"حزب الله" يؤكد مقتل 17 جنديا إسرائيليا الخميس في معارك الجنوب    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    وزارة الأوقاف: فاتح شهر ربيع الآخر 1446ه بعد غد السبت    الحكومة تُحدد نظام البذلة الرسمية لموظفي الجمارك    قلعة أربعاء تاوريرت بالحسيمة.. معلمة شاهدة على تاريخ الريف    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في حيازة وترويج 7 كيلوغرامات و800 غرام من الكوكايين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    "الماكلة واللعنة".. جزائريون مقيمون في المغرب يرفضون الانخراط في الإحصاء    المنظمة العالمية للملاكمة تقرر إيقاف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مدى الحياة    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    نقابات الصحة تكشف تفاصيل اجتماع تنفيذ الاتفاق مع الوزارة    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية    موظف شرطة ينتحر بسلاحه في الرباط        "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    بايتاس يلوم الجفاف على عدم تحقيق نسبة نمو كبيرة للاقتصاد المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    أخبار الساحة        عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    تقييم "أوبن إيه آي" مطورة "تشات جي بي تي" ب157 مليار دولار بعد تبرعات طائلة    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة:الرد على هجمات إيران سيكون قريبا    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    كيوسك الخميس | ودائع المغاربة لدى الأبناك تتجاوز ألفا و202 مليار درهم        الرئيس الإيراني: "إذا ردت إسرائيل سيكون ردنا أقسى وأشد"    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    إطلاق مركز للعلاج الجيني في شيفيلد برئاسة أستاذ مغربي ببريطانيا    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة جائحة كوفيد 19 بين تهافت موازين القوى المادية وإرساء القيم الروحية
نشر في هسبريس يوم 13 - 05 - 2020

يمر العالم اليوم بحدث قلب كل الموازين وأربك كل الحسابات والاستراتيجيات، حيث حبس الأنفاس وأعجز القوة المادية واستسلم له النظام الدولي، يمر بأزمة جائحة الفايروس المستجد، أزمة عالمية مدمرة يصعب تخيل عواقبها، تعد أكبر تحد يواجهه العالم منذ الحرب العالمية الثانية باتساع رقعتها وتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، حيث بات العالم في حالة شلل تام.
أزمة كشفت الغطاء عن عورات وثغرات النظام الدولي السائد وأثبتت ضرورة إقامة نظام دولي جديد من خلال إعادة ترتيب أولويات الإستراتيجية العالمية بإلزامية احتضانها ومعانقتها للإنسان كل الإنسان.
فقد فرضت تحولات عالم ما بعد الحرب الباردة تحديات كبيرة للنظريات التفسيرية للعلاقات الدولية. ذلك أن نهاية الحرب الباردة بطرق سلمية بدون إراقة أي قطرة دم، وهي نقلة أخلاقية ضد كل التوقعات، أحدثت ثورة منهجية وفكرية على تلك النظريات التي تم الإقرار بفشلها وبعدم قدرتها على التنبؤ للمستقبل.
فإذا كان فشل كل هذه النظريات يتجلى في افتقارها للنظرة التنبؤية، فإن النظريات السائدة في العلاقات الدولية حاليا تمتلك رؤية بعدية مستقبلية من خلال تأديتها لوظائفها في الوصف والتفسير والتنبؤ والبحث في كيفية التغيير، تتسابق في ظل هذه الجائحة على تنبؤ مستقبل العالم وسط إجماع شبه مطلق على أن الأمور لن تعود كما كانت عليه في السابق. هذا الإجماع النظري خلف ردود فعل قادة الدول الكبرى الذين يدركون بأنهم شهود على اختفاء نظام دولي وبروز آخر ينتصر للقيم وللنظرة الأخلاقية للعلاقات الدولية التي يجب أن تحرص على أسس السلم والأمن والمحافظة على استقرار العالم مع إرساء القواعد الديمقراطية والإعلاء بكرامة الإنسان أي أنسنة المنظور المعياري للعلاقات الدولية.
وهو إعلان ضمني صريح على تصدع العالم وتوقفه بفعل عجزه عن مواجهة الجائحة نتيجة انهيار المعايير الأخلاقية ومعايير القيم الإنسانية التي بدونها أصبح العالم جسدا بدون روح.
وهي مناسبة لتقديم إجابة ورؤية حقيقية على أسئلة عميقة وعديدة والبحث في صياغة تصور متكامل عند تحديات الواقع السائد وسبل معالجته، مما يقتضي الوقوف على أسباب فشل النظام العالمي الحالي الذي راكم قوة فائقة ضخمة أمام غزو عدو مجهول لم يكن له عليه سلطان. وكيف سيكون الإطار المؤسسي والدبلوماسي والسياسي والقانوني الناظم للعلاقات الدولية خلال حقبة ما بعد الجائحة وكيفية تجلية القيم بأن يكون الإنسان هو عقيدة النظام الدولي الجديد.
إن النظام الدولي المهيمن انكشف في عجزه في مواجهة تداعيات الأزمة، كما أن السياسات النيوليبرالية والعولمة السائدة منذ الحرب الباردة زادت من حدة الكارثة. إن العولمة التي تم إقرارها كبديل لما بعد الحرب الباردة ، قد تم تفعيلها بتجريدها وإفراغها من محتواها المؤطر لها.
خلال آخر قمة جمعت الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب مع أول وآخر رئيس للاتحاد السوفياتي ميخاييل غورباتشوف أيام 2 و3 دجنبر 1989 على متن باخرة ماكسيم غوركي بمالطا بعد سقوط حائط برلين والنهاية السلمية للحرب الباردة والتي تعد انتصارا للنظرة الأخلاقية للعلاقات الدولية بادر الرئيس بوش إلى طرح مبادرة إرساء أسس السلم والأمن والمحافظة على استقرار العالم بإقراره لأول مرة مفهوم العولمة جوابا على مبادرة الرئيس غورباتشوف بناء البيت الأوروبي المشترك، حيث أن الرئيس ركز على ظاهرة العولمة كبديل للنظام الدولي ما بعد الحرب الباردة، والتي ستعمل من أجل حكامة عالمية أي أنسنة المنظور المعياري للعلاقات الدولية، بمعنى أن مصدر العولمة ليس القوة وإنما منظومة القيم.
وتجلت رؤيته في الدعوة إلى عولمة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكامة الجيدة والشفافية، ومن أجل ذلك إشراك المجتمع المدني في صنع القرار.إلا أن التعامل معها بالطريقة الأمريكية فهو تكريس الهيمنة الأمريكية على العالم أي أمركة العالم.
يجب الإشارة هنا إلى أن الخطاب الرسمي الأمريكي دائما كان يرتكز على المبادئ والقيم من خلال نبذه للحروب ودعوته لإقامة نظام عالمي جديد على أسس العدالة والمساواة وحقوق الإنسان ونشر الحرية والديمقراطية، إلا أنه تحول أخيرا إلى خطاب يطغى عليه المصلحة والقوة لفرض هيمنته وسلطته على العالم في إطار أحادية القطبية وهو ما تجلى من خلال أحداث 11 شتنبر 2001 بتفعيل خطة MIHOP أي ضرب مصالح وطنية معينة والتضحية بها من أجل تحقيق إستراتيجية أشمل وأعظم، وقد تم تكريس هذه المعادلة لخلق عدو مرعب عالمي جديد يحل محل العدو الشيوعي المنحل لإرهاب العالم وتطويعه تسهيلا لبسط نفوذه وهيمنته على الساحة الدولية كقطب قائد، ومن هنا بدأ الصراع على المستوى الدولي يتميز بفقدان الثقة بعد نهاية الصراع الإيديولوجي.
إن هذه العولمة التي وقع التبشير بها سرعان ما انهارت أمام أول أزمة اختبار، لأن هدفها توجيه العالم تحت ضغط الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية للولايات المتحدة، ولكونها تحولت إلى عولمة الأسواق وسطوة لغة المال بإعطائها للغني أجنحة كي يطير بها في عالم بدون حدود وما يحدد حدوده هو حسابه البنكي. حيث أن خضوع العالم لسلطة المال وملكوته قلب الموازين وتم التسليم بالقيم، أي إفراغ هذه العولمة من قوتها المحركة، فانهارت وشلت اقتصاديات العالم، ذلك:
أن العالم يتم تسييره بتفاعل عناصر محددة ومؤطرة للإستراتيجية العالمية في إطار توازن بين سلطة القوة وسلطة المعرفة وسلطة المال وسلطة الإعلام، وأي خلل يقع بين هذه السلط يؤدي حتما إلى زلزال في المنظومة العالمية.
فالاصطدام الواقع بين هذه السلط أدى إلى سيادة سلطة المال على الحياة العامة ، حيث تحول المال بموجبها إلى عقيدة على حساب سلطة المعرفة أي القيم في إطار الأحادية القطبية تحت سيادة هذه الموجة من العولمة المنكوبة التي أحدثت تغييرات جذرية وعميقة في نمط حياة الإنسان بانفصاله عن قيمه وهويته وبتحويله إلى إنسان آلي. عوامل أدت إلى الكارثة كإعلان صريح عن نهاية عالم وظهور عالم آخر بهندسة جديدة، عالم متعدد الأقطاب والهويات، عالم ما بعد أحادية القطبية.
فرضية زادت حدتها بعد أن جيء برئيس للدولة القطب من عالم المال فاقد للحسن السياسي وبإدارة غير كفئة وغير مؤهلة وبتخطيط غير ملائم لقيادة العالم. علما أن تقلده الحكم أدى في ظرف وجيز إلى تحويل بلده إلى شركة وإلى تسليع كل شيء: العلاقات الإنسانية والإرث الحضاري.
كما عمل على تشويه وتبخيس دور مؤسسات الدولة التي تقتسم معه السلط كمجلس النواب والأجهزة الإستخبارتية، بل أكثر من هذا فقد عمل على تبخيس مكانة مؤسسة البيت الأبيض التي لم نعد نسمع باسمها أي بيان ، بعدما تحول إلى تغريدات شخصية للرئيس.. كما قام بتهميش وتهديم التحالفات الخارجية وتحويلها إلى سوق لبيع التعاون والتضامن مقابل المال على حساب القيم (الشراكة تعني وحدة المصالح أما التحالف فهو وحدة القيم)، وهذه الخيارات أدت بتآكل القيادة القطبية للنظام الدولي وإلى نهاية العولمة.
الشيء الذي جعل بعض السياسيين في مجال العلاقات الدولية بروسيا يطرحون بشدة فرضية تفكيك الولايات المتحدة بنفسها بعدما ضعف دور المركز وتقلصت هيبته وتحويل القيم ، الركيزة الأساسية للوحدة إلى سلعة في المزاد العالمي مقابل المال بالإضافة إلى تدهور حالة الشعب اجتماعيا في أغلب الولايات.
إن القيم المجسدة في وثيقة 17 شتنبر 1787، تعتبر مصدر الوحدة وتشبث الشعوب الوافدة بالانتماء لهذا البلد الذي لم يتم ارتقاؤه إلى موقع "وطن" إلا بعد المبادرات المتعددة في تفعيل بنود هذه الوثيقة إنسانيا، وذلك اعتبارا بإعلان تحرير العبيد بقرار تنفيذي أصدره الرئيس أبراهام لنكولن يوم 1 يناير 1863 والذي تم بموجبه تحرير العبودية التي كانت تتخذ صفة المؤسسة تشريعيا. وترسخ هذا الانتماء بفضل الانتصار في الحربين العالمين الأولى والثانية وتعزز بالشعار الذي اعتمده الرئيس جون كنيدي في انتخابات 1961 والتي مرت في أوج الصراع الإيديولوجي الحاد بين الشرق والغرب، حيث انطلق كنيدي في حملته الانتخابية بناء على مبدأين:
" لا تقل ماذا أعطتني أمريكا بل قل ماذا أعطيت أنا لأمريكا ".
" إذا كانت الانتخابات والصراعات على السلطة تفرقنا فإن تقدم وازدهار أمريكا يوحدنا ".
هذه المبادئ داخل ذلك النسق الدولي المحدث، عززت الهوية والوحدة والالتحام حول هذه القيم نحو تأسيس أمة قومية. فالتسليم إذن بهذه القيم يهدد بتفكيك هذه الوحدة. صحيح أن هذا الطرح وهذا الاستنتاج كان متداولا، كذلك في الثمانينات من القرن الماضي في عهد الاتحاد السوفياتي ، حيث إن جل النظريات السوفياتية كانت تؤشر على سقوط القطب الغربي ، والحقيقة أنه في خضم هذه الأزمة تم تقويض الثقة بقيادة الولايات المتحدة للعالم ولم يعد ينظر إليها بهذه الصفة بسبب الإدارة الحالية التي تخلت عند منصب القائد ، موضحة أنها تهتم بعظمة أمريكا أكثر من اهتمامها بمستقبل البشرية " أمريكا أولا "، حيث تخلت هذه الإدارة حتى عند أقرب حلفائها بسبب المصلحة الذاتية الضيقة لحكومتها، وعدم كفاءتها. فأصبحت قائدا غير مسؤول إطلاقا، لينكشف الغطاء الدولي في هشاشة كل القوى العظمى وينكشف معها غياب مفهوم التضامن الجماعي الدولي والإنسانية الوطنية الكبرى.
إن الجائحة قد تكون بمثابة الضربة القاضية للعولمة وللتكتلات الاقتصادية الكبرى التي سيتراجع مفهومها لمصلحة تزايد النزعة الوطنية والاعتماد على المقومات القومية بعد فشل الاتحاد الأوروبي في تبني إستراتيجية تضامنية مشتركة لمواجهة الأزمة ، حيث انتصر التوجه نحو المركزية الاقتصادية للدولة القومية (ابريكسيت نموذجا) وتعزيز دورها وترسيخ الهوية التي تحولت في زمن العولمة إلى معطى حاسم في مستقبل العلاقات الدولية لرسم مستقبل جديد متعدد الأقطاب والهويات، عالم ما بعد أحادية القطبية، عالم ذو نشأة مستأنفة، عالم محدث فرديا ومحليا ودوليا يبث الروح من جديد في شبكة العلاقات استعادة لدورها. وذلك باستعادة البعد الروحي ، حيث قال الوزير الأول البريطاني السيد بوريس جونسون " انتهت حلول الأرض ولابد من حلول السماء " وذلك بوعي الإنسان بأنه كائن روحي ولا يمكن اختزاله في البعد الاستهلاكي وتحديد هويته في حسابه البنكي.
إن الأزمة تهدد بإحداث عدوى مالية في اقتصاد عالمي يعاني من نقاط ضعف مختلفة تؤشر بانهيار النظام المالي العالمي. وقد أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكثر من مرة ، أن الأخطر من كورونا هو انهيار اقتصادي لا تحمد عقباه، وقد يؤدي إلى انهيار أسواق المال ويدخل العالم في حالة عدم استقرار. والواقع أن الجائحة تدفع الاقتصاد العالمي إلى أعمق ركود متوقع مع انخفاض الناتج العالمي بشكل كارثي.
من الواضح إذن أن الجائحة سمّمت العلاقات الدولية وأصبح من اللازم تبني طريق التضامن العالمي والتعاون الدولي للانتصار ليس فقط على الوباء ، ولكن على كل الأزمات المستقبلية التي قد تهاجم العالم وذلك بإعادة صياغة نظام دولي وفق التحديات الجديدة للبشرية وليس وفق التوازنات الدولية القائمة على الصراع الذي انتقل بعد انهيار حائط برلين ونهاية الصراع الإيديولوجي إلى صراع فقدان الثقة بين الأنظمة السياسية والقوى العسكرية والتكتلات الدولية المتناحرة عبر التاريخ، وأن يكون الإنسان هو عقيدة النظام الدولي ،وهذا التوجه يمرّ بالضرورة عبر انتقال موازين القوة ، من القوة المادية وقوة السلاح والدمار الشامل ، إلى قوة غير مرئية تحركها القيم والمعرفة والعلم كمقياس القوة في إطار معايير القيم الإنسانية الكونية المشتركة بالانتصار لمفهوم واحد، وهو الإنسانية ووجدانها.
إن الاستثمار في العنصر البشري يشكل أهم قوة باعتبار باعتباره السّند الحقيقي دون منازع، وإعادة الاعتبار للفاعل السياسي الحامل للقيم باعتبار أن السياسة علم ولها قواعد وليست تجارة ومزاد علني ، وهما شرطان أساسيان وجوهريان لإعادة بناء العلاقات الدولية وأنسنتها، لأن العلاقات الدولية تستند قوتها من السلوك البشري ، كما أنها تتغير وتتطور نتيجة الاصطدامات والأزمات الكبرى.
فالعلاقات الدولية تفاعلات ذات نمطين تعاوني وصراعي، إلا أن النمط الصراعي هو المهيمن على التفاعلات الدولية، لأن التعاون بشكله الحالي يمكن أن يستغل في إطار الاستقطابات، لخدمة صراع معين ، وقد يحمل في طياته محاولة التأثير على قرارات الدولة وتوجيه سياستها بما يخدم مصالح الدولة الداعمة أو تكبيدها مجموعة من القيود التي تتراكم كنتاج للتأثير والنفوذ.
فالبقاء للعلاقات الكريمة ، وهو ما يدعو إلى صياغة واضحة للعلاقات الدولية من خلال التصورات الصحيحة للثوابت والقيم والمبادئ السامية، كمنظومة أخلاقية متكاملة والتي لم تعد اليوم وهما في العلاقات الدولية ، بل أصبحت بديلا حقيقيا لربح رهانات الحاضر والمستقبل.
إن تأسيس الأمم المتحدة عقب أعمق الحروب المفجعة أثرا وشراسة في التاريخ ، أعطى رؤية للعالم المرهق من هذه الحرب عن منظمة عالمية تعمل على تأسيس عالم يتسع للجميع تحفظ فيه الكرامة الإنسانية وتحقق فيه المساواة في الحقوق لضمان الأمن والسلم والاستقرار. إلا أنها وبالرغم من إلزامية قرارات مجلس الأمن وتوفرها على آليات ممارسة وظائفها بكل قوة في حفظ الأمن والسلم العالميين، فإن العالم يمر بأزمات خطيرة ومعقدة تهدد بخراب الكون نتيجة تدهور منظومة القيم لفائدة تغذية نزوات الفكر الضال والتطرف والإرهاب والإقصاء والتكفير، حيث نعيش اليوم تسعة أيام سلام في السنة فقط. حالة تبدو على إثرها العلاقات الدولية علاقات تطاحن مليئة بكل أنواع الصراع والمآسي والأزمات، فلا القانون الدولي استطاع أن يحدّ من الحروب وأشكال العنف والكراهية والإرهاب، ولا التنظيم الأممي استطاع أن يردع المعتدين.
إن الميثاق الأممي الموقع بسان فرانسيسكو يوم 26 يونيه 1945 ، يجسّد بصدق حلم وإرادة وآمال الآباء المؤسسين في بناء عالم قابل للحياة قوامه السلام والتضامن والوئام ، بعد حرب عالمية ثانية مدمّرة، بتأكيده على أهمية الإنسان وحقوقه وعلى التسامح والتعايش بين الشعوب والأمم. إلا أن هذا الحلم وهذا الانتظار عمر طويلا ليصبح بعد 75 سنة همّنا وحلمنا نحن اليوم.
فلماذا فشلت المنظمة بالرغم من اعتمادها كل النظريات والآليات المتاحة في توفير الأمن والازدهار ورفاه العالم ؟ لماذا هذا التناقض بين ميثاق مثالي وبين واقع محدق ومضطرب ؟ ولماذا لم يتم لحد اليوم تفعيل هذه المبادئ ميدانيا ؟ وأين يوجد الخلل؟ وما هي القيم الأساسية التي يجب أن توجه العلاقات الدولية لضمان مستقبل أفضل ؟
لإيجاد الحلول الشافية لهذه الأسئلة وبعد تآكل كل التوجهات والنظريات السائدة، يتم الإقرار بأن الأمر لا يتعلق بالميثاق أو بالقانون الدولي، باعتبار أن العلاقات الدولية تستمدّ جذورها من الوعي والسلوك البشري، بقدر ما يتعلق بإرادة إرساء منظومة القيم بمفهومها الإيماني، لتخليق العلاقات الدولية. وهذا يؤكد أن الأمم المتحدة في حاجة ماسة اليوم وفي هذه الظرفية الحرجة إلى رجال ونساء الإيمان. وإقرار هذه المقاربة يمرّ بالضرورة والالتزام بتفعيل الدبلوماسية الروحية كآلية جيوستراتيجية جديدة ، قادرة على حل الصّراعات والنزاعات من خلال الاعتماد على القيم الروحية للشعوب وقد تكون هذه الآلية هي الوسيلة الوحيدة الفاعلة المتبقية التي توفر الضمان الحقيقي لبقاء الجنس البشري والطريقة الوحيدة والفرصة الأخيرة التي من شأنها أن ينعم بفضلها العالم بالسلم والأمن والاستقرار، وينعم بروابط الودّ والمحبة والثقة بين الشعوب. ويتم تحديد هويتها بمضمون ممارستها باحتضانها ومعانقتها للإنسان كل الإنسان.
وتنعكس تجليات القيم من خلال هذه الآلية في تفعيل المبادئ السامية على الساحة الدولية للحد من الصراع القائم اليوم بفقدان الثقة بين الشعوب والأمم والمؤسسات الدولية ، انطلاقا من إرساء وصيانة مبدأ وحدة الجنس البشري والأمن الجماعي والإخلاص والموافاة بالعهد، مع العمل على ترسيخ هذه المقومات الأساسية على مبادئ العدالة وحكم القانون الدولي في شموخه وسموّه والتأكيد على شرعية آلية حقوق الإنسان كحاضن أساسي لهذا المشروع، والتنمية المستدامة المستندة على المبادئ الروحية للإنسان وليس فقط على الاحتياجات المادية وطنيا ودوليا في إطار المعادلة السامية الوحدة داخل التعدد والتعدد داخل الوحدة ، بناء على الإنصاف والعدل والمساواة والثقة والقيادة الأخلاقية وإيقاظ الضمير وحريته.
ومن تجلياتها الأساسية كذلك الالتزام الأخلاقي للدول العظمى في معاملاتها بمنطق رابح رابح في إطار شراكة وتعاون دولي منصف بعيدا عن استغلال الثروات والموارد الطبيعية للدول النامية وذلك في إطار نظام دولي أكثر انفتاحا وانضباطا وعدلا وفي إطار الالتزام بالديمقراطية وممارستها طبقا للمبادئ والاستقامة انطلاقا من إرساء عالم مسالم قوي باسترداد الثقة، ثقة المواطن في مؤسساته الوطنية، وثقة الدول في بعضها البعض وفي مؤسسات النظام الدولي. فالطريق إلى هذا العالم يمر عبر ترسيخ القيم الروحية كسبيل لتحقيق الحياة الآمنة المستقرة ، لأنها عندما تسيطر على الإنسان وسلوكه تحل الرحمة محل القسوة وتضبط سلوكه بكل ما هو إنساني وأخلاقي من خلال وازعه الإيماني وضميره الحي الذي يحاسبه على كل تجاوز أو تطاول، فضلا عن طاقتها في البناء المُتجدد للإنسان وقدرتها على التعبئة من أجل حياة خالية من الحروب والجشع ومن نزعات التطرف والإرهاب.
إن القيم كقواعد مؤسسة للمنظومة الأخلاقية المتكاملة تستمد قوتها من الإيمان:
1- القيم ذات الطابع العقلي تقوم على الإيمان بالعقل كمصدر وحيد للقيم: أفلاطون والمدينة الفاضلة التي تضم أهل الفضيلة ممن أحسنوا استخدام العقل، "ديكارت" وكانط" اللذان يعتبران العقل معطى مقدسا مصدر الأخلاق.
إلا أننا من الناحية المنطقية نقول بأن المعرفة العقلية محدودة وليست مطلقة باعتبار أن العقل البشري يتعدد ومن ثم تعدد أحكامه وتتناقض تبعا للأهواء والمصالح ، وبالتالي لابد من الاعتماد على مرجعية كلية ومطلقة لا يؤثر فيها اختلاف الهوية والثقافات، مرجعية تعلو على الزمن والمكان تستند إلى سلطة عظمى تتعاطى مع الإنسان بشكل منزه.
2- القيم بمفهومها الإيديولوجي، قيم سامية وراقية لكنها تندثر باندثار الإيديولوجيا- الاتحاد السوفياتي نموذجا.
3- القيم بمفهومها الروحي فهي عبادة – تتمركز في التوازن بين المعاملة مع الله بحسن العبادة والمعاملة مع العباد والكون بحسن الخلق – تتميز بالشمولية وبالأبدية ولا تنفصل عن دائرة القانون وتحظى بالسيادة في المجتمع، كما أنها تفعل بأمر رباني أي أنها إلزامية، لأن الخالق يربطها بالإيمان، والإنسان كلما ترقى في الإيمان ترقى في القيم والأخلاق . فحسن الخلق يعدّ برهانا على حسن الإيمان كما أن الأمم والحضارات تبنى بالقيم، فلا أمة بدون قيم ولا قيم بدون عقيدة ولا عقيدة بدون علم.
إن الإسلام في بنائه الأخلاقي للإنسان جاء بكل ما هو راق ومتحضر ورسم له حياة راقية تغلفها كل المعاني الإنسانية الرفيعة، معتبرا القيم أولوية الأولويات وهي قبل الدين "وإنك لعلى خلق عظيم" قبل تكليف سيد المرسلين بالرسالة الربانية العالمية- حيث قال سبحانه "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" وحدد مهمته "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" . كما لخص نبينا صلى الله عليه وسلم بعثته في "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
فالإسلام دين عالمي كوني ينطلق من إنسانية واحدة ودين واحد ورب واحد يعبد، تراكمت فيه القيم تدريجيا عبر مراحل نزوله وأنسنته للإنسان منذ سيدنا نوح إلى خاتم الأنبياء والرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فوضع الله سبحانه أسسا تتوافق وتعانق الإنسان إلى قيام الساعة، فاكتسبت البشرية إنسانية كونية بنزول الإسلام واكتملت بمواصلة الرسالات السماوية وتجسدت في الفرقان (التوصيات العشر) كفاصل بين الحق والباطل وترسخت في القرآن الكريم الذي يحظى بالكمال والشمولية والعالمية الكونية – حيث تطور الفكر الإنساني وانتقل من التشخيص إلى التجريد ليكتمل العقل ويصل إلى أسمى درجة من الوعي عند سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بإقرار المساواة في الحقوق والواجبات: الصراط المستقيم.
فالصراط المستقيم مصدر القيم الإنسانية الكونية المشتركة، والقاسم المشترك مع كافة العائلة الإنسانية الممتدة، كل الشعوب يتفقون عليها وليس هناك برلمان واحد يشرع خارج إطارها. فلا دولة تشرّع القتل أو الخيانة أو الغش والسرقة أو الزواج بالأم أو بالأخت...
الصراط المستقيم الذي نصّبه الله لعباده على ألسنة رسله وجعله موصلا لعباده إليه ولا طريق لهم سواه. وهو أساس العبادة وتوجهاتها "وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم". سيدنا عيسى يقول أنا لم أصنع ذلك لأكون سيدا عليكم ولكن أنا وأنتم مشتركون في عبادة الله "إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم".
العبادة إذن بالصراط المستقيم أي بالقيم "إنني أنا الله لا إلاه إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري".
ومن هنا نفهم أن القيم هي المحور الرئيسي في القرآن الكريم وتشكل 96% من مضمونه أي حوالي 6000 أية من 6348 آية. حيث وضع سبحانه أسسا تتوافق مع كل إنسان حيث يقول تعالى: "اليوم أكملت دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" ليترك للإنسان أن يتحرك ضمن هذه الأسس وضمن ما يتوافق مع الأرضية المعرفية لكل عصر.
القيم أولا ثم العلم وأخيرا الكفاءة هذا هو مفتاح ومعيار التقدم. فلا يمكن الرفع من شأن الإنسان والإعلاء بكرامته إلا بالقيم المشتركة وبالمبادئ الأخلاقية. اختيار يحتم علينا في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة أن نساهم في إعادة هيكلة الأمم المتحدة وتصوراتها بإشعاع هذه القيم الإنسانية الكونية المشتركة والتي تتميز بالقدسية لكونها من صنع الخالق، والعمل بكل قوة لمنع العبث بتأويل النصوص، وإقرار فكر معتدل ومنفتح ومنتج يتماشى مع الاختيارات الديمقراطية والحقوقية وذلك بالعمل على تفكيك المفاهيم الجامدة والتصدي لقراءة ماضية ترخي بظلال التقليد على حاضر ومستقبل الإنسانية.
لقد قدسنا التفسير والتأويل وتجاهلنا المصدر ، وهذا هو السبب الرئيسي لسيرنا بعكس الزمن وبعكس تيار التاريخ نتيجة لهيمنة فكر منغلق ومتسمّم بمنهجية مُعلبة بالقراءة التأويلية المتشددة الوافدة التي أفرغت الفكر الديني من معانيه الإنسانية وتمكنت للأسف الشديد من تحقيق نفوذ ثقافي ودعوي وسياسي كاسح، طبقا لمعادلة الفكر مقابل المال، تمدد عبر العالم يتسم بالشدة والعنف وإشعال الفتن والتعامل من خلال ثقافة التكفير والتبديع والإقصاء . عوامل أثرت بشدة على النُظم السياسية وساهمت بقوة في نبذ الدين تماما في أفكار ونظريات العلاقات الدولية.
ومن موقعي كدبلوماسي وكفاعل في مسار تخليق العلاقات الدولية ومساهم في النقاش القائم منذ 1993 داخل أروقة المنظمة الأممية ، في إطار إعادة هيكلة الأمم المتحدة وصياغة أسلوب نهجها تحركه القيم المشتركة والمبادئ الأخلاقية وصلتها التي لا انفصام لها بالتنزيل الحكيم، على الساحة الدولية، كموضوع أساسي يستحوذ على الاهتمام، أشهد أن توصيات مهمة وعديدة أصدرتها الجمعية العامة تقر بالدور الفعّال للدين في إرساء المحبة والعيش معا في سلام وترسيخ آلياته تعرضت للصدمات والإحباط بسبب الدور المدمّر الذي يلعبه هذا الفكر الوافد والتعصب الديني في العالم.
إننا نمتلك من المؤهلات ما يجعلنا نحتل موقع الرّيادة في النظام الدولي الجديد إن أحسنّا استغلال المنجم والرأس المال الأخلاقي الذي نمتلك وأدركنا أهميته في إعادة بناء الإنسان كفريضة أساسية بإبراز محاسن القيم المنتمية إلى المرجعية المشتركة التي بإمكانها حل هذه العقدة الإنسانية باعتبار ثباتها وشمولها وامتدادها عبر الزمن والمكان.
ونؤكّد أننا في المغرب نستلهم الفهم الصحيح لهذه المبادئ كما نستلهم تراثنا الحضاري وتاريخنا العميق في التعامل النبيل طبقا لالتزامنا بالقيم السمحة التي تحفز المغرب بأن يكون رائدا في صياغة مستقبل أفضل للعلاقات الدولية تتسم بالإيجابية والموضوعية والمستقبلية.
يجب الإقرار بأن الأزمة الحالية أخلاقية وروحية ،ومن ثم فالإعلاء من شأن القيم الإنسانية وترسيخها من شأنها بعث الروح في النظام الدولي وإعادة الثقة التي تآكلت لسنوات في لحظة الأزمة واكتشاف الخزّان الخفي من الود والوئام بالاستفادة مما ورثته الإنسانية من التنزيل الحكيم.
إن المتأمل في ما يحصل في العالم وما يصيبه من مآسي في ظل تداعيات الإستراتيجية الأمنية على السياسة العامة منذ أحداث 11 شتنبر 2001 والتي نفخت الروح في الصراع ودفعت بالعامل العسكري إلى مقدمة الأجندة السياسية على حساب الانفتاح الاقتصادي التضامني العالمي، الذي يقر بوضوح تام أن الأزمة الحالية أخلاقية وروحية بامتياز، تناسلت فيها النماذج المسمومة التي جعلت النظام الدولي يتّسم بالهشاشة وعدم المناعة.
الهشاشة وضعف المناعة ، تجلى في إفراغ الإنسان من روحانيته واغتيال إنسانيته، مما عرض النظام الدولي للهجوم بهذه السهولة، ودفع نظامه المالي والاقتصادي إلى الانهيار. فالأمر يتعلق بمرحلة انتقالية صعبة غير مسبوقة وتفوق المراقبة والرصد. مرحلة صنع الحدث وتبني الإستراتيجيات الاستباقية العظمى ، وهي بمثابة ملحمة تؤثث لنشأة مستأنفة تنتج الأفق لبداية حقبة جديدة تستند على نقلة نوعية في الوعي والحس لدى الضمير العالمي بمعايير القيم الحضارية. نقلة مؤسسة لنظام دولي جديد سيقوم لا محالة على التعددية القطبية بظهور قوى دولية ذات إرث حضاري متجذر وثقافة سياسية عميقة كتحالف الصين/ روسيا، وبالتالي لن تصبح الولايات المتحدة منفردة في الأحادية القطبية.
هذا النظام مدعو بالعودة إلى القيم وإعادة النظر في قواعد الدبلوماسية الكلاسيكية بإرساء الدبلوماسية الروحية كآلية جيوستراتيجية كبديل حقيقي وشامل لوضع المعايير الإنسانية في صلب الأولويات للقطع التام مع الرؤية الحالية المُفلسة باعتبار أن الإنسان هو محور الكون وكل شيء خلق ليخدمه لا ليستعبده ويلغي جوهره.
* دكتور دولة في العلاقات الدولية والسياسية وأستاذ زائر في جامعات أجنبية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.