقتصاده يتميز بالمنافسة الكاملة... *باحث في القانون العام