مع الانتشار السريع لفيروس كوفيد-19، وتعذر الوصول إلى لقاح فعال لهذا الوباء العالمي، الذي اجتاح العالم منذ أواخر العام الماضي، وإصابة الملايين من الأفراد بهذا المرض، وارتفاع أعداد الوفيات لتصل الآلاف، في ظل استمرارية تمديد الحجر الصحي، الذي فرضته معظم الدول، فإن هذا الوضع قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية كبرى وضمن مختلف القطاعات. إن استعراض الانعكاسات الاقتصادية لمختلف الأزمات الوبائية يقودنا إلى الاستنتاج التالي بأن "كل جائحة لها تأثيرات مختلفة عن الأخرى، وأن التنبؤ بها يستند إلى افتراضات تقريبية بدلا من النماذج ذات النتائج المثبتة، بحيث تعتمد هذه الافتراضات على سرعة السيطرة على هذا الوباء ومدى انتشاره". ومنذ أكثر من قرن شهد العالم انتشارا لفيروس الأنفلونزا الإسبانية (1918-1919)، والتي يمكن أن نشبه تأثيرها الاقتصادي بشكل كبير للفيروس الحالي، وبالرغم من أن البيانات الاقتصادية منذ أوائل القرن 20 ضئيلة، إلا أن البنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، وبناء على وسائل الإعلام المطبوعة في ذلك الوقت، قدر أن العديد من الشركات، خاصة تلك التي ترتكز خدماتها على الترفيه، "تكبدت خسائر في الإيرادات من رقمين". كما هو الحال بالنسبة لإيبولا )2013-2015(، الذي انتشر في بعض الدول الإفريقية، فإن تقرير البنك الدولي يرى أن "تفشي هذا الفيروس في غينياوليبيريا وسيراليون، قد ألغى العديد من المكاسب الاقتصادية في السنوات السابقة لهذه البلدان"، ففي الواقع، من سنة 2013 إلى عام 2014 ، "انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في ليبيريا من 8.7 ٪ إلى 0.7 ٪ ، بسبب إيبولا، وانخفضت أسعار السلع الأساسية، وفي سيراليون (باستثناء خام الحديد) إلى 5.3 ٪، وانخفض كذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي في غينيا عام 2015، المتوقع بنسبة 4٪ ، إلى 0.1٪ ". بالإضافة إلى ذلك، الإيرادات الحكومية من الضرائب المباشرة على الشركات قلت، وضريبة القيمة المضافة والضرائب غير المباشرة في جميع البلدان الثلاثة أيضا. وطالما أن فيروس كوفيد-19 ما زال يسجل بؤرا جديدة في العالم فإنه من المبكر جدا إجراء دراسات حول التأثير الاقتصادي بشكل دقيق. وتشير تحليل دراسة للبنك الدولي (نشرت في 2010) حول الآثار الاقتصادية المحتملة للإنفلونزا في العصر الحديث، على أساس سيناريوهات الإنفلونزا الوبائية، وقد تم تصميم هذه النماذج على أساس ثلاثة أوبئة تاريخية شديدة مختلفة، حيث تظهر النتائج أن المناطق الأكثر تأثرا من حيث النمو هي أوروبا وآسيا يليه شرق آسيا، وأخيرًا منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وللاستجابة للأزمة، لا نحتاج إلى البدء من الصفر، يمكننا استخدام المشاريع المحددة بالفعل في الخطط الرئيسية الوطنية أو القطاعية للبلدان، بالإضافة إلى خطط التكيف مع تغير المناخ، والمساهمات المحددة وطنياً (NDCS) لاتفاقية باريس. يجب بعد ذلك تقييم المشاريع من حيث قدرتها على تلبية الاحتياجات التحفيز، من خلال النظر في الأبعاد الزمنية والقطاعية المختلفة بما في ذلك. ويمكن لاستعادة الغابات والمناظر الطبيعية المتدهورة أن تخلق العديد من فرص العمل على المدى القصير، مع توليد فوائد صافية تقدر بمئات المليارات من الدولارات من حماية مستجمعات المياه، وتحسين غلة المحاصيل، ومنتجات الغابات. تركز الحكومات في خدمات الطوارئ على الاحتياجات العاجلة، منها على سبيل المثال، تعزيز القدرات في المستشفيات، ومحاربة الجوع، وحماية الشركات، والأسر من الإخلاء والإفلاس، في موازاة ذلك، بدأ العمل التمهيدي في بعض البلدان حول شكل المرحلة التالية من الانتعاش، ودور الإجراءات العامة القوية في زيادة الطلب، وتوفير دخل بديل، وتسهيل الاستثمارات الجديدة. إن مرحلة التعافي يمكن أن تساعد في بناء الرخاء والمرونة، من خلال المساهمة في الإمكانات والاستدامة طويلة المدى لمسار التنمية في البلد. هناك إشارات مشجعة من بعض البلدان - بما في ذلك الصين وألمانيا وكوريا الجنوبية - تنظر إلى العناصر الخضراء كجزء من تعافيها. على المدى القصير هناك 3 اعتبارات أساسية: خلق فرص العمل تعزيز النشاط الاقتصادي. حسن التوقيت والمخاطر. على المدى الطويل: يجب أن يدعم المشروع أيضًا البلدان في ثلاثة أبعاد مختلفة، اذ هناك العديد من العوامل التي يجب على الحكومات أن توازنها في تجميع حزمة التحفيز الخاصة بها، وهي الاحتياجات الفورية، والقدرة المؤسسية المحلية، وظروف السوق، والاقتراض، وإرث قرارات الاستثمار السابقة في البنية التحتية. إن تحقيق الاستدامة بأوسع معانيها يعني أيضًا تضمين معايير طويلة المدى: إزالة الكربون، والمرونة طويلة الأمد والقدرة على التكيف، والتأثير على رأس المال المادي والطبيعي والبشري، من بين أمور أخرى، ولتوفير هذا التوجيه الأكثر دقة لصناع السياسات. ما هي الرسائل التي نرسلها للقادة الذين يعدون استراتيجية التعافي من الأزمة الحالية؟ يجب ألا يكون للمدى القصير الأسبقية على المدى الطويل، بمعنى أن تكون القرارات الحالية جزءًا من نهج مستدام، وعدالة اجتماعية تفيد الجميع لفترة طويلة، دون معاقبة الفقراء. ندعو صناع القرار لدينا لإثبات المسؤولية السياسية واتخاذ خيارات شجاعة للمستقبل. لا ينبغي لهذه الأزمة الصحية أن تدفعنا إلى أزمة مناخية، والتي ستكون عواقبها خطيرة للغاية. ضرورة نقل أنشطة القطاعات الاستراتيجية لضمان أمننا الغذائي والصحي وأمن الطاقة. من الضروري إعادة التأكيد على أهمية التضامن الدولي للعمل الفعال. ذلك أن خطر التوتر والانسحاب الوطني واضح بالفعل حيث يحاول الجميع مكافحة وباء كوفيد-19. وأخيرا، فإن هذه الأزمة تهمنا جميعا ولن يتم حلها إلا من خلال جهد مشترك في مراحل التحضير واتخاذ القرار. وأما التوصيات التي أوجهها إلى القادة والمسؤولين في الدول، فهي أن الصحة أولوية قصوى لجميع الناس، دون استثناء فلذلك لا بد من ضمان تمتعهم بالرعاية الصحية الشاملة. كما يجب أن يتم تقديم الإغاثة الاقتصادية بشكل مباشر إلى الأفراد، والعمال، لا سيما لأولئك المهمشين في النظم القائمة، مع خلق مرونة للأزمات المستقبلية عبر توفير الملايين من فرص العمل اللائقة التي ستساعد في نقل السلطة العادلة للعمال، والمجتمعات إلى مستقبل خالٍ من الكربون الذي نتطلع إليه. *رئيسة شبكة الشباب المتوسطي من أجل المناخ