لجأ المغرب إلى اتخاذ تدابير استباقية وإجراءات صحية، وجند الإمكانات الأمنية والإعلامية لمحاصرة وباء كورونا ومنعه من الانتشار؛ مجهودات جبارة ثمنها جميع المغاربة، وأشادت بها دول العالم. وإن كان قد نجح في التقليص من حجم انتشار الوباء، فإنه لم ينجح في التخفيف من آثاره على بؤر الفقر التي تدفع أصحابها إلى خرق الحجر الصحي، وبالتالي تمديد أجله؛ إنها الفئات المعوزة التي تعاني من الأمية الأبجدية والقانونية، الكادحات والكادحون الذين تعرضوا لقطع مورد عيشهم جراء حالة الطوارئ الصحية، والذين يعملون في قطاع غير منظم تم إغلاقه، وفقدوا بذلك مصدر رزقهم الوحيد، لأنهم محرومون من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والحماية الاجتماعية؛ كيف ذلك؟ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مصدرا هاما للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويعترف بالحق في الضمان الاجتماعي (المادة 22)، والحق في العمل المادة (23) 34 في المئة من الأسر بلا دخل وفق بحث أجرته مندوبية التخطيط بسبب الوباء الحق في مستوى معيشي لائق المادة (25) 27 في المئة لا يتوفرون حتى على مواد التعقيم (البحث نفسه)، الحق في التعليم (المادة 26) 29 في المئة من التلاميذ والتلميذات بالوسط القروي لا يتابعون أي دروس؟ الحق في الراحة والترفيه (المادة 24) أي راحة وأي ترفيه والعنف الزوجي بجميع أشكاله بلغ 86.8؟ فهل تمت تهيئة الظروف الضرورية لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية؟ هل تمت مساعدته على التحرر من الخوف والفقر في أزمة الوباء؟ كما تنص المادة (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن كل شخص له الحق في مستوى معيشي كاف له ولأسرته يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء، والكساء والمأوى، وحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. هذه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ملزمة للمغرب للوفاء بها، ليس بالتدابير التشريعية وحدها، بل باتخاذ تدابير إدارية، ومالية، وتعليمية، واجتماعية. ويظهر الحرمان من الحقوق التي ذكرت في القطاع غير المهيكل الذي يتوجه بالدرجة الاولى إلى الطبقات الشعبية الكادحة؛ كيف؟ القطاع غير المهيكل أو غير المنظم هذا القطاع لم يكن مسجلا ضمن أهداف السياسة الاقتصادية والاجتماعية، وإنما تطور بدافع من الإرادة الفردية التي يتحكم فيها صراع البؤساء من أجل البقاء... مواطنون ومواطنات محرومون من الحق في التعليم، والشغل القار اضطروا إلى امتهان أنشطة هامشية تتشكل أساسا من: تجارة الرصيف، مشروعات صغيرة في الخدمات، مياومين، عمال بناء، الصباغة، إصلاح السيارات، باعة متجولين، عاملات وعمال المقاهي والمطاعم... والفئات العاملة بهذا القطاع تسكن في أماكن ضيقة وسط كثافة سكانية خطيرة، ومحرومة من الأمان الاجتماعي والاقتصادي. ويمكن القول إنه مجال الهامشية، وجيب الفقر لا غير، مداخيله ضعيفة وغير منتظمة، ظروف عمله غالبا ما تكون غير لائقة. ويزداد النشاط في القطاع غير المنظم عندما يكون الفقر والهشاشة منتشرين، بحيث يصبح هذا القطاع الملاذ الأخير ضد الجوع والمرض. والخطير فيه أن مشاعر التضامن والوعي الطبقي تضعف لدى الطبقة الكادحة به، وهذا ما يلاحظ في تزايد حالات خرق الحجر الصحي، وعدم الامتثال لمرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية. والجدير بالذكر أن هذا القطاع على هامش أنظمة الحماية الاجتماعية كما سنرى. الحماية الاجتماعية ليست إحسانا الحماية الاجتماعية حق من حقوق الإنسان الأساسية غير المشروطة، وليست إحسانا. وهو حق مكرس في اتفاقيات الأممالمتحدة، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة الصحة العالمية. والحماية الاجتماعية تكفل الكرامة لكل مواطن ومواطنة، بالإضافة إلى أنها تساهم في تحقيق الأهداف المجتمعية والاقتصادية، وأداة مهمة لمنع المخاطر، وصون التماسك الاجتماعي. وقد حظيت نظم الحماية الاجتماعية بمكانة بارزة بين أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة (الخطة العالمية للتنمية المستدامة 2030)، حيث دعت إلى استحداث نظم وتدابير حماية اجتماعية للجميع، وتحقيق تغطية صحية واسعة للفقراء بحلول 2030. وجاءت أيضا في مقتضيات اتفاقية رقم (102) والتوصية (202) لمنظمة العمل الدولية المتعلقتين بالحماية الاجتماعية في مجال الشغل. وهذه المقتضيات لا تطبق بالمغرب على الرغم أن الدستور المغربي ينص في الفصل (31) على أنه "... يجب تفعيل وتوسيع الحماية الاجتماعية، والتغطية الصحية، ومكافحة كل أشكال الفقر، والإقصاء، وترسيخ التضامن بين الأجيال باتخاذ التدابير اللازمة...". وتشمل الحماية الاجتماعية كل التدخلات التي تهدف إلى الحد من المخاطر الاجتماعية، والتخفيف من حدة الفقر والحرمان. وهكذا يتضح لنا أن واقع انعكاس أزمة الوباء كان أشد تأثيرا على القطاع غير المهيكل، والفئات الهشة المحرومة من الحماية الاجتماعية. وعوض تفعيل نظام الحماية الاجتماعية أعلنت الحكومة أنها ستدعم الشركات الكبرى، والمؤسسات العمومية! وما مصير المقاولات الصغرى: المقاهي، محلات الحلاقة، الطاكسيات...؟ والسؤال الذي يفرض نفسه أين بؤر الفقر في زمن كورونا من هذه الحماية والتمكين من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟ لقد كشفت أزمة الوباء عن الفوارق الاجتماعية وحرمان العديد من مقومات العيش الكريم، وهذا أخطر من بؤر الوباء، لأن الوباء سيندحر ويتلاشى، ولكن بؤر الفقر ستتناسل في غياب تفعيل الحقوق الاقتصادية والحماية الاجتماعية. وكاقتراح، أتساءل لماذا لا تبحث الدولة عن استراتيجية لإدماج القطاع غير المهيكل في القطاع الرسمي وتضمه تحت مظلتها؟ أو لماذا لا تراجع الحكومة خططها الإنمائية أو سياستها الاجتماعية والاقتصادية لتمكين الذين يعيشون على هامش المجتمع من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وليس توزيع دعم اقتصادي محدود وحاط بالكرامة؟ أم إنها تفضل ترك القطاع غير المهيكل لأنه يساهم في الحد من البطالة الناتجة عن عجز القطاع الرسمي عن ضمان الشغل لكل من يرغب فيه؟ وكما نجح المغرب في تقليص حجم بؤر الوباء، عليه النجاح في تقليص حجم بؤر الفقر لأنها أخطر. أليس كذلك؟