لم تُلزِمِ الجائحة الكثيرين بيوتهم فقط، وتجبرهم على نقل حياتهم إلى العالَم الرقمي؛ بل كثيرا ما حلّت الكلمات المكتوبة والمسجلة وتلك المباشرة المتقطّعة محلّ الكلمات المتبادلة في الحوارات اليومية للنّاس. ودفعت الجائحة كثيرا من الباحثين والهيئات البحثية والمؤسّسات إلى استكشاف العالَم الرّقميّ ومكنوناته، تواصلا ونشرا، ولو لم يتلّق جميع الكتّاب هذا الإنتاج البحثيّ بيد ممدودة؛ مثل حسن احجيج، الباحث في علم الاجتماع، الذي انتقد استرسال المنشورات الرقمية التي اعتبرها مبتسرة حول "كورونا"، في حين "السوسيولوجيا مكانها المجلّات العلمية المحكمة والكتب لا "فيسبوك"". ولم تكن أزمة جائحة فيروس "كورونا"، التي لا تزال مستمرّة إلى حدود اليوم، موعدا للتقارير الحقوقية الرقمية فقط حول تدبيرها، والفروقات الاجتماعية التي زادت إبرازها؛ بل أغنت الفضاء الرقمي، في شقّه العربي والفرنسي المغربي، بمنشورات متعدّدة. ومن المجال الجامعي، تبرز مبادرة جامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة، التي نشرت رقميا كتابا جماعيا باللغتين العربية والفرنسية، يقارب تحدياتها من مختلف التخصصات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والتاريخية والفلسفية، شارك فيه أزيد من ثلاثين أستاذا جامعيا. ووجد النّشر الرقمي صداه أيضا مع الهيئات البحثية المستقلة؛ مثل المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، الذي أصدر مؤلّفا جماعيا يقارب فيه مجموعة من الباحثين التأثيرات الأوليّة لجائحة كورونا على المجتمع المغربي. ومؤسسات بحثية مثل مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدّراسات، الذي جمع باحثين مغاربة على سؤال الحاجة إلى التربية البيئية، والكتابة في سبيل وعي بيئي جديد، ونشر هذه الدراسات في كتاب جماعي. كما كانت الأزمة العالمية الراهنة محطّة نشر فيها أكاديميون مثل السوسيولوجي أحمد شراك، الذي نشر كتابا رقميا نقل تأمّلاته ويومياته مع الفيروس عبر مجموعة من المحاور، تضمّنها كتاب عنونه ب"كورونا والخطاب.. مقدّمات ويوميّات"". في حين استثمر باحثون ظروف الجائحة ومستجدّاتها في كتابة أولى الروايات حولها، وهو ما قامت به الأكاديمية المغربية مريم آيت أحمد، التي كتبت ونشرت رقميا، على حلقات، رواية عنونتها ب"تنين ووهان". ودفاعا عن اختيار البحث في ظاهرة لا تزال مستمرّة، برّر الباحث ميلود الرحالي، في تقديم كتاب جماعي أشرف على إصداره خلال هذه الجائحة، بحاجة المغرب إلى "حَراك فكري وعلميّ وأكاديميّ يثمّن جيّدها ويدعمه، وينبّه إلى المطبّات والمسارات المنحبسة والخيارات غير السّالكة، ويقترح المزيد من الحلول لتسريع عجلة التّنمية والإصلاح".