يفرض موضوع الحماية الجنائية للحياة الخاصة بالمغرب _كما في باقي البلدان الأخرى_ تحديات كبيرة على المستوى التشريعي والهيكلي، والمؤسساتي، سواء بالنسبة إلى مجال حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، أو الحماية الجنائية للحياة الخاصة في المجال المعلوماتي، وخاصة إحداث التوفيق والموازنة بين مسايرة التقدم التكنولوجي الجديد في ظل زمن العولمة والرقمنة والمواكبة المحيَّنة لما يجتاحنا من النظم التي تنتهك حرمة الحياة الخاصة. لقد حظي الحق في حرمة الحياة الخاصة باهتمام كبير من جانب الهيئات والمنظمات الدولية، انطلاقا من مبدإ عام يسود المجتمع الدولي، وهو احترام حقوق الإنسان الأساسية الذي كان مدخلا رئيسيا لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة، حيث عقدت الاتفاقيات الدولية والإقليمية والمحلية لإقرار حقوق الإنسان؛ ومنها حقه في حرمة حياته الخاصة، والبحث عن أفضل الوسائل لحماية هذا الحق الذي يعد من أقدس الحقوق وأسماها ويتسم بطابع السرية والخصوصية. وكذلك نص دستور 2011 بحماية الحياة الخاصة بعد أن أضاف مقتضى جديدا ضمن هندسته الجديدة يتعلق أساسا بهذا الحق، وذلك من خلال المادة 24 "لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة"؛ لأن الحريات والحقوق الأساسية يتجليان في قدرة الأفراد على الإتيان بعمل لا يضر بالآخرين، أي أنها قدرة مقيدة بعدم الإضرار بالغير في حدود التنظيم الدستوري والقانوني للدولة.. لذلك، كان من الضروري التنصيص عليها في الدستور المغربي قصد حمايتها من تدخل المشرع العادي؛ بل إن كل تشريع يتعارض مع ما نص عليه الدستور من حقوق وحريات يعد غير دستوريا وواجب الإلغاء. فهناك حقوق تكفلها الوثيقة الدستورية بشكل مطلق ولا تسمح بالمساس بها، وهي مؤطرة في 22 فصلا (من الفصل 19 إلى الفصل 40). في السياق نفسه دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى إبعاد تدخل القانون عن الحياة الخاصة الشخصية للأفراد؛ فقد طالب المجلس المذكور، في مذكراته حول مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتعديل القانون الجنائي، بعدم تدخل هذا الأخير في العلاقات الشخصية الحميمية إلا بصفة استثنائية مثلا عندما يلابسها عنف غير مشروع. فضلا عن ما صدر من نصوص قانونية كثيرة ذات الصلة، حيث تم وضع ضوابط وقواعد من خلال تجريم كل فعل من شأنه أن ينتقص من حق الإنسان في العيش الكريم في ظل الخصوصية؛ كجرائم الاعتداء عن النفس، والجرائم المتعلقة بحرمة السكن، والرسائل، وإفشاء الأسرار، وانتحال الاسم والتزوير فيه، بالإضافة إلى حماية المحادثات الشخصية من خلال تجريم التجسس وغيره، وهو ما يستدعي تحيينا دائما للقوانين لمواكبة الجرائم المستجدة. مما يدعونا إلى طرح سؤال مركزي متجلٍ في كيفية تعامل المشرع المغربي مع هذه الحماية، وما هي القوانين المؤطرة لذلك؟ أقر القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، لأول مرة في المشهد القانوني المغربي، جملة من المقتضيات القانونية الهادفة إلى حماية الهوية والحقوق والحريات الفردية والجماعية والحياة الخاصة من كل ما من شأنه أن يمس بها عبر استخدام المعلوميات. ويحدد القانون، في جملة أمور أخرى وبدقة، الحق في الولوج إلى القواعد التي تتضمن المعطيات الشخصية، والتعرض على بعض عمليات المعالجة، وطلب تصحيح المعطيات الخاطئة أو مسح المعطيات التي انتهت صلاحيتها أو التي تم تحقيق الغاية من معالجتها. وقد بات المغرب، باعتماد هذا القانون، واحداً من أولى الدول العربية والإفريقية التي تتوفر على نظام كامل للحماية، وإحدى الوجهات الآمنة في مجال تداول المعطيات الشخصية دون أن نغفل القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. وقد تضمن هذا القانون مقتضيات بحماية الحياة الخاصة، أضيفت إلى مجموعة القانون الجنائي بموجب الفصول (447-1 و447-2 و447-3 ) تشمل بموجب المقتضيات الجنائية؛ - منع التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحبها. - منع تثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء وجوده في مكان خاص دون موافقته. - بث أو توزيع تركيبة من أقوال شخص أو صورته، أو بث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة. يهدف هذا المستجد إلى حماية صورتين من صور المساس بالحياة الخاصة للفرد. سعيا إلى ضمان حماية أمثل لمكونات الحياة الخاصة المشار إليها، رتب المشرع المغربي جزاء جنائيا على ارتكاب أحد الأفعال السابق ذكرها. أوضح منشور رئيس النيابة العامة الإطار القانوني الناظم لمنع تصوير الأفراد حماية للحياة الخاصة، المتمثل بالأساس في قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، من جهة وبعض المقتضيات المتفرقة بين قانون الصحافة، وقانون 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي؛ تشمل أوجه هذه الحماية منع التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص، أو سري، دون موافقة أصحابها؛ فضلا عن منع تثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء وجوده في مكان خاص دون موافقته. الملاحظ أن هناك تداخلا ما بين القانون الجنائي ومقتضيات قانون الصحافة والنشر 88-13 فيما يتعلق بالمس بالحياة الخاصة، ما يجعل المتضرر يحار بين رفع شكايته في إطار هذا القانون أو ذلك، وهو سلوك تشريعي ما كان ينبغي الوقوع فيه؛ لأنه مساس بالأمن القانوني، ومن شأنه إرباك العمل القضائي وعمل النيابات العامة. وعليه، فإن هذه القوانين تجسد فعلا مقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المتعلقة بحق الشخص في عدم التدخل على نحو تعسفي أو غير مشروع في حياته الخاصة. لهذا، بات من الضروري أن نتحرر من كل الأفكار (النمطية) التي تمارس إكراهها علينا. وأخيرا، هل نستطيع إنقاذ حماية الحياة الخاصة من خلال هذه القوانين وتلك التعديلات؟ *باحث في العلوم الجنائية والدراسات الأمنية بكلية الحقوق طنجة