رغم مرور سنوات طويلة على جريمة القتل التي شهدتها مدينة مأدبا, لا يزال أهالي تلك المدينة الوادعة, يذكرون تفاصليها الصغيرة, حتى الآن, كيف قتل شاب والدته, وانتحر بعد ذلك, عندما أدرك حقيقة علاقته الشاذة معها. الأم الأرملة, التي مارست "السفاح" مع ولدها, منذ صغره, فقدت امومتها, وركضت خلف شهواتها, وتخلت عن دورها كأم لهذا الطفل.. جريمة مأدبا هذه حدثت قبل أكثر من 30 عاماً. فيما شهدت محافظة الزرقاء أبشع جرائم "السفاح" التي شهدها الأردن, والتي ذهبت ضحيتها شابة تبلغ من العمر (19 عاماً) في العام 2009. وفي التفاصيل, اعتاد والد سعاد (64 عاماً) ممارسة "السفاح" معها منذ كانت في الرابعة عشر من عمرها, وكان الوالد يرتكب جريمته بمعرفة الأم. وبعد خمس سنوات حملت سعاد, فقام الوالد بشق بطنها واستخراج الجنين البالغ من العمر 5 أشهر, ومن ثم رماه في حاوية النفايات. وفي كانون أول/ ديسمبر 2010 قتل أب اربعيني في مدينة ناعور أبنته البالغة من العمر (16 عاماً). وجهت محكمة الجنايات الكبرى, للأب تهمتي القتل العمد وهتك العرض, فيما تم توجيه تهمة مواقعة أنثى لم تكمل الثامنة عشر لسائق أربعيني, اعترف بإقامة علاقة مع مريم قبل ستة أشهر من مقتلها, وأنها أخبرته بأن والدها كان يعتدي عليها جنسياً منذ عامين. بالرغم من أن جريمة "سفاح المحارم" لا تشكل ظاهرة في الأردن, إلا أنها تعد قضية خطيرة ومخيفة, في مجتمع يوصف بأنه "محافظ". غياب الإحصائيات غياب الإحصاءات الرسمية الخاصة بجرائم "سفاح المحارم", وتحفظ المؤسسات المعنية بهذا الملف عن تقديم أي معلومات, يُصعب من تقديم ارقام دقيقة, أو على الأقل تلامس الواقع. وزارة التنمية الإجتماعية ترمي بالكرة في ملعب إدارة حماية الأسرة, وتؤكد الوزارة على لسان ناطقها الإعلامي د. فواز الرطروط بأن الأردن يشهد فقط حالتين سنوياً من جرائم "سفاح المحارم". فيما ترفض إدارة حماية الأسرة التابعة لمديرية الأمن العام, والمعنية برعاية الضحايا واطفال "السفاح" تقديم أي معلومات, دون ابداء أسباب مقنعة لرفضها. ناشطة في شؤون المرأة, فضلت عدم ذكر اسمها, تؤكد بأن النسبة أعلى من ذلك, وأنها في تزايد, وتستشهد الناشطة بأن مستشفى حكومي في محافظة الزرقاء, شهد خلال اسبوع واحد ولادة 3 اطفال "سفاح" في شباط/ فبراير 2010. فيما تشير دراسة صادرة في العام 2010 عن المجلس الوطني لشؤون الأسرة ووزارة التنمية الإجتماعية أن 90 بالمئة من الفتيات المعنفات اسرياً, تعرضن إلى اعتداءات جنسية, 60 بالمئة منهن تعرضن ل "سفاح المحارم". وتفيد احصائيات صادرة عن إدارة حماية الأسرة في العام 2010 بأن 54 بالمئة من قضايا العنف الأسري, هي قضايا تحرش جنسي من كافة أفراد المجتمع، تبلغ نسبة التحرش من قبل أفراد الأسرة (أب، أم، ابن، أخت، أخ، زوجة ابن) 8 بالمئة, فيما تبلغ نسبة التحرش من قبل أقاراب آخرين (خال, عم) 4 بالمئة. وتشير نفس الإحصائية إلى أن 83 طفلاً تعرضوا لاعتداء جسدي و435 تعرضوا لإعتداء جنسي، بلغ عدد المعتدين من مرتكبي جرائم العنف ضد النساء والأطفال من داخل الأسرة 879 شخصا، بينما بلغ عدد المعتدين من خارج الأسرة على الأطفال والنساء 810 أشخاص. ويعتقد مختصون بأن المقلق في تلك النسب، أن مِن بين من يرتكبون جريمة "سفاح المحارم" يشكل الجناة (الآباء) 3 بالمئة، فيما تبلغ نسبة الجناة (الأشقاء) 5ر2 بالمئة، ما يؤدي إلى "اضطرابات وحواجز نفسية كبيرة تفصل الضحايا عن ذويهم". استغلال النفوذ الأسري يؤكد قاضي محكمة الجنايات الكبرى, الدكتور عوض أبو جراد أن "سفاح المحارم" لا يشكل ظاهرة في الأردن, مستدركاً أنها قضية خطيرة ومؤرقة, كونها تقع بسبب استغلال النفوذ الأسري, حيث الجاني هو شخص تقع عليه مسؤولية رعاية وحماية الضحية, مشيراً إلى أن معظم قضايا "السفاح" يمارس الأب الرذيلة مع أطفاله, اناثاً أو ذكوراً, فيما تقل أعمار معظم الضحايا عن 18عاماً, ويجري التكتم على هذه الجرائم, ولا تكشف إلا بالصدفة, أو بعد أن يفيض الكيل بالضحية, وتجد من يقدم لها العون ويساعدها على التخلص من العنف الواقع عليها. وترد أنعام العشا الناشطة الحقوقية في معهد التضامن الدولي للنساء, غياب الأرقام الرسمية بجرائم "سفاح المحارم" إلى "تكتم" الأسرة على هذه الجرائم, وحرصها أن لا يعرف أحد بحدوثها, حيث تفضل حلها داخل نطاق الأسرة, مشيرة إلى أن جرائم عنف أخرى تجري بحق النساء والأطفال يعد قياسها أسهل بكثير من جرائم "السفاح", ومع ذلك لا يوجد احصاءات دقيقة بها, وينسحب هذا الأمر على كافة القضايا التي تندرج تحت مسمى "المسكوت عنه" في المجتمع, بسبب الثقافة الإجتماعية السائدة التي تعتبر العنف الجنسي داخل الأسرة, وصمة عار, وغالباً إن عرفت الأم به, فإنها تخشى الإعلان عنه خوفاً من تدمير الأسرة, فقدان معيل الأسرة, التعرض للعنف من قبل الزوج. وربما لا تطلب الأم المساعدة لإعتقادها بأنها هي السبب في وقوع العنف, أو لأنها تجهل حقوقها, ولا تعلم بوجود مؤسسات اجتماعية قادرة على مساعدتها وحمايتها وأطفالها من العنف الأسري. فيما تعطي بعض النساء الأولوية للاستقرار الأسري, ويتحاشين الصدامات التي قد تؤدي إلى الطلاق وحرمانهن من رعاية أطفالهن. "حاميها حراميها"..! المثل الشعبي "حاميها حراميها".. هو أصدق توصيف للجناة الذين تقع على عاتقهم مسؤولية حماية ضحايا "السفاح".. فلماذا يقوم هؤلاء المؤتمنين على صون شرف الضحايا بالإعتداء عليهم..؟! يوضح الإستشاري النفسي د. وليد سرحان, إن الجاني يملك دوافع منحرفه في تلبية غرائزه الجنسية, بصرف النظر عن مسائل الممنوع والمسموح والحلال والحرام, وهو استغلال لغطاء التواجد الطبيعي مع الضحايا، وغالباً يكون الجاني بالغاً, فيما الضحية مراهقة يتم استمالتها واستدارجها إما بالترغيب أو الترهيب, أما في حالة التراضي بين الطرفين, فتقع غالباً بين الأخ والأخت, حيث يبادر أحد الطرفين إلى اقامة العلاقة, ويتم ازالة الحواجز بشكل تدريجي تحت غطاء الحب الأخوي والعاطفة الخاصة والحنان, إلى أن يتوصلا أن ما يحدث بينهما هو أمر طبيعي. ويقول د. سرحان بأن هذا الأمر قد يبدو غريباً, بينما طرفي العلاقة يكونا قد توصلا إلى قناعة بأن علاقتهما هي شيىء خاص ومميز. مبيناً أن العزله الإجتماعية, طبيعة السكن, الخلافات الزوجية, الأسرة الكبيرة, تشكل عوامل مساعدة تعزز من امكانية حدوث "السفاح", مشيراً إلى أن عامل الفقر, يسهل من اكتشاف الجريمة, وأن "السفاح" غير محصور بطبقة اجتماعية معينة. ويثني مستشار الطب النفسي, د. محمد حباشنة على توصيف د. سرحان, ويضيف أن من يقومون بالإعتداء على محارمهم, يعانون من اضطراب "التفصيل الجنسي"، والذي تساهم فيه ديناميكية الأسرة، ما يجعلها مرتبكة بشكل كبير. ويبين أن السبب الأبرز في مثل تلك الحالات يعود إلى عدة عوامل متشاركة، أولها الشخص نفسه وما يعانيه من اضطرابات، ومن ثم طبيعة الأطفال، التي لا تسمح لهم بقول "لا"، كون مفهوم الجنس، لا يزال غير مفهوم بالنسبة لهم، ولا يستطيعون التفريق بين ما هو عادي وما هو جنسي. ويبين د. حباشنة بأن أرقام "السفاح" المعلنة, لا تمثل الواقع, ذلك أنها تحدث بهدوء وتمر دون أن يجري التبليغ عنها. متسائلاً: من تجرؤ على الإبلاغ عن والدها أو شقيقها..؟ منوهاً إن كانت نسبة "السفاح" مرتفعة, فنحن لا نعلم بها. ويبني د. حباشنة سيناريو واحد لكافة جرائم "السفاح", حيث تكون الفتاة محظية عند والدها, من خلال قيامها بواجبات الزوجة, وبذلك, تحل مكان الزوجة, إما بسبب غياب الأم أو أنها موجودة, ولكنها ضعيفة أو منسحبة, وغير قادرة على المواجهة وتعرف بما يحدث, لكنها لا تجرؤ على كشفه. أنواع "الجناة" ويصنف مستشار الطب الشرعي في وزارة الصحة والخبير الدولي في مواجهة العنف, الدكتور هاني جهشان, المعتدين داخل الأسرة إلى خمسة أنواع, وهم: 1 عاشقي الأطفال, وهي حالة نفسية مرضية تتصف بدافع ممارسة الجنس مع الأطفال عامة, وقد يستغل المعتدي فرصة أن يكون الضحية أحد أفراد أسرته, وعادة يبدأ التحرش بطفل أو طفلة عمرها أقل من 6 سنوات, ويستمر حتى سن البلوغ. 2 المعتدي الذي تتصف شخصيته بارتدادها لصفات المراهقة, وهؤلاء يتصفون بعدم النضوج الجنسي ويستغلون ضحاياهم داخل الأسرة عندما يصلوا إلى سن المراهقة. 3 المعتدي الذي تتصف شخصيته بالإستحواذ للمتعة الجنسية, وينتقون ضحاياهم من داخل الأسرة كوسيلة للتخيلات الجنسية، وتتصف أنشطتهم الإستغلالية بأنها متفرقة, وغالباً يشعرون بالندم عقب كل إعتداء. 4 المعتدي الذي تتصف شخصيته بخلل ونقص عاطفي، حيث يكون وحيداً ومكتئباً, ويرتكب الأنشطة الجنسية داخل الأسرة لشعوره بالحاجة إلى التقرب والآلفة من ضحيته, ولا يكون الجنس دافعه الرئيسي. 5 المعتدي الذي تتصف شخصيته بالغضب ويمارس الجنس مع ضحية من ضمن أسرته, إما للإنتقام من زوجته, أو بسبب دوافع تولدت في نفسه. أم رابحة كانت فاجعتها كبيرة بزوجها، الذي تبين أنه يتحرش ببناتها من خلال مداعبتهن في الحمام. تقول أم رابحة "أكتشفت الأمر صدفة عند رجوعي إلى المنزل", وقد سارعت إلى طلب الطلاق، ورفع قضية تحرش على زوجي. مشيرة إلى أن أكثر ما يثير اشمئزازها قوله "أنا أولى فيهم من الغريب", وقد كشف الفحص الطبي على الطفلتين بأن الأب كان يعتدي عليهما منذ عامين. عندما سألت الطبيبة مرام (13 عاماً), لماذا لم تخبري أمك منذ البداية, بأن عمك يتحرش بك..؟ أجابت مرام ببراءة ممزوجة بوقاحة: "كنت أخاف في البداية, ولكني وجدت نفسي بعد ذلك أنني أريده وأسعى إليه"..! العم الجاني كان عاطلاً عن العمل, ويسكن بالقرب من بيت شقيقه, فيما كانت الأم تذهب للعمل, وتترك طفلتها برعايته. يوصف الباحث الإسلامي د. حمدي مراد "السفاح" بأنها جريمة اخلاقية بشعة وجناية كبرى, وهي من الكبائر وأعظم الأمور عند الله، فهي تجمع "المحرمتين: الزنا والإعتداء على المحارم". ويرى د. مراد أن الاختلاط الزائد بين المحارم يشكل باباً من أبواب الفتنة, فعندما تتبرج الفتاة وتظهر مفاتنها أمام أخيها أو والدها, فإن ذلك يمكن أن يفتح أبواب الفتنة ويؤدي إلى ارتكاب المعصية. ويضيف أن "سوء التربية"، وضعف الوازع الديني وخفوت مشاعر الأبوة, والتفكك الأسري, والانفتاح التكنولوجي, وما تعرضه الفضائيات من أعمال تشجع على الرذائل, وإثارة الغرائز الجنسية لدى الكبار والصغار, يساهم بوقوع جرائم "السفاح".. داعياً الفتيات إلى الإحتشام وارتداء الملابس الساترة التي لا تكشف مفاتن المرأة, ولا يعني بها هنا اللباس الشرعي, فلا ضير برأي د. مراد أن تكشف الفتاة عن شعرها ووجهها أمام والدها أو شقيقها على أن لا تظهر أمامهما ما يجب أن يظهر فقط للزوج من مفاتنها, بحيث لا تكون مكشوفة الصدر, أو ترتدي ثياب قصيرة أو بناطيل ضيقة, تثير الإغراء. الآثار النفسية بعد مرور 30 عاماً من حادثة اعتداء والد سناء عليها, لا تزال تشعر بنفس "القرف والإشمئزاز" الذي شعرت به أول مرة عندما بدأ والدها بممارسة "السفاح" معها. تقول سناء: كنت في التاسعة من عمري, وكان والدي يتعمد دخول الحمام أثناء استحمامي، ويقوم بمساعدتي ب "حجة أن هذه الأمور طبيعية بين البنت ووالدها", وبعد ذلك صار يجبرني على "معاشرة الأزواج". وتضيف سناء: "كلما رأيته أتجنبه, ولا أستطيع النظر في عينيه".. الزواج لم يمح آثار جريمته, لقد رفضت الإنجاب، واضطررت للطلاق سريعاً.. وفي "كل مرة يتقدم بي العمر يتعمق أثر اعتداءه في ذاكرتي". وتعد الإساءة الجنسية من قبل الأقارب, من أصعب الجرائم التي تقع بحق الأطفال، وفقاً للدكتور حباشنة, منوهاً أن 50 بالمئة من الإناث يعانين من "الوشم النفسي" الذي لا يمكن علاجه، ويكن أكثر عرضةً لإدمان المخدرات والكحول والتوجه للدعارة، واضطرابات الطعام، الانتحار، الاكتئاب، اضطراب مع بعد الصدمة، وفقدان الثقة في الناس. وتتوقف اضطرابات ما بعد "الصدمة" التي تصيب ضحايا "السفاح" على عمر الضحية, فقد يتأثر تحصيلها الدراسي ونومها, وقد تظهر اهتماماً مبكراً بالجنس ومعرفة بتفاصيله، وتمرد واضح في البيت, أو قد تهرب من البيت. وعلى المدى البعيد, قد تعاني الضحية من تأخر سن الزواج، والقلق والخوف والرهاب واضطرابات الشخصية, وفقاً للدكتور وليد سرحان. تقول رنا: "توفيت والدتي ونحن صغار, ولم يكن والدي يستطيع تحمل مسؤولية خمس فتيات, وكان عمي يساعدنا مالياً, وقد بدأ التحرش بي وأنا في الثالثة عشرة من عمري, أخبرت والدي, فطالبني بتوفير المال إن رغبت بإيقاف تحرش عمي, فاضطررت إلى ترك المدرسة, والخروج للعمل, كنت أقضي أياماً خارج المنزل, وعندما أعود يسألني والدي: هل أحضرت مالاً, دون أن يسألني من أين أحضرت المال". أما سهام, فقد تعرضت للإغتصاب من قبل شقيقها, وقد تم تزويجها لأبن عمها, الذي لا يضيع فرصة إلا ويذكرها بما فعله شقيقها بها, ما اضطرها إلى الطلاق. وتقول جيهان بأنها تشعر بنفور شديد، خلال الممارسة الجنسية، رغم أنها تحب زوجها كثيرا. وتضيف: لا ازال أذكر تلك الممارسات مع شقيقي, التي بدأت بسن المراهقة وتوقفت عندما دخلنا الجامعة, حيث انتبه كل منا إلى خطورة ما نقوم به, وتزوج أخي وتزوجت أنا, ولكني لا استطيع محوها من ذاكرتي. ضرب قيم المجتمع يقول الباحث في القضايا الإجتماعية د. صبري اربيحات, أن الآثار الإجتماعية المترتبة على "سفاح المحارم" لا يمكن حصرها, ذلك أنها تضرب قيم المجتمع ككل, وتخلق صدمة قوية, فالأسرة التي يفترض أنها تبنى على الحب والتراحم, يجري الإعتداء على خصوصية أفرادها من قبل افرادها أنفسهم, حيث يؤذى الفرد في أكثر البيئات أمناً, وفي أكثر الأشياء خصوصية, مجاله الروحي, النفسي, والجسدي, وقد يؤدي إلى تدمير شخصيته. وتنسحب آثاره على بقية أفراد المجتمع, وليس فقط الضحايا. ما يوضع نظام القيم كله تحت التساؤل, ولا نعرف في أي اتجاه يمكن أن يسير, فقد يلجأ البعض إلى التشدد, الإنحراف, التدين الزائد, العنف والتطرف, أو الكفر بقيم المجتمع, كل شيىء وارد في هذا الإتجاه. "لو عندهم شرف لقتلوها" "لو كان عند أهلها أي شرف لقتلوها وأنا في رحمها". بهذه العبارة يصف العشريني رباح, آلامه والصراع الذي يعيشه منذ أن عرف بأنه جاء نتيجة علاقة "سفاح" بين شقيق وشقيقته. وبالرغم من أن رامي (18 عاماً) تم احتضانه من قبل ابوين لا ينجبان, وقاما بتربيته كابن لهما, إلا أنه لا يزال يعاني من وصمة كونه "طفل سفاح". كيف يمكن لطفل أن ينشأ بسوية, عندما يعرف بأن والده هو ذاته والد أمه, وأن أمه, هي شقيقته في نفس الوقت..؟! متى ستعود أمي من المشفى..؟ سؤال كانت تكرره رجاء على خالتها, عندما كانت تتصل للإطمئنان عليها.. أثار إلحاح رجاء وتوسلاتها لخالتها بأن ترجع أمها للبيت سريعاً مخاوف الخالة. تعرضت أم رجاء لحادث اجبرها على البقاء في المشفى لعدة أشهر, وقد تركت ابنتها رجاء (14 عاماً) برعاية والدها الاربعيني, الذي استغل غيابها وقام بإغتصاب رجاء عدة مرات, ما أدى إلى حملها. قامت الأم بالشكوى على زوجها, وحاولت اجهاض ابنتها التي كانت تعاني من وضع نفسي سيىء, إلا أن تقرير طبي أكد بأن صحة رجاء غير معرضة للخطر كي يتم اجهاضها, بينما لم يراع التقرير صحتها النفسية, فما كان من الأم إلا السفر, واجراء عملية الإجهاض خارج الأردن. فيما حكم الأب بالإعدام وتم تنفيذ الحكم, وقد وقعت هذه الحادثة في تسعينيات القرن الماضي, أي قبل تجميد عقوبة الإعدام في الأردن. يشار إلى أن القانون الأردني يمنع الإجهاض, ويجيزه بحدود ضيقة جداً, منها تعرض صحة الأم للخطر. ويطالب استشاري الطب النفسي د. محمد حباشنة بتشريع اجهاض حمل "السفاح", لما يترتب عليه من آثار نفسية مدمرة على الأم والطفل مستقبلاً. مؤكداً إن حمل "السفاح" بحد ذاته يشكل حِملاً ثقيلاً على المرأة, وأن إجهاض أجنة "السفاح" يُعد تخفيفاً لهذا الحِمل المزعج, حيث تصاب المرأة باضطرابات النفاس, والتي تظهر منذ بدء الحمل وتستمر حتى الولادة. وقد تتطور إلى اكتئاب النفاس أو ذهان النفاس, والتي تشمل القلق, شعور مزمن بفقدان الثقة بالنفس, والنظرة الدونية للنفس. مشيراً إلى إن 10 إلى 15 بالمئة من حالات الاكتئاب تودي إلى الانتحار, وهذا الأمر يتعزز أكثر بحال أطفال "السفاح" والذي يترتب عليه ضغوط اجتماعية ودينية تزيد من تفاقم المشكلة. وبالرغم من ذلك, يؤكد د. حباشنة بأن إمكانية العلاج هنا واردة بالنسبة للضحايا, ممن تعرضن لعنف السفاح, ولكنها تحتاج إلى علاج طويل, قد يمتد إلى سنوات. ويشير حباشنة أنه "في مرحلة ما، ينبغي أن يعرف الطفل طبيعة العلاقة التي جاءت به للحياة، حتى يستطيع الإستمرار بحياته"، مستدركا أنه إذا انتهى ترابطه مع ذاته واضطرب "ينشأ طفلاً مرفوضاً من ذاته ومن الآخرين". ولا يرى الباحث الإسلامي د. حمدي مراد ضرراً من اجهاض أجنة "السفاح", إن لم يتعد الجنين الشهرين, حيث لا تكون الروح متخلقة خلال هذه الفترة. أما إن تعدى الجنين الشهرين, فلا يجوز اجهاضه, كونه ضحية يجب أن يعامل برحمة واحترام, وهو مولود طاهر بما أن الله أوجد فيه الروح, فقد طهره, وإن لم يطهر فعل من أنجباه, والله سبحانه وتعالى أعطى هذا الجنين ذكراً أو أنثى حق العيش الكريم, ولا يحق للناس أن يتعاملوا معه بدونية. مصير مجهول يشار إلى أن قانون الأحوال المدنية الأردني يمنح اطفال "السفاح" الحق في الحصول على اسم رباعي "منتحل" ووثائق رسمية مثل الهوية الشخصية ودفتر العائلة، وجواز السفر. وتقوم مؤسسات وزارة التنمية الإجتماعية برعاية اطفال "السفاح" من خلال دور الرعاية الاجتماعية وبرنامج الاحتضان, وتنتهي مسؤولية الوزارة برعايتهم عند بلوغهم 18 عاماً. فيجدون أنفسهم في الشارع, معرضين للإنحراف أو الإنتحار. ولا يتوفر أرقام دقيقة لأعداد خريجي دور الرعاية، إلا أن وزارة التنمية الاجتماعية تتحدث عن أكثر من 1200 خريج خلال العقد الماضي، غالبيتهم خارج الاهتمام أو المتابعة. فيما يقدر عدد الاطفال في دور الرعاية الاجتماعية في العام 2008 (943) طفلاً, مصنفين إلى ضحايا العنف, أطفال التفكك الاسري, اطفال مجهولي النسب, الأيتام, والسفاح. تغليظ العقوبات للحد من "السفاح" أصدرت محكمة الجنايات الكبرى الأردنية 2008 حكماً بالسجن 13 عاماً مع الأشغال الشاقة المؤقتة بحق اربعيني أدين باغتصاب ابنته منذ كان عمرها 11 عاماً الى أن بلغت العشرين عاماً. ويعرف قانون العقوبات الأردني في المواد (285 و 286) جريمة السفاح، بأنها ارتكاب الزنا بعين الأصول والفروع، سواء أكانوا شرعيين أو غير شرعيين، وبين الأشقاء والشقيقات والأخوة والأخوات لأب أو لأم، أو من هم في منزلتهم من الأصهار والمحارم، ويعاقب مرتكبه بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبعة أعوام, ويلاحق الجاني بناء على شكوى قريب أو صهر أحد المجرمين حتى الدرجة الرابعة. ويرى ناشطون أن هذه العقوبات لا تشكل رادعاً للجناة أو يمكن أن تحد من ارتكاب جرائم "السفاح", ويطالبون بتغليط العقوبة بحق الجناة, فيما يشير القاضي د. عوض أبو جراد أن تغليظ العقوبات لن يمنع وقوع الجريمة, مؤكداً أن استئصال شأفة الجريمة من المجتمع يعتمد على عوامل عدة, منها العقوبة, التوعية والتثقيف ونشر قانون الحماية الاسرية داخل المدارس, ما يمكن الطلاب من فهم واستيعاب معنى التعنيف سواء كان جنسياً أو بدنياً, وبالتالي, الحد من وقوع هذه الجرائم, وهذا الأمر يحتاج إلى تعاون كافة مؤسسات المجتمع من حكومية وأهلية. يشار إلى أن قانون العقوبات الأردني استحدث بعض التعديلات في العام 2010 التي وسعت نطاق بعض الجنح، التي توقف الملاحقة فيها، بإسقاط الحق الشخصي، في قضايا التحرش الجنسي داخل الأسرة الواحدة. ورفع سن الحماية القانونية لمن هم دون الثامنة عشر عاماً، بدلاً من الخامسة عشر عاماً, إضافة إلى تغليظ العقوبات. وتنص التعديلات في المادة 63 من قانون معدل لقانون العقوبات الأردني لسنة 2010 جزء 2، والمعدلة للمادة (295) من القانون الأصلي, على: أ- من واقع انثى اكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها وكان الجاني أحد اصولها سواء كان شرعياً أو غير شرعي, أو واقعها أحد محارمها أو من كان موكلاً بتربيتها أو رعايتها أو له سلطة شرعية أو قانونية عليها, عوقب بالأشغال الشاقة عشرين عاماً. ب- وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إذا أكملت المجني عليها الثانية عشرة عاماً ولم تكمل الخامسة عشرة عاماً من عمرها. وفي هذا الصدد, يوضح القاضي أبو جراد أن جرائم العرض تقسم إلى نوعين؛ النوع الأول: الجرائم التي تقع بالاكراه أو التهديد (الإغتصاب), والنوع الثاني: الجرائم التي تخلو من الإكراه والتهديد. ويبين أنه قبل أجراء التعديلات كان من الصعوبة اثبات عنصرا الإكراه والتهديد, فمثلاً لو أن شخصاً وضع يده على مكان عفة طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات, كان من الصعوبة اثبات عنصر الإكراه, في هذه الحالة, فيما افترضت التعديلات الجديدة توفر عنصر الإكراه للضحايا دون سن الثانية عشرة عاماً, ذلك أن الصغيرة تكون ارادتها مسلوبة, وغير ناضجة, ولا يمكن التعويل على موافقتها, لأنه يكون مغرراُ بها. وقد عملت التعديلات أيضاً على إلغاء اسقاط الحق الشخصي في جرائم العرض التي تقع على الاطفال دون سن الثانية عشرة عاماً, حيث يحكم الجاني بالإعدم إذا كانت الضحية تحت سن الثانية عشرة عاماً, ومورس ضدها الاكراه. ويوضح القاضي أبو جراد بأن "السفاح" جريمة مركبة, فلو واقع الأب ابنته القاصر رغماً عن ارادتها, ممارساً الإكراه معها, فالفعل هنا ينطو على جريمة "سفاح" من جهة, ومن جهة أخرى جريمة "اغتصاب". وبما أن الجريمة الأشد هي "الإغتصاب", يحكم الأب بالإعدام. إلغاء عقوبة الإعدام وعلى الضد, ممن يطالبون بإعدام من يرتكبون جرائم "السفاح", يطالب الباحث الإسلامي د. حمدي مراد بتعديل حكم الإعدام إلى الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة, مشيراً إلى أن السجن مدى الحياة يمكن أن يشكل رادعاً للآخرين ويمنعهم من اقتراف هذه الجرائم, إضافة إلى أنها أشد قسوة على الجاني, الذي يفضل الموت على البقاء مسجوناً مدى الحياة. ويستدرك د. مراد بالقول أن عقوبة الإعدام يجب أن تنفذ فقط بحدود الشرع الإسلامي, مشيراً إلى وجود 23 عقوبة اعدام في الأردن, فيما لا يبيح الشرع الإسلامي سوى ثلاث عقوبات, وهي الزنا للمتزوجين, وجريمة القتل, وجريمة (الحرابة) أي قطع الطريق, الذي يفضي إلى القتل العمد وترويع الناس, مؤكداً أنه ضد عقوبات الاعدام جميعها, وحتى التي أباحها الإسلام, ذلك أن الناس لا تفقه أمور دينها, وتعيش بجهل, وتعاني من تردي الأخلاق, وعندما يقام المجتمع الإسلامي الصالح, ويفقه الناس أمور دينهم, حينها نطالب بتنفيذ هذه العقوبات, مشيراً إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام, لم يقيم "الحدود" إلا عندما فهم الناس أمور دينهم. ويقول الباحث الإجتماعي د. صبري اربيحات إنه إذا اردنا كمجتمع أن نمحو آثار الجريمة, فيجب أن نلحق بالجاني اذىً, يفوق بمقداره "اللذة" التي جنها من ارتكاب "الجريمة". فما هي "اللذة" التي ينالها من يعتدي على أفراد أسرته, أو من هم ضمن حمايته في أهم خصوصياتهم..؟, هذا اعتداء صارخ لا يقوم به إلا من فقد سلامة الحكم والتقدير.. فكيف له أن يدرك الألم الذي سيتم ايقاعه عليه من خلال (العقوبة), منوهاً أن المجتمع يمتلك أدوات أخرى إلى جانب العقوبة, يمكنها أن تحول أساساً دون وقوع الجريمة, فالأشخاص المرشحين لإرتكاب الجريمة, تظهر عليهم بعض المؤشرات التي تنذر بالخطر قبل حدوثه, ويمكن هنا لكل المعنيين, من أفراد ومؤسسات بالتدخل وتقديم المساعدة لهم, قبل أن يتأصل لديهم الإنحراف اكثر, ويرتكبوا جرائمهم, بحيث يمكن علاجهم وإعادة تأهيلهم ودمجهم بالمجتمع. ويؤكد د. اربيحات على ضرورة إعادة صياغة المنظومة التربوية والثقافية وتعديل الأفكار السائدة عن الجنس وطرق إشباعه، لافتا إلى ضرورة تنبه القائمين على المناهج التربوية إلى العمل على زيادة الوعي لدى الطلاب, ووسائل الإعلام أيضاً كي يأخذ الجميع دوره بإلغاء الجهل الذي يولد تلك الأخطاء القاتلة وغيرها. مشدداً على أنه لا يكفي أن يعرف الإنسان أن "سفاح المحارم", حرام أو عيب، إنما من المهم أن يعي ويفرق بين نماذج العلاقات التي نعيشها في الحياة، بحيث يصبح ذلك جزءً من نسيجه الفكري. إضافة إلى دور الأسرة ب "تعليم الأطفال على البوح بما يصادفهم من مشاكل أو أمور يصعب عليهم تفسيرها، وعدم تركهم عرضة للضغط أو التهديد أو الخوف من أي شخص من أي سلوك مهما كان خاطئا". وبدورها تؤكد الناشطة الحقوقية أنعام العشا أن غياب التضامن الأسري والإجتماعي مع المرأة, هو من يجبرها على تقبل العنف خجلاً من مواجهة الاتهامات وخوفاً من القانون الذي تجهله. مشيرة إلى أن سيادة القانون وتطبيقه بعدالة, ونشر الوعي والثقافة في المجتمع بعقوبات من يقومون بهذه الجرائم, اضافة إلى تمكين النساء في مختلف المجالات, وايجاد البدائل لهن, هو الإجراء الأنجع للقضاء على العنف بأشكاله المختلفة, على أن يتم ذلك بالتوازي مع انشاء قانون جديد للأسرة يتوافق مع مفهوم تحقيق العدالة الإجتماعية ويكفل حماية المرأة مترافقاً مع انشاء قانون أصول محكمة الأسرة. جرائم "السفاح" ليست بطارئة على المجتمع الأردني, وهو كغيره من المجتمعات الإنسانية, يعاني من قضايا "المسكوت عنه", وقعت هذه الجرائم في السابق, ولا تزال ترتكب غالباً بحق فتيات صغيرات, من قبل من تقع مسؤولية حمايتهن ورعايتهن على عاتقهم. بدرونا, نتساءل: ما هي مبررات المؤسسات الرسمية المعنية بمعالجة هذه القضايا بحجب المعلومات الخاصة بها, عن وسائل الإعلام..؟ يضاف إلى ذلك, موقف اتحاد المرأة الأردنية, فيما يخص ملف "سفاح المحارم", الذي اعتذر عن المشاركة في هذا التقرير, بحجة أن التعاطي مع هذه القضية يخدم مؤسسات التمويل الأجنبي, التي تتربص بمجتمعنا, وتسعى إلى إظهار هذه القضية كظاهرة في الأردن. يشار إلى أن اتحاد المرأة الأردنية, تعاطى ولا يزال يتعاطى مع قضايا "السفاح", واحتضن ملجأ ضحايا العنف فيه, بعض حالات "السفاح". ومن القضايا التي تابعها اتحاد المرأة الأردنية, قضية امرأة تم تزويجها لشخص يعاني من اعاقة عقلية, وقد انجبت 3 اطفال من والد زوجها, الذي كان يمارس معها "السفاح". جريمة "السفاح" هذه تم كشفها, عندما قام والد زوجها بطردها وتطليقها من ابنه, وقد منعها من رؤية اطفالها, فُهدد "الجد" بإجراء تحليل DNA الذي يثبت أبوته لأطفال زوجه أبنه, مما أجبره على الرضوخ والسماح لها برؤية أطفالها. حتى اعداد هذا التقرير, كان لا يزال د. عوض ابو جراد, قاضي محكمة الجنايات, ينظر بجريمة "سفاح" بين شقيق وشقيقته, فيما تم توديع شابة (19 عاماً) في السجن, ووضع شقيقها الحدث (17 عاماً) في مركز للأحداث, فمن الجاني, ومن الضحية بجريمة "السفاح" هذه..؟!