يعتبر تشييد مصنع عملاق صناعة السيارات الفرنسي "رونو" بطنجة نموذجا رائدا على الصعيد الإفريقي لإرادة الاندماج في الاقتصاد العالمي من بوابة صناعة السيارات المنخفضة التكلفة. ولعل تمسك الفاعل الفرنسي "رونو"٬ بدعم من الشركاء المغاربة٬ بمشروع بناء المصنع بالرغم من تداعيات الأزمة العالمية على قطاع السيارات كان اختيارا تحكمه رغبة الطرفين في تعزيز التعاون لتشييد واحدة من أهم أرضيات صناعة السيارات بحوض البحر الأبيض المتوسط. وبفضل الموقع الجغرافي والبنيات التحتية الهائلة واليد العاملة المؤهلة٬ سيكون مصنع "رونو" نموذجا رائدا للتحكم في سلسلة الإنتاج انطلاقا من التزود بأجزاء السيارات٬ وتركيب العربات٬ ثم التصدير نحو الأسواق العالمية عبر ميناء طنجة المتوسط وشبكة خطوطه البحرية المتشعبة. مصنع رونو طنجة وإرادة الاندماج المحلي شرع مصنع رونو طنجة في إنتاج سيارة "لودجي" العائلية والتي تسوق تحت علامة "داسيا" وهو يحقق معدل اندماج محلي في حدود 44 في المائة٬ أي أن حوالي نصف أجزاء هذه السيارة تصنع محليا بالمغرب لدى الأوراش التابعة ل"رونو" أو لدى الوحدات الصناعية المستقرة محليا٬ لكن الطموح يتمثل في تحقيق معدل اندماج محلي يصل إلى 85 في المائة٬ حسب بول كارفالهو مسؤول بمصنع رونو. في السياق ذاته٬ يوضح رئيس قسم صناعة الهياكل بالمصنع روجر مارتان أن سيارة منخفضة التكلفة تتطلب الحصول على ما بين 1800 و 2000 جزء٬ وهو المعدل الذي يختلف حسب العلامة والموديل٬ في الوقت الذي يتطلب صنع الهيكل لوحده حوالي 300 جزء. وتهدف سياسة التزود التي تنهجها مجموعة رونو إلى الرفع من معدل الاندماج المحلي من خلال إنشاء أوراش خاصة والاعتماد على شبكة المزودين المستقرين بالمغرب٬ خصوصا ضمن محور طنجة - الدار البيضاء٬ وهي الشبكة التي من المنتظر أن تتعز باستقرار فاعلين جدد بمنطقة طنجة٬ مما سيعزز قدرة مصنع رونو على التحكم في سلسلة الإنتاج. نظام نقل متعدد الأنماط في خدمة رونو طنجة يرى بول كارفالهو أن مصنع "رونو طنجة"٬ الذي يمتد على مساحة 300 هكتارا من بينها 250 ألف متر مربع مغطاة٬ يقع في موقع "نموذجي " لتشييد أرضية صناعية من هذا الحجم٬ مبرزا أن المطار والمنطقة الحرة حيث يستقر العديد من المزودين يبعدان بحوالي 30 كلم٬ كما تبعد مدينة طنجة بحوالي 25 كيلومترا٬ فيما يقع ميناء طنجة المتوسط على بعد أقل من 30 كلم. ويستفيد المصنع من وجود شبكة نقل متعددة الأنماط بالجوار٬ بالإضافة إلى الطريق الوطنية المزدوجة بين طنجة وتطوان٬ يتوفر المصنع على منافذ على مقطع الطريق السيار والمقطع السككي الرابط بين مدينة طنجة وميناء طنجة المتوسط٬ وهي الشبكة التي ستوضع رهن إشارة المصنع لتوريد الأجزاء أو تصدير السيارات. وسيعتمد المصنع بالأساس على شبكة السكك الحديدية لإيصال السيارات إلى ميناء طنجة المتوسط قبل شحنها إلى الوجهة النهائية٬ إذ يقوم المخطط٬ حسب بول كارفالهو٬ على تسيير 3 قطارات يومية بين المصنع والميناء بسعة 230 سيارة لكل قطار٬ علما بأن مصنع "رونو طنجة" يتوفر على موقف للسيارات الجديدة بسعة 7 آلاف عربة. وبالمركب المينائي طنجة المتوسط٬ ستستفيد مجموعة "رونو" من رصيف مينائي يتوفر على مساحة تخزين تبلغ 13 هكتارا لتصدير سياراتها نحو الأسواق النهائية بأوربا وإفريقيا. مكننة الإنتاج واحترام البيئة تتكون سلسلة الإنتاج بمصنع رونو من مراحل مهمة تدار من طرف الإنسان الآلي (الروبو)٬ إذ يتم التحكم في سلسلة صناعة أجزاء هيكل السيارة بنسبة 100 في المائة من طرف الإنسان الآلي٬ نظرا لدقة هذه المرحلة من عملية الإنتاج. كما يتوفر قسم التلحيم وصباغة الهيكل على 23 آلة ذكية تحتاج إلى الإشراف البشري٬ فيما يعتمد قسم التجميع على التدخل البشري بشكل كبير. ويؤكد كارفالهو أن معدل المكننة بالمصنع ككل قد يناهز 30 في المائة. على مستوى آخر٬ تأخذ سلسلة الإنتاج بمصنع رونو٬ بعين الاعتبار الإكراهات البيئية٬ إذ يعتمد قسم الصباغة على تسخين الماء انطلاقا من الطاقة الإحيائية عبر استغلال الخشب وبعض المواد العضوية (كنوى حبات الزيتون) من أجل الحصول على الطاقة الحرارية. وترى غاييل آرشامبو٬ المسؤولة عن قسم البيئة المستديمة٬ أن المصنع يحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة من خلال استغلال الطاقات المتجددة٬ فضلا عن معالجة كل المياه الناجمة عن الإنتاج وإعادة تدويرها. التكوين حجر الزاوية في دعم سلسلة الإنتاج يشغل مصنع "رونو" بطنجة حاليا حوالي 2500 بين إطار ومهندس وتقني٬ من بينهم أزيد من مائتي أجنبي من جنسيات مختلفة٬ يشرفون على إدارة سلسلة الإنتاج أو التكوين في مهن السيارات التي يلجها المغرب بقوة وتميز٬ باعتبارها واحدة من المهن العالمية التي يراهن عليها لتحقيق الإقلاع الاقتصادي. وتشرف مجموعة من المكونين بمعهد التكوين في مهن صناعة السيارات طنجة المتوسط٬ ٬ الذي تم افتتاحه في مارس الماضي بمصنع "رونو" باستثمار قيمته 86 مليون٬ على تكوين جيل جديد من التقنيين والأطر المتخصصة في مختلف مهن صناعة السيارات. وشدد المسؤول عن التكوين بالمعهد السيد يوسف سباعي على أن صناعة السيارات تعتبر ثاني صناعة أكثر تعقيدا في العالم مما يتطلب تكوينا دقيقا ومتواصلا في مختلف مهن السيارات. ويمتد المعهد على مساحة 5600 مترا مربعا ويضم 22 مدرسة و8 ورشات للتكوين ومقرات للتكوين الموازي والإدارة٬ وينتظر أن يشمل التكوين٬ بالإضافة إلى العاملين بالمصنع٬ عمال وأطر المجهزين والمناولين المتعاقدين مع رونو انطلاقا من سنة 2013. وإذا كان معدل الإنتاج بمصنع "رونو" لا يتعد٬ في الوقت الراهن٬ 30 سيارة في اليوم٬ فإن وتيرة الإنتاج ستشهد ارتفاعا متواليا لتصل إلى 30 سيارة في الساعة٬ لبلوغ إنتاج بقدرة 360 ألف سيارة سنويا٬ وهو ما سيمكن المغرب من أن يصبح أرضية كبرى لتصنيع السيارات المنخفضة التكلفة.