تبث القناة الأولى على الساعة الثامنة والنصف مساءً من كل يوم طَوال شهر رمضان مسلسلا بعنوان: "ياقوت وعنبر"، من كتابة الممثلين: نورة الصقلي، وسامية أقريو، وجواد لحلو، وإخراج: محمد نصرات. ومن خلال مشاهدة الحلقات المتتالية يتبين أن السيناريو كتب بخلفية تحاملية على الرجل، فهذا الأخير يجمع كل الصفات القبيحة والمنحطة السائدة في المجتمع، فهو استغلالي وأناني رغم مستواه العلمي العالي، وتدريسه بكلية الطب إلا أنه يستغل طالبته حتى حملت منه سفاحا، ثم يدفعها للإجهاض، وبعد زواجهما يلجأ إلى إجراء عملية العقم الإرادي لحرمانها من الأمومة، ورجل آخر يستغل مركزه في العمل باعتباره مديرا للموارد البشرية بإحدى الشركات للإيقاع بمستخدمته المحتاجة إلى قرض مسبق لعلاج أخيها المريض، وهو صورة لمن يعمل عمل قوم لوط، حيث يقوم باستدراج الأطفال الصغار، ويستغل حاجتهم إلى الطعام ليغتصبهم، وهو من يخون زوجته ناسيا العشرة الطويلة التي أثمرت سبعة أولاد، ولا يعترف بالتضحيات التي تقوم بها المرأة، فيتركها وحيدة ويتزوج بأخرى دون إذنها ولا علمها، وهو المدمن على المخدرات، والمعتدي على أمه وأخواته رغم أنهن يقدمن له كل ما يحتاجه، وفي مقابله نجد رجلا يحمل وجهين متناقضين، فيظهر حبه لفتاة ويعدها بالزواج، وفي الأخير يتركها ويتزوج بأختها، وصنف آخر يظهر حبه ويُوقِع فريسته في شباك الزنا، وبعد علمه بحملها، يَفر بجلده ويتركها وحيدة تعاني وتولول، وهو الديوث الذي يتستر على الأفعال المنحرفة لبناته...، هذه صورة الرجل الماكر المخادع الأناني المنحرف في المسلسل المعلوم!!!، فما هي صورة المرأة يا ترى؟. أما صورة المرأة في هذه القصة، فهي التي تسعى دائما للاستجابة لنزوات الرجل، ولا تفكر في الحلال والحرام، وهي التي تؤمن بالحرية المطلقة في جسدها، وتبذل مجهودا مضنيا للتحرر من القيود الدينية والاجتماعية، وهي الزوجة المقهورة والمعنفة، ومع ذلك تتحمل وتصبر حفاظا على أولادها، وهي العصامية القوية التي تملك عزة النفس، وهي الطالبة الجامعية المتحررة التي تحمل من أستاذها سفاحا، وهكذا... ومن هنا، فإن هذا العمل الفني الذي كتب بأنامل نسائية يستوحي أفكاره من فلسفة الصراع، ذلك الفكر الغربي الذي يعتمد على مبدأ الصراع والتناقض، وعدم الانسجام بين الأشياء، وأن الثنائيات الموجودة في العالم لا مجال لتعايشها وتكاملها، بل لا بد من الصراع حتى يكون البقاء لواحد وهو الأصلح والأقوى. وهذا الصراع بين الرجل والمرأة الذي بُني عليه هذا المسلسل، هو السائد في خطاب أغلب الحركات النسائية، من منطلق أن الأنثى دائما في حالة صراع كوني مع الرجل والسلطة الأبوية والزوجية، وهي تناضل ضد فلسفة فصل "الذكورة الإيجابية" عن "الأنوثة السلبية"، التي ركزها العقل الذكوري وعمقتها الفلسفة الإغريقية، ودعت إلى تأنيث اللغة والتفسير الأنثوي للتاريخ وتحسين أداء الأنثى في عملية الصراع هذه. ولا شك أن مثل هذه الأعمال الفنية تسهم في ضياع الأسرة وتفككها وانحلالها، وتسبب عقدا نفسية وأزمات اجتماعية تنعكس سلبا على المجتمع بالضعف وكثرة المشاكل. إن المجتمع المغربي لا يحتاج إلى معاول الهدم، وإنما يحتاج إلى لبنات البناء لحماية الأسرة الفطرية المسلمة، يحتاج إلى مسلسلات هادفة تُشيع روح المحبة والاحترام بين الزوجين، وتركز على بث روح التعاون على البر والتقوى والمعروف، والتعاون على تربية الأبناء تربية سليمة، لأن صلاح الأسرة أساس صلاح المجتمع، وتكاثر الأسر الصالحة وتزايدها يُنتج مجتمعا صالحا يحفظ للناس حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والتربوية مما يؤدي إلى محاربة الظواهر الخطيرة كالتشرد والإدمان والهدر المدرسي.... *باحث في القانون العام