شكلت جائحة كورونا صدمة للجميع، عندما تبين أن عدم الإصابة بالعدوى لن يتم إلا بالاختباء منها بكل الوسائل وكذا اللجوء إلى المعقمات وتغيير طرق التعامل الآدمي بمنع السلام بالأيدي أو بالعناق، والاكتفاء بالتحية عن بعد ضمانا للتباعد، لأن الوباء ينتشر بين الناس بل ويبقى عالقا في الهواء. وقد أبانت هذه المعلومات عن الأخطاء الكارثية التي ارتكبها بعض المسؤولين عندما هونوا من خطورة هذا الوباء، وأن الكمامات لن تغني عنه شيئا، وأنه إلى زوال شأنه شأن عدد من الأوبئة أو الأمراض التي تعرفها البشرية، ثم كان الخطأ القاتل هو السماح للوباء بالمرور عبر الحدود، إذ بدل تجهيز المطارات والموانئ وكل مداخل البلاد بآليات مراقبة حرارة الوافدين، وتعميم وسائل الوقاية كالمعقمات والكمامات في كل مكان، ركننا إلى مجرد طرح تساؤلات على القادمين أو ملء بطاقات حول معاناتهم من مضاعفات، ومن ثمة تركنا الباب مشرعا للعدوى القادمة من الخارج. وأمام عدم التزام البعض بتدابير الحجر الصحي، ورغم الدور الكبير لرجال الأمن والسلطات في محاولة ضبط سلوكات المواطنين، ودور الأطقم الطبية في التعامل مع عدو جديد غير مرئي في ظل غياب أية سياسة دوائية قادرة على الحد من انتشاره أو الحد منه، رغم استعمال بروتكول الدكتور راوول المعتمد على دواء الكلوروكين الذي اثبتت اليوم بعض الدراسات أنه غير قادر على التصدي للوباء وأن مضاعفاته الجانبية تبقى غير مضمونة، كان لزاما أن تظهر هنا وهناك بؤر وبائية للأسباب السابقة، مما رفع من أعداد الإصابات، وجعل المسؤولين مترددين في إعطاء تاريخ فعلي للسماح بمعاودة الأنشطة الاقتصادية لحركتها، وإنهاء الحجر الصحي كما هو الشأن بالنسبة للدول التي تناقصت فيها أعداد الإصابات الجديدة. إن الأنشطة الاقتصادية لن تتحمل تمديدا جديدا في ظل إكراهات الحجر الصحي، لا سيما وأن الإجراءات المواكبة وإن كانت مهمة، إلا أنها لم تشمل فئات كثيرة أكثر هشاشة، وأنشطة غير مهيكلة تقتات منها نسبة كبيرة من المواطنين بكل الطرق. كما أن المقاولات الصغيرة في ظل عدم توفرها على رؤى مستقبلية متوسطة أو بعيدة المدى لأنشطتها، قد تشهر إفلاسها ومعه مئات الآلاف من العاطلين الجدد، وما يستتبع ذلك من أزمات إنسانية وعائلية واقتصادية. لذلك يجب على صناع القرار أن يعوا جيدا، تفاديا لأخطاء كارثية أخرى، أن أي قرار كيف ما كان، لا بد وأن يستحضر كل فئات المجتمع وكل الأنشطة مع محاولة مواءمة الحالة الوبائية الحالية والمتوسطة المدى مع أي حال كان، من أجل إقرار فتح تدريجي ومسؤول للأنشطة الأكثر تضررا مع إجراءات وقائية موازية. فالوباء لن يختفي نهائيا فعلينا التعايش معه شئنا أم أبينا في ظل غياب أي عقار للتصدي له. وربما هي فرصة نادرة لإعادة إنتاج سلوكات وأنماط تفكير واشتغال جديدة. إن هذا الوباء وطريقة التعامل معه تسائلنا جميعا كل من موقعه، فمصلحة الوطن يجب أن تواكب كل خيار يجب اعتماده لإنهاء الحجر الصحي، ولبث روح التفاؤل والمسؤولية وسط مجتمع طالما أقنعناه أن التفاهة والوصولية والمحسوبية هي أقصر الطرق لضمان المستقبل، والوصول السريع إلى الشهرة، وربما آن الأوان لتلقينه أشياء أخرى من قبيل الفرد في خدمة الجماعة والجماعة تحت تصرف الفرد، وأن بناء الوطن الذي يجب أن يسع الجميع مرهون بمشاركة الكل ولو بأضعف الإيمان من قبيل البقاء في المنزل.