رقمنة الإستفادة من تعويضات العلاج ل"CNSS".. هذه هي الخطوات الجديدة التي يجب اتباعها من قبل المؤمن لهم    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت    إحباط عملية للهجرة غير المشروعة عبر المسالك البحرية بالحسيمة    الصين تعتمد مخططا للتحول الرقمي للصناعة الخفيفة    ارتفاع الدرهم مقابل الدولار    الصين تدعو لتعاون عالمي رابح – رابح في مجال العلوم والتكنولوجيا    مسيرة تدعم الفلسطينيين في الرباط    إسرائيل تقتل 25 شخصا بقطاع غزة    العلمي: "ديون الضمان" ملف مصطنع .. ولا علاقة لحزب الأحرار ب"جود"    العلمي: لم أتلق ردا من المحكمة الدستورية بخصوص انسحاب الUMT من التصويت على قانون الإضراب    حصيلة الزلزال في بورما تتجاوز ألف قتيل    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    معنينو يكشف "وثيقة سرية" عن مخاوف الاستعمار من "وطنيّة محمد الخامس"    عدم صرف الدعم الاجتماعي للأسر يثير تساؤلات مع حلول عيد الفطر    المعارضة بجماعة الجديدة تطالب بإدراج نقاط تتعلق بوضعية النظافة والصحة والثقافة في دورة ماي 2025    نقابات تطالب بحماية الموظفين خلال عملية توزيع الأعلاف.. وإشادة بمجهودات المديرة الإقليمية لوزارة الفلاحة بطنجة    لائحة الشركات التي تقدمت للإستفادة من الدعم المخصص لأضاحي العيد العام الماضي    الرميد يرد على لشكر: مهاجمة حماس وتجاهل إسرائيل سقوط أخلاقي وتصهين مرفوض    المغرب التطواني يعبر لدور ثمن نهائي كأس العرش    المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية بطنجة تُعلن عن أماكن إقامة صلاة عيد الفطر لعام 1446    وفاة شاب في أصيلة في ظروف مؤلمة.. والمعطيات الأولية تشير إلى اضطرابات نفسية    الوداد يتأهل إلى ثمن كأس العرش    أوراق من برلين.. أوقات العزلة المعاصرة: اكتشاف الشعور الكوني    ترجمة "نساء الفراولة" إلى العربية    الساسي يُقيم مشروع المسطرة الجنائية    الطالبي العلمي: معطيات الوزير بركة عن استيراد الأغنام "غير صحيحة"    حلويات "الفرّانْ" تتراجع بشفشاون    الأمم المتحدة: مقتل 830 فلسطينيا في غزة خلال 8 أيام بينهم 496 امرأة وطفلا    عبد الرحيم.. نموذج مشرف للأمانة يعيد عشرة ملايين سنتيم إلى صاحبها في سوق إنزكان .    محكمة الاستئناف ببرشلونة تبرئ اللاعب ألفيس من تهمة الاعتداء الجنسي    مدينة طنجة ضمن أفضل 10 وجهات سياحية عالمية لعام 2025 وفق مجلة ألمانية مرموقة    العامل المنصوري يبشر بمشروع "مدينة الترفيه والتنشيط" لتطوير إقليم تطوان وخلق فرص للشغل    تألق ليلة القدر في رمضانيات طنجة الكبرى: روحانية، تراث وتكريم لذوي الهمم    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    تحويلات مغاربة الخارج تتجاوز 17.8 مليار درهم وتراجع طفيف في الاستثمارات بالخارج مقابل ارتفاع قوي في تدفقات الاستثمارات الأجنبية بالمغرب    الديوان الملكي يعلن عن ثلاث تعيينات جديدة    عمرو خالد: هذه تفاصيل يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.. مشاهد مؤثرة ووصايا خالدة    رفع الإيقاف عن مهدي بنعطية    شهر رمضان.. وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم حصيلة حملة المساعدة الإنسانية في القدس    144 قتيلا جراء الزلزال في ميانمار    بخصوص ما قاله الكاتب الأول عن فلسطين الآن!    مستقبل الدولي المغربي سفيان أمرابط بات على المحك … !    دنيا بوطازوت تنسحب من تقديم "لالة العروسة" بعد أربع سنوات من النجاح    إسبانيا تعلن عن ملف مشترك مع المغرب والبرتغال لتنظيم بطولة عالمية جديدة    السعيدية.. تسليط الضوء على الندوة الدولية حول تطوير الريكبي الإفريقي    رحمة بورقية: أول امرأة تترأس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب    العجز التجاري للمغرب يقفز إلى 50.7 مليار درهم عند متم فبراير    وزارة الداخلية.. إغلاق 531 محلا ومصادرة 239 طنا من المنتجات غير القانونية    العرض ماقبل الأول لفيلم «مايفراند» للمخرج رؤوف الصباحي بسينما ميغاراما    رامز جلال في رمضان والكاميرا الخفية المغربية .. مقلب في الضيوف أم في المشاهد؟    مباريات كرة القدم للتأهل إلى المونديال إصابة أكرد تدمي قلب مشجع ستيني    عودة أسطورة الطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي في عرض يعد بالكثير    باحثون يكتشفون رابطا بين السكري واضطرابات المزاج ومرض ألزهايمر    كرة القدم لعبة لكنها ليست بلا عواقب..    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحداث متسارعة تضع مستقبل الزّعامة الأمريكية في مهبّ الأزمات
نشر في هسبريس يوم 21 - 06 - 2020

منذ تسعينيات القرن الماضي والولايات المتحدة الأمريكية، تستأثر بمكانة وازنة في الساحة الدولية، مستثمرة مقوماتها العسكرية والدبلوماسية والتكنولوجية والاقتصادية.. من جهة، والفراغ الاستراتيجي الذي خلّفه انهيار الاتحاد السوفييتي، وعدم بروز منافس قوي وندّي في هذا الصدد، من جهة أخرى.
رغم التطورات الاستراتيجية الهائلة التي شهدها العالم على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، وتورّط الولايات المتحدة في عدد من الأزمات والنزاعات الإقليمية والدولية كاحتلال العراق، وضرب أفغانستان..، فإنها استطاعت أن تكرّس زعامتها، وتتجاوز مختلف التحديات التي واجهتها، عبر توظيف القوة العسكرية تارة، أو من خلال الضغوطات الاقتصادية، وآليات القوة الناعمة تارة أخرى.
تعرّضت الكثير من الممارسات الأمريكية الخارجية لانتقادات واسعة، جسّدتها مواقف عدد من الدول والمنظمات الدولية، بعد ارتكابها لخروقات تتناقض والمواثيق والقوانين الدولية، كما هو الشأن بالنسبة للتّواطؤ مع إسرائيل، في مصادرة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، واحتلال العراق، وضرب عدد من الدول كليبيا والسودان..، ومواقفها المناهضة لعدد من القضايا والمشاكل الدولية، كتلوث البيئة وحقوق الإنسان..
ومع تولّي "دونالد ترامب" لمهام الرئاسة داخل البيت الأبيض، رفع شعار "أمريكا أولا"، لتتوالى بعد ذلك القرارات الصادمة التي أثارت جدلا واسعا، حيث تمّ الانسحاب من بعض المنظمات كاليونسكو بذريعة "انحيازها ضد إسرائيل"، ومن بعض لمعاهدات الدولية كاتفاقية باريس للمناخ..، ثم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وقطع المساعدات عن "الأونروا"، إضافة إلى تعليق استقبال اللاجئين، والانسحاب من اتفاقية التجارة العابرة للمحيط الهادي، وتغيير قانون الرعاية الصحية "أوباماكير"، وحظر دخول رعايا عدّة دول إلى الأراضي الأمريكية..
بدأت الولايات المتحدة تتخلّى حتى عن حلفائها، مع توجّه إدارة "ترامب" إلى ترشيد نفقاتها (أمريكا) داخل حلف شمال الأطلسي، ودعوة أعضائه إلى تحمّل نصيب أوفر من المسؤولية في هذا السياق، فيما أصبحت دول الاتحاد نفسها تعتمد سياسات ومواقف خارجية، مختلفة عن التوجهات الأمريكية، بصدد عدد من القضايا الدولية، كما هو الشأن بالنسبة للملف النووي الإيراني، وقضايا البيئة، والهجرة..
وأمام هذه المتغيرات، وتحت ضغط مجموعة من الأزمات التي ضربت الولايات المتحدة والعالم في الآونة الأخيرة، عاد موضوع مستقبل الزّعامة الأمريكية إلى واجهة النقاش السياسي والأكاديمي، ومع ظهور كتابات تتنبأ بتراجع أدوار الولايات المتحدة على المستوى الدولي، بناء على مؤشرات ذاتية متّصلة بأزمة المصداقية التي تواجهها على المستوى الدولي، ووجود تراجعات على المستوى الاقتصادي، وإشكالات لها علاقة بالممارسة الديمقراطية، وتدبير التنوع المجتمعي..، أو موضوعية مرتبطة بصعود مجموعة من القوى الدولية كالصين..
وضعت جائحة "كورونا" الولايات المتحدة كقطب دولي وازن، تحت محكّ حقيقي لتجريب قوّتها، وعلى عكس المتوقّع، بدت "رائدة النظام الدولي" مرتبكة في تدبيرها، ما أتاح تفشّي الوباء داخل عدد من الولايات، مخلّفا أكبر حصيلة دولية على مستوى الإصابات والوفيات.. فيما ذهبت بعض الدراسات إلى أن الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية، أو من أمريكا اللاتينية، باتوا أكثر عرضة للإصابة والتضرّر من الوباء، مع ضعف التأمينات الصحية، وفقدان كثير منهم لعمله..
وهكذا، بدت الولايات المتحدة التي طالما تم التسويق لإمكانياتها البشرية والتكنولوجية والعلمية والصناعية.. ضعيفة أمام الوباء، الذي يبدو أن تداعياته الاقتصادية والاجتماعية.. ستكون أشدّ وأكثر خطورة في المستقبل، مع فرض حالة الطوارئ الصحّي بعدد من الولايات، وما رافق ذلك من إيقاف العمل بعدد من الشركات والمصالح.. وتتوقّع الكثير من التقارير أن الأزمة الاقتصادية ستتعمّق بشكل كبير في البلاد، بشكل سيتجاوز التداعيات التي خلفتها أزمة 1929، بل إن هناك من حذّر من إمكانية تنامي الاحتجاجات، التي قد تصل إلى حدّ العصيان المدني، تحت ضغط المعضلات الاجتماعية..
ستتعقّد الأوضاع أكثر، مع اندلاع احتجاجات واسعة في عدد من الولايات، جرّاء مقتل المواطن الأمريكي من أصول إفريقية "جورج فلويد"، تلاها فرض حالة منع التجول في عدد من المدن، وتدخلات عنيفة من قبل الشرطة، لتكشف حجم الإشكالات الحقوقية، والتفاوتات والتناقضات القائمة داخل الولايات المتحدة.. والتي أثارت استياء عدد من المواطنين، بغض النظر عن أصولهم ومكانتهم الاجتماعية..
ويأتي الحادث ضمن سلسلة من الانتهاكات التي تعرّض لها مواطنون من أصول إفريقية منذ ستينيات القرن المنصرم، مع اغتيال القسّ "مارتن لوثر كينغ"، مرورا إلى مقتل "رودني كينغ" من قبل عناصر الشرطة في شهر مارس من عام 1991، ووفاة "إريك غارنر" في مركز الشرطة عام 2014..
انتشرت الاحتجاجات في عدد من الولايات بكل متسارع، ولاقت تعاطفا واسعا داخل أمريكا وخارجها، ورغم بعض الانزلاقات التي جسّدتها مظاهر السّلب والنهب التي برزت في خضم هذه الأحداث، فقد اعتبرها الكثيرون استثناء، بالنظر إلى السّلمية التي طبعت مجمل المظاهرات التي رفعت خلالها شعارات تنبذ العنصرية، وتدعو إلى تحقيق العدالة بتوجيه تهمة القتل من الدرجة الأولى لقاتل "فلويد"، وبإجراء تعديلات على قوانين الشرطة..
إن الفشل الأمريكي الواضح على مستوى تدبير الأزمتين معا، سيؤثر بالسلب على المستقبل السياسي ل"ترامب" والذي تفصله عدة أشهر فقط عن الانتخابات الرئاسية القادمة، مع استثمار خصومه السياسيين لهذه التطورات ضدّه، كما ستكون لذلك تبعات، فيما يتعلق بتآكل الصورة التي ما فتئت الولايات المتحدة تروجّها كديمقراطية عريقة، وقوة ضاربة قادرة على مواجهة مختلف الأخطار والتحديات، وعلى قيادة "النظام الدولي الجديد".. وأمام هذه الأزمات المكلفة، والمقرونة بحالة الانكفاء التي نهجها "ترامب" منذ مجيئه إلى البيت الأبيض، ستتعمّق عزلة أمريكا عن العالم بقضاياه المختلفة، ما قد يوفر الأجواء المناسبة لصعود أقطاب جديدة، مثلما هو الشأن بالنسبة للصين، التي يبدو أنها مصرّة على استثمار هذه الأوضاع لصالحها، في أفق إرساء نظام دولي متعدّد الأقطاب قد تساهم فيه روسيا والاتحاد الأوربي..
* مدير مختبر الدراسات الدولية حول تدبير الأزمات في جامعة القاضي عياض بمراكش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.